لم يقصر فرعون يوما في عمارة الأرض، فقد وصفه الله تعالى بفرعون (ذي الأوتاد)؛
قال المفسرون : هي كناية عن رسوخ ملكه، وكثرة جنده، وعظمة منشآته!
وكانت خزائن البلاد على عهده عامرة بالخيرات، حتى قال موسى عليه السلام (رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا..)، وقال الله :(فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ)، وكانت القصور والأنهار والزروع والثمار تسر الناظرين (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ).
ومع كل هذا النجاح والتقدم في مصالح الدنيا، ينفي الله تعالى عن الفرعون صفة الرشد نفيا قاطعا، فيقول سبحانه: (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) ويتوعده ومن اتبعه بعاقبة السوء ، ولعنات الأبد فيقول عز وجل: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ . وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) ليعلم الخلق أن النجاح الحقيقي هو في شيء آخر غير كنز الأموال، وبناء الدور والقصور، وشق الترع والطرق، واصلاح الدنيا..!
بل لا بد قبل ذلك من الاهتداء إلى مصالح الدين، وإقامة الشرع، وتحقيق العدل والإنصاف، وإشاعة قيم الإيمان والفضيلة وصيانتها: (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا . وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا).
والمقصود أنه لا بد من إعادة النظر في مفاهيم ( النهضة والتقدم ) بمفاهيمها المادية، التي تقدم إلى العقل المسلم باعتبارها ( ميزان النجاح ) في الحياة ، في غفلة تامة عن مفهوم ( الرشد الإنساني ) الذي يقدمه القرآن الكريم، باعتباره معيار الصلاح الحقيقي..
*وبالمجمل: “بناء الإنسان يجب أن يسبق بناء العمران!”