شغلتني كثيرا فكرة أن يأتي العالم إلى شبه جزيرة العرب.. يلعب ويتنافس ويتصارع على كل المستويات التى يمكن أن تستوعبها الحياة المعاصرة..اجتماعية سياسية اقتصادية دينية أخلاقية وغيرها..فهذه المناسبة من المرات النادرة التى تتداخل فيها الأمور وتتفاعل العناصر بشكل دراماتيكي والمرة الاولى ايضا التى تنتقل فيها الجماهير إلى المنطقة العربية والإسلامية بهذه الكثافة وسط أجواء مشحونة بأحاديث صريحة عن الإسلام والإرهاب وايحاءات وايماءات لاتكاد تتوقف عن الارتباط بين المسلمين والارهابيين!!
ورغم ذلك لم يطرح أي تساؤل من قبيل لماذا لم يتردد العالم في الانتقال الى قطر الدولة الصغيرة شديدة الحرارة غير الملائمة أو التى لا تتشابه مع مقرات استضافة المونديالات السابقة على ابسط تقدير ويقبل أن يلعب العالم في ملاعب مكيفة فضلا عن ذلك ووفقا للقواعد المرعية المؤكدة على الاحترام لثقافة وعادات وتقاليد البلد المضيف. والكل يعلم أنها في كثير منها مغايرة معارضة رافضة مرفوضة سلوكا وأخلاقا وعادات المشاركين المتنافسين ؟!
في ظنى أن الأمر ليس صدفة أو اعتباطا أو أنه شطارة طرف يملك قوة الاغراء والغواية أو أن أطرافا غارقة في أمور لاعلاقة لها بالشفافية والطهارة فضلا عن أي حديث عن رسالة إنسانية سامية ومشتركات عالمية من أجل دعم قيم الحب والخير والجمال..
أمور أخرى أظنها ليست عبثية بل هي قدرية مقصودة بامتياز وبما يجبر العقل الإنساني على أن يتوقف ويتأمل ويعيد ترتيب كثير من أموره وأولوياته خاصة وهو حائر يبحث عن ملاذ وطريقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فيما تورط فيه اصحاب الوعي الشقي والعقول المتمردة على كل شيء سواء له علاقة بالفطرة أو حتى بالعقل رغم ادعاءات العقلانية والمنطق التى لا تسمن ولا تغني من جوع.
اول واهم ضربة قدرية أن قطاعا كبيرا ومهما من الغربيين وجدوا أنفسهم في لقاء حقيقي طبيعي مع اهل العروبة والإسلام على أرض الواقع..بعيدا عن حملات المغرضين والكارهين والمزيفين للحقائق عن الإسلام وأهله وأنهم أهل شر وإرهاب وعالم يعيش في غيابات القرون ماقبل الوسطى وأنهم من مصاصي الدماء واكلة لحوم البشر لا يتوقفون عن الإرهاب وصناعته وتصديره والعيش عليه والتربح منه!
هكذا يصبح الغربيون ويمسون على صور كريهة بغيضة عن الإسلام والمسلمين حتى كادوا أن يجعلوا اسم المسلم المرادف الطبيعي للإرهاب بحيث إذا ذكر المسلم أو الاسلام لاينصرف الذهن الا إلى الإرهاب وشئونه وشجونه حتى أصحاب الحقوق ومن يدافعون عن أوطانهم ومقدساتهم تحولوا بفضل تلك الدعايات إلى إرهابيين وقتلة لا يعرفون حقوقا لالإنسان أولحيوان.
أهمية هذا المحور أن جمهور كأس العالم يمثل شريحة معتبرة من الجماهير المستهدفة بالدعايات المغرضة وتشويه الصورة الذهنية وغيرها عن الإسلام والمسلمين لذلك عندما يأتون لزيارة قطر والدول المجاورة لها بتسهيلات المونديال ويتعاملون مباشرة ويتفاعلون مع الشارع العربي بكل بساطة واريحية وكرم عربي واضح في كثير من المواقف سواء خارج الملاعب أو داخلها مع جماهيرعربية ومسلمة وايضا لاعبون مسلمون فهم يكتشفون الصورة على حقيقتها ويستطيعون فرز كم الخداع والزيف الذي يروج عن الإسلام والمسلمين والعرب وبلادهم ذات الحضارة وشعوبهم الاكثر تحضرا وإنسانية من الآخرين..
ولعل في هذا اقوى ضربة لجهود قوى الشر الحقيقية وصانعي الإرهاب ودعاته ورعايته على الساحة الدولية التى احترفوها على مدى عقود بلا كلل أو ملل.واتضح لهم بما لا يقبل اي شك أن الإسلام براء من كل ذلك..
مسألة قدرية أخرى على صعيد المواجهة الأخلاقية. فقد بدأ واضحا الاصرار الغربي على ضرورة السماح بنشر وترويج الانحلال والإباحية والمثلية الجنسية وضرورة توفير الحماية للمروجين لها وعدم الإعتراض عليهم وكذلك الأمر فيما يتعلق بالخمور والمسكرات وهي الأمور التي حرمها الاسلام بشكل قاطع.
وقد أحسنت الفيفا صنعا بالموافقة والعمل على تأكيد احترام الخصوصية الإسلامية والعادات والتقاليد العربية الأصيلة وهو أمر أصاب البعض أما بالاحباط أو الامتعاض وحاول بعضهم كسر الحواجز وخرق القواعد والقوانين المنظمة من أجل عيون الشواذ ومن هم على شاكلتهم.الأمر الذي فضح بشكل جلي اوهام الاخلاق في الحضارة الأوروبية وكشف إلى أي مدى وصل الانحطاط على هذا الصعيد.
من المفارقات المدهشة أن تنعكس الروح الأخلاقية والتوجهات الداعمة للقيم الإنسانية حتى على طريقة التشجيع للمنتخبات وان تجد نفسك أمام معايير جديدة للتشجيع بدلا من المعايير التقليدية الحاكمة القائمة على النجوم التاريخيين أو على مدرسة معينة مشهورة ومحبوبة في اللعب وقد عبرت الجماهيرعن تلك المعايير الأخلاقية الجديدة بعفوية وإخلاص وربما تكون المرة الأولى موندياليا نشهد تشجيع الفرق وفقا لنزعتها الأخلاقية. كما حدث وشاهدناه من رفض وشماته في هزيمة الفرق المؤيدة والمطالبة برفع شارة الشواذ.وكذلك رفض المواقف العنصرية لبعض الفرق من النجوم الكبار مثلما حدث مع النجم العالمي مسعود أوزيل.
في تصوري أن سيادة النزعة الأخلاقية هو انتصار للرسالة الأصيلة والمقاصد السامية لشريعتنا الغراء وتأكيد على القاعدة التى ارساها النبي صلى الله عليه وسلم..إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق..
وهذا التوجه فيه رد قوي على من حاولوا الاستعلاء بقيم الحضارة الغربية ومحاولة تبرير عزل وعدم استقبال اللاجئين المعرضون للغرق في البحر المتوسط وغيره بخوفهم على أخلاقهم..وهي شعارات سقطت تحت اقدام دعاة الشذوذ والفجور بمباركات رسمية غربية للاسف الشديد!!
ليس بعيدا عن ذلك مقاطعة ممثلي الاحتلال ومن يعتدون على المقدسات ويدنسونها وعدم التعامل معهم على اي مستوى كان إعلاميا أو شعبيا ورفض تقديم اي خدمات أو مساعدات لمن تلوثت أيديهم بدماء الشهداء من أبناء الوطن مثلما حدث مع الاسرائيلي جاي هوجمان وظهر بصورة صحفي ومراسل تلفزيوني وهو في الحقيقة عسكري صهيوني وكان قائد الكتيبة ٩٣٢ في لواء نحال عوز شارك في عمليات القتل والتصفية للفلسطينين في غزة وغيرها وكان يسوق نفسه في المونديال على أنه صانع سلام.لكنه فوجيءبانكشاف أمره ورفض الحديث معه أو دخوله اي مطعم أو ركوب سيارة تاكسي. الغريب والمثير لعلامات الاستفهام أن تذيع اسرائيل هذه المواقف ورسائل مندوبها في المونديال يقول فيها صراحة.. نحن غير مرغوب فينا هنا.الجميع ينبذوننا على الفور بمجرد أن يعرفوا هويتنا..لا نستطيع وضع شارة القناة على المايك فلا احد يريد الحديث معنا!
يحدث هذا بصرف النظر عن كون قطر من دعاة ورعاة التطبيع بل إن رئيس وزراءها الأسبق حمد بن جاسم هوصاحب صك الهرولة نحو التطبيع !!
بعيدا عن منافسات الكرة والصراع على الفوز فإن أهم الخاسرين خارج نطاق الأربع خشبات وأسوار الملاعب يتصدرهم قوى الشر واللادينون والملحدون ومن على شاكلتهم من العلمانيين والمناوئين للقيم الإنسانية ومبادىء الفطرة السليمة وذلك إثر حالة الجدل الحاد التى حاول فرضها عناد الشواذ وأنصارهم من لعيبة وغيرهم وأرباب الخمور والمسكرات .
السؤال الان ترى هل تنجح دورة المونديال الحالية في تغيير الصورة التى حاولت قوى الشر الترويج لها عن الإسلام والمسلمين ؟!
هل تنجح في خلخة المواقف الداعمة لنشر الشذوذ والرذيلة والحض عليها ؟!
هل تنجح الدورة الحالية في لفت الأنظار إلى ضرورة عدم استغلال الهيئات والمؤسسات الدولية لفرض قيم مغايرة ترفضها الشعوب خاصة تلك التى تتعارض مع دينها وتقاليدها؟!
..اخشى ما اخشاه أن يكرر ضيوف المونديال التجربة المريرة للامام محمد عبده عندما زار أوروبا وقال وجدت إسلاما بلا مسلمين..الأمنية الكبرى أن يعود الضيوف بكل أطيافهم والوانهم وعقائدهم من الشرق والغرب ويخبروا اهليهم وكل من يعرفون: رأينا إسلاما ومسلمين بجد..
والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com