للبحث العلمي أهمية كبرى في كافة المجتمعات الإنسانية على حد السواء، فال يمكن أن تتقدم وتتطور وتحل أزماتها إلا من خلال إجراء العديد من البحوث العلمية، ولكن في حقيقة ألامر الا يزال البحث العلمي في عاملنا العربي دون المستوى الذي تتمناه الشعوب العربية لتتمكن من الانتقال من العالم الثالث إلى واقع العالم المتقدم بما يحمله من تطورات واختراعات، رغم ما تمتلكه من إمكانيات هائلة أنعمها هللا عليها.
وتأتي هذه الدراسة لعرض صورة عن طبيعة الصعوبات الحقيقية والمتشعبة التي تواجه مسار البحث العلمي في العالم العربي، أي توضيح أسباب تأخرنا العلمي والذي يحول دون إتقان العلم ومن ثمة تخليص الذهن العربي من حالة التخلف والتقوقع في أفكار خاطئة، وتدعيمها بمجموعة من الدراسات السابقة في هذا المجال، وفي الأخير محاولة وضع استراتيجيات علمية مستقبل البحث العلمي في العالم العربي من أجل تطويره والرقي به واللحاق بالتطورات التي وصلت إليها دول العالم المتقدم في مجال البحث العلم
يعتبر البحث العلمي ضرورة حتمية للتطور والازدهار والخروج من قوقعة الجهل والتخلف، ففي وقتنا الحالي تولي الكثير من البلدان أهمية كبيرة للبحث العلمي باعتباره أحد أهم الدعائم الأساسية للنهوض بمجتمعاتها في شتى المجالات، وإدراكا منها بمدى مساهمته في تحقيق التنمية والازدهار والرفاهية، لذلك تبدل هذه البلدان مجهودات من أجل الرقي بالبحث العلمي وتحسين مستوياته، فبقدر ما تبدله الدول من جهد ومال بقدر ما يكون الأثر إيجابي على الفرد والمجتمع ككل.
نهدف من خلال هذه الدراسة إلى التأمل وتسليط الضوء على واقع البحث العلمي في الوطن العربي مقارنة بالدول المتقدمة لتبيان حجم الفجوة القائمة بينهما من خلال تقييم مجموعة من المؤشرات المتعلقة بذلك، مع وصف أهم التحديات التي تواجه سيرورته وتقدمه بهدف تدارك نقاط الضعف والتغلب عليها؛ وقد توصلنا إلى جملة من النتائج أهمها:
أن البحث العلمي في الوطن العربي دون المستويات المقبولة مقارنة ببعض دول العالم، لذلك يحتاج البحث العلمي في وطننا العربي تظافر الجهود أكثر مما مضى من أجل تحسين وضعيته ومستواه بما يتماشى مع التقدم والتطور في العالم، وفي ضوء هذه النتائج تقدمنا بمجموعة من المقترحات والتوصيات التي يمكن أن تسهم في ذلك.
يعتبر البحث العلمي من الأدوات الأساسية لتنمية المجتمعات والشعوب. تعتمد الدول العظمى عليه بشكل كبير في صناعة التقدم وتطوير أرس المال البشري والمادي وتحقيق التنمية وضمان استدامتها، مما جعل هذه الدول متفوقة في مختلف مجالات الحياة.
وبالنظر إلى واقع البحث العلمي في البلدان العربية، نجد أن الاهتمام بالبحث العلمي أقل مما ينبغي، وال يتناسب مع التاريخ العربي السالمي في مجال البحث العلمي. ففي العصور الوسطى، قد فكر العربي والسالمي للإنسانية أهم مصادر المعرفة، بينما كانت أوروبا غارقة في ظالم الجهل، و في الحقيقة، فإن المنهج العلمي الحديث وطريقة التفكير المنطقي قد أستخدمها العلماء العرب والمسلمون في أبحاثهم واكتشافاتهم في مجال الكيمياء والصيدلة والطب وغيرها من فروع العلوم التطبيقية. على أصالة البحث العلمي وتشير عدة دراسات بأن هناك علاقة مباشرة بين التنمية ونسبة الإنفاق على البحث العلمي من الناتج القومي.
إذ لا بد أن لا تقل هذه النسبة عن 1 بالمائة لكي يكون البحث العلمي ذو جدوى أي يمكنه المساهمة في التنمية بصفة فعالة. فكلما زادت نسبة الإنفاق على البحث العلمي عن 1 بالمائة كلما ارتفعت معدلات النمو. ومن أهم أسباب ضعف هذه النسبة بالدول العربية هو شبه غياب القطاع الخاص في المساهمة بالإنفاق على البحث العلمي في حين تصل نسبة مساهمة القطاع الخاص في تنفيذ البحث العلمي باليابان إلى أكثر من 70 بالمائة وبالمكسيك إلى حوالي 60 بالمائة.
والجدير بالذكر أن حتى مبدأ تشجيع البحث العلمي على الأقل من الناحية القانونية لم يتم التنصيص عليه بدساتير عدة دول عربية مما أدى إلى غياب الجدية في التعاطي مع هذا القطاع. في الختام ولتطوير منظومة البحث العلمي بالعالم العربي يجب مزيد العناية بالتعليم وخاصة التعليم الأساسي عبر زرع روح المبادرة والثقة في نفوس الطلاب منذ الصغر إلى جانب إيجاد استراتيجية واضحة بخصوص منظومة البحث العلمي بالإضافة إلى تشجيع وتحفيز الباحثين والصناعيين للاستثمار في هذا المجال. ومن أجل تفعيل دور البحث العلمي بالجامعات في تنمية المجتمع فيجب إيجاد خطة لاستقطاب الخريجين والباحثين وعدم الفصل بين البحث العلمي والأولويات والمشكلات الواقعية بالمجتمع خاصة في مجالات الطاقة والمياه والزراعة فبدون البحث العلمي لن نستطيع تجاوز هذه النقائص مستقبلا.
كذلك ولتنمية التواصل بين قطاع البحث العلمي والمحيط الصناعي يجب إنشاء مراكز من أجل التنسيق بين مختلف المؤسسات والمنشئات البحثية. تتزايد الاهتمامات بالبحث العلمي بشكل كبير في مختلف دول العالم خاصة تلك الدول التي أخذت تتسابق فيما بينها من أجل احرزا مزيد من التقدم التقني الذي، يخدم جوانب التنمية الشاملة ويضع الحلول لمشكلاتها الواقعية ويساعد على مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها الشعوب داخليا وخارجيا. رغم هذا بقيت الدول العربية دون تفعيل جاد لمنظومة البحث العلمي والتنمية التكنولوجية في الوطن العربي ودون ان تحقق ما تصبو اليه الشعوب من تقدم، أي ان الحماس الظاهر لم يكن ممزوجا بالواقعية وتوفير الإمكانيات اللازمة لدعم مسيرة البحث العلمي والتنمية التكنولوجية، رغم تأكيد العلماء ان الأخذ بأسلوب البحث العلمي لمعالجة المشكلات الحياتية التي تعترض مسيرة الشعوب لم يعد رفاهية أكاديمية تمارسها مجموعة من العلماء المعنيين بواقع هذه المشكلات، بل أصبحت ضرورة لابد من الأخذ بها وزيادة واضطراد المخصصات لهذا الجانب والتي لا تتعدى حاليا نسبة ضئيلة جدا هي 2% فقط من أجمالي الأنفاق العالمي على البحث العلمي.
ومن هنا يؤكد علماؤنا في أكثر من مناسبة انه لا يمكن للبحث العلمي العربي ان يتقدم ما لم تتطابق مشكلاته مع الواقع العربي، وان يكون ملامسا للمشكلات التنموية وان يدخل الى مواقع مختلفة في المجتمع، ويخترق الموانع التي تفرض على تطبيقه كنتائج يحتاج اليها المجتمع، والوصول اليها يحتاج الى أموال توظف، خاصة وان العلم أصبح وسيلة للتغيير الصناعي والاجتماعي للشعوب كي تواكب التقدم العلمي العالمي المتسارع. تخلف البحث العلمي عربياً انه على ضوء التطورات الإقليمية والدولية وما أفرزته من ظواهر جديدة على الصعيد العالمي كانتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومبدأ المنافسة التجارية وما سببته هذه التطورات من اختراق للاقتصادات العربية يظهر مدى تخلف البحث العلمي في الوطن العربي ومؤسساته المختلفة من خلال غياب الاستراتيجيات العلمية للبحث العلمي وعدم توجيهه نحو الربط بين العلم والتكنولوجيا وبين المجتمع، إضافة الي عدم قدرة البحث العلمي العربي على مواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي، ناهيك عن عدم الأخذ في الاعتبار أولويات ومتطلبات التنمية الشاملة والإمكانيات المتاحة.
ان الاستراتيجية لم تنل نصيبها بشكل كاف في التطبيق لظروف ومتغيرات متسارعة ولعدم دعمها رسميا وشعبيا وانها مازالت تعكس في جوهرها الأوضاع الراهنة والتطلعات والآمال على الرغم من أنها تحوي أسلوبا علميا ومنهجيا قابلا للتطوير والتطبيق، ان الدول العربية تنفق على التعليم العالي اكثر بكثير مما تنفقه على البحث العلمي والتطوير التقني، وهو عكس ما يجري في العالم المتقدم وما زال القطاع الخاص لم يضع كل إمكانياته بعد في خدمة البحث العلمي بالتنسيق مع المؤسسات الوطنية. وعندما تعرض العذل لمستقبل البحث العلمي العربي المستقبل المشرق في كل المجالات هو من نصيب التكتلات الكبيرة والتجمعات الكبرى، والعلوم والثقافة هي الأرض الخصبة لأي تعاون بناء ومثمر بين الدول العربية