سألني صديقي وهو مهموم مغموم ماذا ستفعل في الفلانتاين بعد أيام؟!
قلت له وهل هناك فعل مخصوص لهذا اليوم يجعلك في هذه الحالة ؟
وواصلت ممازحا لعلي اخفف عنه: يا صاحبي دعك من الدباديب واخواتها فلا وقت للدباديب فهي لن تقدم ولن تؤخر ولن يبحث عنها احد في ظل الازمة العالمية هناك أشياء اهم يبحث عنها الناس بمن فيهم اهل الفلانتاين..
ودعنى اسالك واجبني بصراحة منذ متى وهناك وقت للحب ووقت ل اللاحب؟..هناك قيم لا تحتاج ان يخصص لها يوم فقط او يومان او حتى أسبوع او شهر مثل الحب لانها يجب ان تكون منهج حياة في كل لحظة وثانية من ليل او نهار لايجب ان نتوقف عن الحب مهما حدث ومهما مرت الأيام والدهور.وتخصيص يوم لها ينزع هيبتها ويحولها الى سلعة ومادة للتجارة والتربح على حساب القيم النبيلة وهذا ماحدث..اعتقد انه لم يكن يخطر ببال من فكروا في يوم للحب ما حدث بعد ذلك وتحوله الى مناسبة تجارية بحته واصبح للحب تسعيرة او مادة للهو وفي افضل الحالات تبادل الهدايا والورود فيما تراجعت القيم والمعاني ومقاصد الحب السامية النبيلة وتأثيرها في ضبط نغم الحياة..
للأسف يوم الحب تحول الى لعبة الى تجارة الى أداة لضرب القيم وتلويث المفاهيم الجميلة في العلاقات بين البشر حتى ظهرت فئات المتلاعبين بالحب والمتاجرين بالعواطف والعابثين بالمشاعر وهؤلاء ستجدهم اكثر نشاطا في سوق الفن ابتداء من عالم الأغاني وما اكثر الاغاني الهابطة.. والاسفاف على هذا الصعيد باسم الحب والعشق وغيره يزكم الانوف وفي الدراما وما ادراك ما الدراما وكيف اساءت للحب وشوهته وحاصرته في الغرف المظلمة والحانات والبارات وعلب الليل ولم تكن الدراما بعيدة أيضا سواء في المسلسلات والأفلام والتي قدمت مسخا مشوهة عن الحب وتعريفاته..وازعم انها لم تنجح في تقديم صورة حقيقية لمفهوم الحب كما يجب ان يكون في مجتمع راق ومحترم لسبب بسيط وهو ان معظم الاعمال كانت نظرتها للحب ضيقة جدا لا تخرج عن اطار العلاقة الرومانسية بين شاب وفتاة في مرحلة المراهقة في فترة ثورة الغريزة وهي مرحلة حساسة وحرجة وتحتاج لمعالجة خاصة عند التعرض لقضية الحب..للأسف معظم المعالجات قاصرة محصورة ومحاصرة في العلاقة بين ولد وبنت شاب وفتاة رجل وامراة ومرتبطة بالغريزة لم تغادر أبواب الخطيئة ان لم تقع فيها..مع ان علماء النفس والاجتماع قدموا دراسات جادة وقيمة عن هذه الفترة المهمة من حياة الانسان وما يحدث فيها وهل له علاقة بالحب الحقيقي ام هي مجرد انفعالات وهلاوس لا ترقى للبناء عليها اولتأسيس مستقبل وهل هي علاقات تصلح لبناء اسرة ام هي فترة وستمر بحلوها ومرها وللأسف مع ذلك نتعامل معها بعشوائية او بالطريقة التي يرغبها المراهقون ثم نفاجأ في النهاية بالاختلالات في المجتمع وعمليات الانهيار الاسري والتفكك الاجتماعي وما الى ذلك من مشكلات تهدد كيان المجتمع ككل وهوما يؤثر في النهاية على الامن والاستقرار وبالتالي خطط التنمية الحقيقية.
قال صاحبي : اذن لا وقت محدد للحب ؟
قلت : نعم بكل تأكيد نحتاج الحب في كل وقت وحين وبين كل الناس لا لفئة دون أخرى..فالجميع اهل للحب بكل معنى الكلمة. دبيب الحب يجب الا يتوقف لحظة بين بني البشر جميعا..ولا يتوقف عند مراهقة او شباب او شيوخ وعواجيز وما الى ذلك..
المشكلة يا صديقي اننا نريد ان نحتفل بالحب دون ان نتعلم الحب الحقيقي او بشكل صحيح..لو تعلمنا الحب سيكون للاحتفال معنى وقيمة وستظهر النتائج وسنرى اثارها في كل مكان بين الافراد والجماعات وفي كل العلاقات الإنسانية..وعندئذ ستمتد الاحتفالات بل وستتواصل أيام العام ولن تكون حكراعلى اهل فبراير او مارس او حتى بؤونة الحجر..
تعلم الحب وتعليمه قضية مهمة للغاية ولا يجب التعامل معها بهذه الطريقة الكوميدية او بالاهمال والاحتقار الحادث ونتركها نهبا لأبالسة الانس والجن يلعبون ويعبثون في العقول ويعيثون في الأرض فسادا كيفما يشاءون!. مطلوب وقفة حقيقية ليتعلم الناس الحب من مصادره الحقيقية الامنة ووأد المصادر الملوثة التي أوردت الشباب والمجتمع كل المهالك..
القضية قضية امة بأكملها والجميع مسئولون عنها ابتداء من زرعها ورعايتها وتنميتها والحفاظ عليها حية دائما خالصة غير ملوثة لبناء مجتمع ينعم بالحب الحقيقي وتعمه الطمأنينة ويظلله الامن وترفرف السكنينة على كل ارجائه..
الخطيئة الكبرى ان المجتمعات اهملت شأن الحب وتركته في جانب كبير منه لمن لا يحسنون صنعا ولاهل الدراما الذين يبحثون عن كل مثير وشاذ الذين سوغوا لانفسهم القفز على كل الحواجز وانتهاك القواعد الراسخة والتعدي على القيم تحت أوهام الحبكة الفنية وادعاءات الضرورات الفنية وهم يحفظون جيدا قاعدة الضرورات تبيح المحظورات وعندهم وفي عرفهم أصلا لامحظورات ولامحرمات امام الفن وما شابه ويستترون مرات كثيرة تحت غطاء الواقعية في المنهج وتحت ستارها قدموا صورا يندى لها الجبين باعتبار ان هذا ما يحدث واكتفوا بعرض الصورة وتضخيمها أحيانا ونسوا او قل فشلوا في تقديم علاج لها ولو باسم الحب أيضا..فشوهوا صورة المجتمعات وقدموا صورا رديئة للمراة والشباب اهلكتهم الغريزة بعد ان وقعوا في براثنها.
الفنون سلاح مهم وفعال كان يمكن ان يقدم الحب بصورة راقية ويعمل على تأكيده وترسيخه بما يملكه من قوة تشبه السحر أحيانا بما يملكه من مقومات ومؤثرات الا انه للأسف ساهم في ساحة العبث بالحب وتقديم صور مشوهة خاصة مع هجوم الاعمال الغربية المستوردة والمدبلجة واشباهها وقد قدمت نماذج لعينة في الحب والعلاقات العاطفية والجنسية بصور مغايرة ومناقضة لقيمنا الإسلامية الاصيلة فحدثت حالة من الاختلال واللخبطة وقل عدم الاتزان في الحب وعلاقاته.
قد يعترض البعض ويقول ان الحب حالة إنسانية والمشاعر تكون متقاربة .. نقول نعم ولكن هذا كلام حق يراد به باطل فالحب حالة إنسانية لكن الطرق مختلفة وهنا مكمن الخطر ومربط الفرس كما يقولون فضاع الحبيبة بين الدروب والمسالك المختلفة والمتنافرة والمتضاربة وضاع معهم الحب وأصبحت حياة المجتمعات على المحك..
قال صاحبي : وما اكثر وقت نحتاج فيه للحب؟
قلت : نحتاج للحب في كل الأوقات..والحاجة اليه في وقت الازمات أشد.. ولو كان الحب منهج حياة في أي مجتمع لما كانت هناك مشكلة حتى في الحالات الطارئة ولما وجد اي مستغل او محتكر او متاجر بمعاناة البشر يزيد الحياة صعوبة بدلا من ان يهون الصعب ويسعى لتذليل أي عقبة.. الحب كفيل بمعالجة الكثير من اختلالات النفوس وامراض المجتمعات ويمنحها قوة وحصانة على مواجهة التحديات أيا كان نوعها.
**عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ((إن اللَّه تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابّون بجلالي..اليوم أُظِلّهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)) رواه مُسْلِمٌ.
** روى مسلم من حديث أبي هريرة: ((والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا..أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)).
• قال بعض الحكماء: (مَن عَـصا والديه لم يرَ الـسرور مِن ولده ومَن لم يـستشر في الأمور لم يصل إلى مقصوده ومَن لم يدارِ أهلَه ذهبت لَذّةُ مَعِيشتهِ ومَن طالَ لسانهُ بَطُلَ إحسانه).
والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com