رغم مرور 1444 عاما على معجزة الإسراء والمعراج واشراقاتها على البشرية والتأكيد على المنهج الأسمى في أمور القيادة الروحية للكون إلا أن المتمردين على المنهج الإلهي وأنوار السماء لم يعرفوا الهدوء لحظة على مر التاريخ..فهم مهمومون مشغولون دائما بحثا عن وسيلة أو حيلة للتشكيك وصرف الأذهان بعيدا عن منهج الله وأنوار الهداية المحمدية التى جعلها الله خاتمة الوحي والاتصال الباقي بين السماء والأرض..
ذكرى الاسراء والمعراج هذا العام مختلفة نظرا لما تشهده الساحة من حملات ضد الإسلام والمسلمين عامة وفي القلب منها هجوم خاص قديم متجدد على المعجزة الكبرى الاسراء والمعراج..الامر الذي يطرح سؤالا بديهيا لماذا الاسراء والمعراج تحديدا؟!
الجواب تعرفه ببساطة مع القراءة الجيدة والمستوعبة للخريطة الجغرافية والسياسية من حولك..الارتباط وثيق والخيوط متشابكة حتى وان تباعدت المسافات والأزمان..
في القمة منها الأحداث الحالية سواء فيما يتصل بالمسجد الأقصى وما حوله أو ما يحدث من موجات عداء واستعداء على الإسلام والمسلمين.. بلغت الجرأة ذروتها مع محاولات خلق دين جديد او اسلام جديد يتناسب وطموحات الحاقدين والحانقين على الدين كدين وعلى الاسلام كرسالة خاتمة والإنسانية كلها بلا استثناء أو تمييز.
وستتضح معالم الصورة أكثر لو عرفت الإجابة عن السؤال من هم أكثر الناس عداوة وكراهية وخوفا من الاسراء والمعراج ؟!
يتصدر قضية الكارهين للإسراء اليهود فهم اول من سارعوا لانكاره بل وغضبوا غضبا شديدا منذ اللحظات الأولى للوحي المحمدي..ومن ساعتها وهم يجندون ويجيشون الجيوش ضد الاسراء والمعراج ولا يعترفون به ولم ييأسوا على فترات التاريخ سواء من جانب الأحبار والرهبان أو من جانب المستشرقين أو باللجوء إلى محترفي صيحات التشكيك والتضليل وتزييف الوعي والعبث بالعقول بكل وسائل العصر وادواته ولعل ما نشاهده على الفضائيات اليوم هو واحدة من تلك الحلقات المتصلة والمتواصل والتى يتم فيها استخدام اذناب منتسبة إلى المسلمين لشن حملات الهجوم والتشكيك ليس فقط في الاسراء والمعراج ولكن في ثوابت الدين كله.
لكن لما هذا الهلع والكره والإنكار للمعجزة الكبرى من جانب اليهود ؟!
أصل الحكاية واضح للعيان ومعلوم منذ إشراق انوار البعثة المحمدية ..فالاسراء نقطة تحول جذري ليس فقط في مسار الدعوة المحمدية ولكن في مسار الموحدين أبناء رسالات السماء..بداية التحول في قيادة قافلة الايمان والطريق إلى الله وكان الأقصى والقدس حجر الزاوية في القضية لأسباب كثيرة منطقية نابعة من الخصائص والتوجهات للرسالة الخاتمة وكون الاسلام مرسل إلى البشرية كافة ولا يختص بقوم او فئة كما كان الحال مع الرسل السابقين والأمم الاخرى. وكما يقول المؤرخون وكتاب السير وشراحها أن النبوءات ظلت دهورا طوالا وقفا على بني إسرائيل وظل بيت المقدس مهبط الوحي ومشرق انواره على الأرض وقضية الوطن المحبب إلى شعب الله المختار.. يقول الامام الغزالي في كتابه القيم “فقه السيرة ” فلما أهدر اليهود كرامة الوحي واسقطوا احكام السماء حلت بهم لعنة الله وتقرر تحويل النبوة عنهم للابد ومن ثم كان مجيء الرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم انتقالا بالقيادة الروحية في العالم من أمة إلى أمة ومن بلد إلى بلد ومن ذرية اسرائيل الى ذرية اسماعيل وقد كان غضب اليهود مشتملا لهذا التحول مما دعاهم إلى إنكاره.. لكن إرادة الله مضت وحملت الأمة الجديدة رسالتها وورث النبي العربي تعاليم ابراهيم وإسماعيل واسحاق ويعقوب وقام يكافح لنشرها وجمع الناس عليها فكان من وصل الحاضر بالماضي وإدماج الكل في حقيقة واحدة وأن يعتبر المسجد الأقصى ثالث الحرمين في الاسلام وأن ينتقل إليه الرسول في اسرائه..”
أذن عملية التحول كانت حتمية بعد الانحرافات العديدة وهذا الركام الضخم من الدنس وكفران نعمة الاصطفاء والفشل في تحمل أعباء الرسالة والحماقات التى ارتكبها بنو إسرائيل سواء مع انبيائهم أو الكتب المرسلة إليهم أو في علاقاتهم مع الأمم الأخرى واستعلائهم وسقوطهم في لعبة التمييز والتحريف ليؤكدوا تفوقهم العنصري واحتقار غيرهم من البشر.
التحول الحتمي كان ولابد أن يكون بمعجزة تعكس الامال الكبرى وما يجب ان تكون عليه الإنسانية وعلاقات العالم القادم وبخطوات تهيىء وتمكن الرسول الجديد من أن يستشرف كل الحاضر والمستقبل حتى فيما يمس جوانب الغيب والحياة الآخرة وما ينتظر المؤمنين الصادقين وكذلك المتمردين الرافضين لمنهج الحق..
لذا من الخطأ أن نتوقف فقط عند القول بأن رحلة الإسراء والمعراج كانت للتسلية والتسرية فقط عن رسول الله بعد ما أصابه في عام الحزن وغير ذلك من عنت وصعوبات في طريق الدعوة الى الله..فالمعجزة جاءت لتناسب المقام الجديد الذي يرتكز على قاعدة إتمام واكمال المنهج الإلهي بما يعني وراثة نركة الأنبياء السابقين وبمبايعة واضحة وصريحة من كل الانبياء للرسول صلى الله عليه وسلم وفي بيت المقدس حيث صلى النبي بالجميع إماما وفيها وبها سلموه المسئولية والخلافة والأمانة والعهد واوكلوا له ولامته من بعده مهمة الأرض المقدسة ورعايتها وحمايتها.. وهو ما يعني بوضوح انتهاء مهمة بني إسرائيل..
لذلك حفلت أحداث الاسراء والمعراج بالكثير من الأحداث والوقائع التي حملت تميزا كبيرا للمسلمين خاصة على صعيد الايمان والارتقاء الروحي ..في مقدمة ذلك فرض الصلاة وهي ركن ركين في الاسلام لها أهميتها التى تناسب مقام فرضيتها مباشرة من فوق سبع سماوات وهي عبادة فارقة عن صلوات الأمم السابقة أو بمعنى أدق هي تصحيح وتصويب لما حدث من تحريف للصلوات المفروضة من قبل والتى فرغها اليهود وغيرهم من مضامينها وحتى الكيفية التى كانت عليها بعد أن حذفوا منها الركوع والسجود لله واتوا بحركات ما أنزل الله بها من سلطان.وهوامر واضح في قوله تعالى ” يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين” وكذلك في الامر لبني إسرائيل كما في سورة البقرة” واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين “.
وكذلك التميز في الآذان والنداء للصلاة مخالفا لماعرفه اليهود والنصارى من دق الاجراس أو نفخ في الأبواق.ومن قبل ذلك الارتباط بالأقصى وبيت المقدس ليؤكد للجميع أن الإسلام يظلل بمبادئه جميع المؤمنين ولعلها رسالة كانت واضحة تماما أن يبدأ الاسراء بالأقصى وينتهي من عنده ايضا وان يكون المعراج إلى السماوات العلى من الأقصى وليس من البيت الحرام بمكة المكرمة ..
لكل هذا وغيره يندرج حدث ومعجزة الإسراء والمعراج ضمن أكثر المعجزات تحريكا للضغائن عند هؤلاء القوم.
ولكل هؤلاء القدامى منهم والمحدثين نسوق لهم هذه الخلاصة التى استنبطها العلماء من تحليلهم للقاء الرسول بالانبياء والحفاوة التى استقبل بها في أبواب السموات السبعة وحتى سدرة المنتهى يقولون :”أن التحيات المتبادلة بين النبي وإخوته السابقين واستقبالهم له بهذه الكلمة: مرحبا بالأخ الصالح! فيها إشارة إلى أنه مرسل لتكملة البناء الذي تعهدوه وأن بالإمكان اليوم لو خلصت النوايا ونُشد الحق أن توضع أسس عادلة لوحدة تقوم على احترام المبادئ المشتركة وإبعاد الهوى عن استغلال الفروق الأخرى إلى أن تزول على الزمن أو تنكسر حدتها. والإسلام الذي تعد تعاليمه امتدادا للنبوات الأولى ولبنة مضافة إلى بنائها العتيد أول من يرحب بهذا الاتجاه ويزكيه”.
ستظل معجزة الإسراء والمعراج واشراقاتها على البشرية ماثلة أمام الجميع مؤمنهم وكافرهم تتوهج نورا وضياء ينير دروب السالكين إلى الله..
والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com