لم يشكِّل العنف ضد المرأة مشكلة، إذا ما استدعينا السياق التاريخي في هذه الظاهرة، لأن المجتمعات، على وجه العموم، كانت تتعامل مع المرأة بوصفها من ممتلكات الرجال، بل إن هذه المجتمعات شرعنت، بصورة أو بأخرى، العنف الأسري وباركته بقصدية واضحة. لقد قادت التغييرات الاجتماعية إلى تجريم العنف ضد المرأة في المجتمعات المعاصرة، إلا أن العنف بقي ظاهرة مشتركة في هذه المجتمعات تحت صور ومسميات شتى، قديمة ومتجددة أو جديدة تتناسب مع روح العصر العاجز عن مواجهة غول العنف الذي يقتل ويشوه الإنسان بدنيًا ونفسيًا واقتصاديًا وجنسيًا ليصبح وباء العصر
وكل عصر. إنه يضرب مجتمعات العالم قاطبة، يتخطى العوائق، والحدود، والثقافات، والتعليم، والأديان، والتكنولوجيا، والعرق، والطبقة الاجتماعية، والاقتصاد، وغيرها. فلا يوجد دولة أو ثقافة تستطيع أن تزعم أنها خالية من هذه الظاهرة المقيتة، والاختلاف الوحيد ربما يكون في أنماط واتجاهات هذه الظاهرة.
وعلى الرغم من أن بعض المجتمعات تحرِّم العنف ضد المرأة، إلا أن هذا العنف متأصل في صميم ثقافاتها. ومن حيث الممارسة غالبًا ما يقع العنف تحت ستار الممارسات الثقافية والعادات والتقاليد والتفسير الخاطئ للدين، خصوصًا إذا كان ضمن حدود الأسرة، ذلك أن القانون أو الجهات الرسمية عادة ما تفضل التغاضي والسكوت عليه بحجة السلم الاجتماعي على سبيل المثال.
لا يوجد تعريف عالمي متفق عليه لهذه الظاهرة. فبعض منظمات حقوق الإنسان تتوسع في التعريف ليتضمن العنف البنيوي مثل الفقر، وعدم تكافؤ الفرص، والوصول إلى الموارد كالصحة والتعليم، فيما تفضل مؤسسات أخرى تعريفًا محددًا حتى لا يفقد المصطلح مضمونه وفاعليته.
وفي كل الأحوال، فإن الغاية من الوصول إلى تعريف محدد متفق عليه تسهل دراسة الظاهرة ومتابعتها وإمكانية تطبيق التعريف على ثقافات مختلفة ومتنوعة في الوقت ذاته. في عام 1993 عرَّف إعلان الأمم المتحدة لمناهضة العنف ضد النساء، العنف ضد المرأة بأنه:
أيُّ فعل عنيف على أساس النوع الاجتماعي ينتج عنه أو ربما يتسبب في أذى بدني أو نفسي أو جنسي أو معاناة للمعتدى عليها متضمنًا التهديد بمثل هذه الأعمال، الإكراه، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك على الملأ أو في الحياة الخاصة. تناولت بعض النظريات والاتجاهات النفسية المتعددة تفسير ظاهرة السلوك العدواني (العنف) بشكل مفصل ومن هذه الاتجاهات: * الاتجاه التحليلي الفرويدي . * الاتجاه السلوكي (نظرية التعلم الاجتماعي. * نظرية الإحباط والعدوان (دولارد وميلر) . * نظرية المصدر والتبادل . الاتجاه التحليلي الفرويدي : أن مفهوم النزوة وبالذات النزوة العدوانية هو مفهوم مثبت بشكل جلي في التحليل النفسي (مجذوب،1992: ص66) وتشير موسوعة علم النفس والتحليل النفسي إلى أن فرويد قد أشار إلى العدوان في نظريته الثانية في الغرائز والتي جاءت في كتاب “ما وراء مبدأ اللذة”(1920) فهو منذ مراحله المبكرة يشير إلى العدوان ، وكذلك في حالة دورا (1900) وفي حالة هانز الصغير (1909) يشير أيضاً إلى أن الحصر يجب أن يفسر باعتباره نتاجا لكبت النزعات العدوانية لدى هانز، وهي كلها أشارات إلى اهتمامه المبكر بالعدوان . ويميل التحليل النفسي إلى اعتبار العدوان كل فعل أو دافع يهدف للهدم والتدمير ولا يخدم الدافع الغريزي للحياة سواء أكان موجها تجاه الموضوع أم الذات ، وفي متصل من البسيط إلى المركب والعضوي
ويرى فرويد أن التحضر انضباط ذاتي كامل من جانب أعضاء المجتمع المتحضر ، ذلك الانضباط لا يجوز معه أن يكون لدى أحد أفراده تصريحاً بتهديد الناس . ويرى فرويد أن البشر لم يخلقوا للحضارة كما لم تخلق الحضارة للبشر ، فهي تزعجه وتخيفه عند كل منعطف من منعطفاتها وتؤدي إلى العصاب النفسي وتدمير الذات ، كما يرى فرويد أن البشر الأوائل قضوا أعمارهم يجرون بعضهم البعض من شعور رأسهم ، ضاربين أعداءهم بالهراوات ، وأن كوابح الإنسان المعاصر تمنعه من إتيان نفس السلوك وهو ما يصيبه بالعصاب والخلل النفسي
الاتجاه السلوكي (نظرية التعلم الاجتماعي )
من أشهر المنظرين لهذا الاتجاه هما : (ألبرت بندورا ) و( ريتشارد دولتز) افترضت هذه النظرية “بأن الأشخاص الذي يكتسبون العنف يتعلمونه بنفس الطريقة التي يتعلمون بها أنماط السلوك الأخرى وأن عملية التعلم هذه تتم داخل الأسرة بحكم المؤثرات الخارجية سواء كانت موجودة في البيئة الثقافية الفرعية أو في البيئة الثقافية الأوسع ، فبعض الآباء مثلا يشجعون ابناءهم على التصرف بعنف مع الآخرين في بعض المواقف من جهة ويطالبونهم بأن لا يكونوا ضحايا للعنف في مواقف مغايرة من جهة أخرى” . ويرى(باندورا)” أن طبيعة الرد على العدوان تتوقف على التدريب الاجتماعي الأول أو بصورة أكثر تحديداً تتوقف على تعزيز الإجراءات التي خبرها الشخص من قبل ومحاولة نمذجتها في تلك الصيغة العدوانية وهكذا يمكن للمرء طبقاً لنظرية التعلم الاجتماعي أن يصنع بسهولة طفلا شديد العدوانية وذلك بمجرد أن يتعرف على نماذج عدوانية ناجحة بنتائجها وتكافئ الفرد المعتدي باستمرار على سلوكه العدواني.
ويطرح باندورا معنى العنف والعدوان من خلال التعلم الاجتماعي وذلك عن طريق المحاكاة والملاحظة . وبهذا فإن معظم أنماط السلوك الفردي في رأيه هي أنماط مكتسبة عن طريق ملاحظة سلوك الآخرين ونتائجه وبقدر ما يتم تعزيز هذه الاستجابة فإن ظهورها يصبح أكثر احتمالا نظرية الإحباط والعدوان:
تقوم مفاهيم ومبادئ هذه المدرسة على رفض فكرة غريزة الموت التي نادى بها فرويد وتعد أن العدوان هو دائماً نتيجة للإحباط وأشهر من نادى بذلك (جون دولارد ) و ( نيل ميلر) حيث يرى هذان المنظران أن السلوك العدواني بمختلف أشكاله المعروفة ينجم عن شكل من أشكال الإحباط وتتناسب قوة التحريض على العدوان تناسبا طرديا مع مقدار الإحباط ويتناسب أيضاً كبح أي عمل عدواني تناسباً طردياً مع قوة العقاب المتوقع نتيجة التعبير عن ذلك العمل ، ثم يحدد هذان المفكران تلك العوامل المسببة للتفاوت في كم الإحباط ومقداره وهي :
1. قوة التحريض على الرد المحبط .
2. درجة الإعاقة التي حالت دون الرد المحبط.
3. عدد سلاسل الردود المحبطة .
وترى هذه المدرسة بشكل عام أنه إذا اعتبرنا قوة الإحباط ثابتة فإنه بقدر ما يكون توقع العقاب على عمل عدواني بعينه أكبر فإن الميل للقيام بذلك العمل يتناقص ، أما إذا افترضنا أن توقع العقاب ثابتا فإنه بقدر ما تشتد قوة الإحباط تشتد امكانية حدوث العدوان .
نظرية المصدر والتبادل :
ظهرت هذه النظرية لأول مرة في العام 1971 واثارت مشكلة عنف الزوج ضد الزوجة بالدرجة الأولى ، رائد هذه المدرسة هو ( وليم جود) وأراد أن يوضح الأدلة الدافعة للجوء الزوج إلى العنف ضد زوجته ، وإيجاد الدليل في تفسير سلوك العنف والعدوان .
توصل (وليم جود) إلى أن الزوج كلما زادت المصادر المتاحة له كلما زادت قوته ولذا يقل ميله نحو استخدام العنف ، بينما يلجأ الفرد إلى استخدام العنف عندما يدرك أن مصادره الأخرى غر كافية وبناء على ذلك يمكن النظر إلى العنف بأنه وسيلة لممارسة الضبط الاجتماعي من جانب الأزواج على الزوجات ، أو بمعنى آخر أن اللجوء للعنف يأتي أو يمارس عندما تفشل أساليب الضبط الاجتماعي الأخرى تلك التي لا تحقق الهدف المتضمن انقياد الزوجة للزوج