إن آثار العنف ضد المرأة، سواء قصيرة أو بعيدة المدى، كبيرة وشديدة التأثير على حياتها، سواء أكانت الصحة البدنية أو النفسية، حيث تشير الدراسات إلى أن النساء اللواتي يتعرضن للعنف هن أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب ضعفي النساء الأخريات، كما أنهن معرضات للإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً مرة ونصف أكثر من النساء الأخريات.
بالإضافة إلى الضرر الجسدي والنفسي الذي يلحقه العنف بالمرأة، فإنه أيضاً يؤثر سلباً على الأطفال صحياً ونفسياً، كما له آثاره الاقتصادية والاجتماعية الضارة على العائلات والمجتمعات.
تلجأ النساء اللاتي يتعرضن للعنف والاضطهاد لطلب الرعاية الصحية للمشاكل الناتجة عن هذا العنف، لكنهن غالباً لا يصرحن عن أسباب هذه المشاكل، لذلك فإنه من الأهمية بمكان التأكد من تعيين مزودي رعاية طبية أكفاء قادرين على تقديم الدعم الصحي والنفسي اللازم، إلى جانب توفير المنشآت الصحية بيئة آمنة للمرضى وخصوصياتهم.
الأسرة في حقيقتها منبع للمعاني الإنسانية والمثل العالية بما يكتسبه الإنسان من صفات نبيلة من الإيثار والتضحية والفداء ولهذا نجد القرآن الكريم حين يوجه البشر إلى التعاطف والتراحم يذكرهم أنهم كانوا أسرة صغيرة نمت واتسعت مما يوجب عليهم الاحتفاظ بالتراحم والتواصل قال تعالى ” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء , واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا “
وحيث أن الأسرة هي اللبنة الأولى التي يتكون منها المجتمع وهي الوسط الإنساني الأول الذي ينشأ فيه الطفل ويتعلم من خلالها نمط الحياة وأبجديات ثقافة التعايش مع الآخرين جاء هذه الاهتمام بالأسرة والذي يعني الاهتمام بالمجتمع وبالتالي الاهتمام بالوطن لذلك فإن استقرار الأسرة يعني استقرار المجتمع والوطن أيضا وإذا صحت الأسرة صح المجتمع والوطن والعكس صحيح أيضا .
ولقد انتشرت ظاهرة العنف الأسري في المجتمعات وخاصة في مجتمعنا بشكل كبير وملفت للنظر مخلفة وراءها حقوقا مسلوبة وشخصيات مهزوزة مع عدم وجود ما يردع مثل هذا النوع من العنف من نظام أو أعراف بالرغم من أن شريعتنا الإسلامية وضعت القواعد المنظمة لتكوين الأسرة المسلمة وسنت النظم الوقائية لتجنب العنف داخلها وتجريم كل عنف ووضعت العقوبة المحققة للردع العام والخاص وتحقيق العدالة الجنائية ولكن المشكلة تكمن بتطبيق هذه الأحكام وبالفهم الصحيح لها .
يعد الجهل بالقانون من المشاكل الحقيقية التي تواجه النساء في مجتمعنا، مما قد يؤدي إلى ضياع حقوقهن ويزيد حياتهن تعقيدا، في ظل تعذر الوصول إلى الإجابة القانونية الوافية.
ففي أحيان كثيرة ترفض المرأة التي تقع في نزاع على قضية ما، المطالبة بحقوقها القانونية، أو التوجه إلى المحاكم الشرعية والمدنية أو إلى أقسام الشرطة لتحصيل حقوقها وحل النزاع، جراء جهلها بالنصوص القانونية التي تساعدها على حل المشاكل، أو من هي الجهة المناسبة التي يتوفر لديها الجواب. فالمرأة في مجتمعنا تلوذ بالصمت تحسبا من عواقب قد تحدث لها إذا ما طرقت أبواب المحاكم، أو سلكت الطرق القانونية، ما يحتم التنبه إلى أهمية التوعية القانونية لتجاوز المشكلات التي تقع فيها المرأة في مجتمعنا.
وبرأيي على هذه الجهات أن توعي كل من جهل باختصاصاتها أو استهان بقدرتها على تغيير الواقع المرير أياً كانت طريقة التوعية _ إعلام بأنواعه في الغالب _ حتى نصل إلى مرحلة نجد فيها المرأة قادرة على ردع العنف وعدم الاستسلام له والسلبية أمامه .
نقص وعي الرجال بتعاليم دينهم وما حثهم عليه الشارع وكذلك بعدهم عن الدين وبالتالي قلة الوازع الديني لديهم سبب هام من أسباب العنف الأسري , فعندما لا يكون الإنسان قد أؤسس بشكل صحيح فإن الذي سيخرج عنه من أقوال أو أفعال لن تكون قويمة صحيحة فالرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن ضرب المرأة , واعتبره منقصة للرجل فوصف الذين يضربون زوجاتهم بقوله : ” ليس أولئك بخياركم ” فمن المفترض أن يقتدي جميع الرجال بخير الخلق الذي لم يرد عنه أنه ضرب إحدى زوجاته أو خدمه . وكذلك إساءة فهم الرجل لمعنى القوامة والإذن بالضرب التي وردت في قوله تعالى : [ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ] ( النساء : 34 )
إن المعنى اللغوي لكلمة القوَّام : هو كثير القيام ، الذي يقف أكثر مما يجلس ؛ كناية عن قلة الراحة ، و عن السعي و الدأب بلا كلل.
أما القوَّام اصطلاحاً : هو من يقوم على الشيء أو الشخص ؛ فيصونه و يحميه و يحتويه و يذود عنه و يراعيه .
لو تخيلت نساؤنا حلاوة و روعة تاج القوامة الذي كلل العلي القدير رؤوسهن به ،لما متن في جلودهن خوفاً و رعباً و هن يُجلدن كل يوم بسياط الفهم المشوه لواجبات النساء و حقوق الرجال الذين لو عرفوا و أدركوا وفهموا لاطمأنت النساء ، و لتوجن ملكات في حمى القوامة و القوامين ،و لأعاد الأزواج النظر في موقفهم من القوامة التي تُلقي على أكتافهم من المسئوليات و الأعباء و الواجبات ، أكثر مما تمنحهم من الحقوق والمميزات.
القوامة حق للزوجات ، واجب على الرجال و ليس العكس ،و في ذلك من جليل الحقوق و عظيم الإعجاز النفسي الذي أدعو إلى تأمله بعين فاحصة متخصصة ترد للنساء عزتهن و كرامتهن ، و ترجع لهن حقوقهن ، و تأخذ بيد الرجال نحو فهم صحيح يجعلهم قادرين على تكوين وإدارة الأسرة بشكل صحي سليم موافق للشريعة التي تريد الخير للبشر
الأمراض النفسية :
لا تخلو أي دراسة تتناول مسببات العنف الأسري من ذكر هذا السبب وهو وجود اضطرابات نفسية لدى الشخص المتسبب بالعنف , فأي مربي سواء كان من الأهل أو المعلمين أو غيرهم ينبغي أن تتوافر لديه الثقافة التربوية الصحيحة حتى يعول عليه في تربية الجيل القادم , ولكن السؤال الذي يطرح كيف يعهد إلى شخص مريض نفسيا تربية هؤلاء الأطفال بل كيف يتركوا عنده ليعيشوا في كنفه إن كان والدهم أو والدتهم هم المصابين بهذا الاضطراب وكيف ترضى المرأة على بقاء أولادها مع هذا المريض ليقتبسوا منه ولتتكون لديهم تلك العقد النفسية من جراء العنف الذي يمارس ضدهم لماذا لا تحتذي مملكتنا وبقية الدول النامية بالدول المتقدمة والتي تدرس الحالة العقلية للمربي ومدى صلاحيته للقيام بهذا الدور الهام سواء كان ذلك بالرقابة وفرض التبليغ على كل من يشك بوقوع عنف أو عدم صلاحية وجود الطفل مع هذا الشخص الإسلام قرر مثل هذه الأحكام من آلاف السنين حين لم يقر وجود الطفل المحضون في يد من لا يصونه من أبويه , ويربيه التربية الإسلامية الصحيحة الحقة .
أحد حوادث العنف الأسري التي نشأت عن هذا السبب : ” عاشت زوجته المسكينة سنوات متحملة وحشيته وانحرافه واعتداءاته، إلى أن قررت الرحيل فتم طلاقها، وانفرد الرجل بعدها ببناته، فاستعمل معهن كل أنواع الهمجية، بما في ذلك حلق رؤوسهن، وحبس بعضهن في أقفاص الدجاج.
أن هذا العنف لا يساوي شيئاً أمام ما قام به بعد ذلك، لأن آلام الضرب والتعذيب يمكن أن تحتمل، وقد ينساها المرء مع الأيام، ولكن هناك أنواعا من الهمجية والوحشية والعنف لا يمكن أن تزول آثارها، بل تظل حسرة وألما في النفوس تجرعت البنات تلك الويلات من العنف والاعتداءات الوحشية، حتى فقدن صبرهن، وقادهن القدر إلى لجنة إصلاح ذات البين التي اتخذت كل الإجراءات لتخليصهن من ذلك الوحش الكاسر.”