يحلو لى فى مثل هذا الوقت من كل عام أن أراقب متأملًا انهيار الليل أمام النهار الذى يزحف رويدًا رويدًا ثم يسرع الخطى لينقض على الليل تماما ولا يترك له إلا لحظات قليلة يلتقط فيها أنفاسه. بعدها يفرد النهار شراعه ويسيطر على الموقف تماما لمدة طويلة من العام, يصاحب الناس فى حلهم وترحالهم ولا يترك لليل أى فرصة حقيقية فى الظهور قبل أن يشعر النهار بالملل من عدم وجود منافس حقيقى له فيختار شعاعه طوعا أو كرها ان ينزوى تاركًا الفرصة لقرص القمر لينير حياة الناس فى ساعة مبكرة من النهار. وفى اللحظة التى تظن الشمس فيها أنها قد دانت لها السيطرة تماما يلملمها النهار وينسحب بها مبكرا ليتحقق فى هذا الملكوت أوامر الله سبحانه وتعالى ونواميسه الكونية: لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون. (الآية 40 سورة يس)
منذ أيام ليست ببعيدة كان الليل يتعجل القدوم ينسج خيوطه على الدنيا كلها بعد دقائق معدودة من العصر. يعمل بكل همة ونشاط ليعلن لنا أنه قادم وأنه سيستمر بيننا وقتًا طويلا. ليل الشتاء صار مضربًا للمثل فى الحب والصفاء والنقاء, واشياء أخرى. يحب العشاق ليل الشتاء الذى يتيح لهم أن ينفردوا مع ذكرياتهم ويسرحوا فى حالهم الذى صاروا عليه. يسمونه فصل الحنين والدفء. ورغم الصراعات السنوية بين عشاق الصيف وعشاق الشتاء يظل لهذا الليل الطويل بريقًا لا تنافسه شمس النهار الحارقة صيفاً. لذا يستقبل الغالبية من عشاق الشتاء بالفرح والترحاب بينما يرى عشاق الصيف ان الشتاء يقهر تلك الزهور الجميلة التى لا تقوى على مقاومة البرودة الشديدة فتذبل وتنهار انتظارًا لعودة جديدة مع بداية الصيف لتنهض من رقدتها التى طالت تحت جنح ظلام الشتاء.
لا أكترث كثيرًا بمتابعة ما ينشر عن أطول ليالى الشتاء ولا أقصر أيام الصيف من الناحية العلمية. أطلق لاحاسيسى ومشاعرى العنان لترصد بكل حيادية ما تشعر به عند كل وقت، لكنى أعترف بأن لحظة هزيمة النهار لليل طويل تسعدنى، منذ أيام قليلة كان الليل يهل علينا قبيل الخامسة مساء ويظل حتى قبيل بزوغ الفجر قرب الخامسة والنصف, ولأن دوام الحال من المحال بدأ الليل يتراجع على استحياء تاركًا مساحة أطول للنهار، ظل الليل يفقد دقيقة أو دقيقتين كل أسبوع أو أكثر ولكن ما إن هل علينا شهر مارس إلا وقد بدا الانهيار الكبير لليل أمام ذلك النهار، فإذا بغروب الشمس يقترب من السادسة مساء وبزوغ الفجر يسرع الخطى نحو الرابعة وخمسين دقيقة ويفقد من عمره كل يوم تقريبًا أكثر من دقيقة ونصف حتى أن امساكية شهر رمضان المعظم رصدت اننا سوف يؤذن الفجر أول يوم فى رمضان هذا العام الرابعة و29 دقيقة بينما يؤذن للمغرب فى السادسة و8 دقيقة بإجمالى صيام 13 ساعة و39 دقيقة تقريباً. ويستمر زيادة عدد ساعات النهار على حساب الليل طيلة الشهر الكريم حتى يصل فى اليوم الأخير أن يكون آذان الفجر الثالثة و51 دقيقة بينما يكون مغرب آخر أيام الشهر الفضيل فى السادسة و25 دقيقة.
إن تعاقب الليل والنهار وكذلك الفصول المتتابعة فرصة للتأمل والتفكير والتدبر, سلطان الشمس لا ينبغى له ان يظهر بالليل وكذلك ممنوع على سلطان الليل أن يقترب من النهار,لا حال يدوم فقط عليك دائمًا أن تتذكر أن الشتاء هو بداية الصيف وأن الظلام هو بداية النور وأن الأمل هو بداية النجاح فلا تتخلى عن أملك ولا عن حلمك، وتلك هى المسألة.