ويؤكد : ديننا الحنيف ربط بين المسجدين الحرام والأقصى برباط وثيق ليظل الأقصى راسخًا في وجدان الأمة إلى يوم الدين
الدرس الأهم في تحويل القبلة هو اختبار مدى قوة وصلابة إيمان المؤمنين واستجابتهم لأمر الله
والإيمان بالله قضية غير قابلة للتجزئة وعليه تبنى سائر الفروع
كتب عادل يحيى
احتفلت وزارة الأوقاف بليلة النصف من شعبان وذكرى تحويل القبلة مساء اليوم الاثنين ١٤ من شهر شعبان ١٤٤٤هـ، الموافق ٦ مارس ٢٠٢٣م عقب صلاة المغرب بمسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها) بمحافظة القاهرة، بحضور معالي اللواء/ خالد عبد العال محافظ القاهرة نائبًا عن سيادة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية (حفظه الله)، ومعالي أ.د/ محمد عبد الرحمن الضويني وكيل الأزهر الشريف نائبًا عن فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر، وفضيلة أ.د/ شوقي علام مفتي الجمهورية، وأ.د/ سلامة جمعة داود رئيس جامعة الأزهر الشريف، وسماحة الدكتور/ عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية، والسيد/ السيد محمود الشريف نقيب السادة الأشراف، وأ.د/ حسن صلاح الصغير أمين عام هيئة كبار العلماء، وأ.د/ نظير عياد أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، وأ.د/ عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية، والأستاذ/ محمد نوار رئيس الإذاعة المصرية، والدكتور/ هشام عبد العزيز علي رئيس القطاع الديني، والدكتور/ خالد صلاح الدين مدير مديرية أوقاف القاهرة، ولفيف من القيادات الدينية بوزارة الأوقاف، والقيادات التنفيذية والشعبية.
وفي كلمته هنأ أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف سيادة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، والشعب المصري، والأمتين العربية والإسلامية، بليلة النصف من شعبان، وذكرى تحويل القبلة، سائلًا الله (عز وجل) أن يجعلها ليلة مباركة على مصرنا العزيزة وسائر بلاد العالمين وأن يبلغنا رمضان بكل خير.
مؤكدًا أننا في كل موقف ومناسبة نقف مع بعض الدروس والعبر المستمدة ، مبينا أن من يقرأ السيرة النبوية ينبغي أن يقرأها قراءة متكاملة وفي سياق متكامل، فديننا الحنيف قد ربط بين المسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى برباط وثيق في حادثين من أهم أحداث السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، وهما حادثة الإسراء والمعراج، حيث كان الإسراء من بيت الله الحرام إلى بيت المقدس، وحادثة تحويل القبلة، ليظل الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعراجه حاضرًا راسخًا في وجدان الأمة إلى يوم الدين في قرآن يتلى إلى يوم القيامة.
وعندما نقرأ السيرة النبوية وأحداثها في العهد المكي نجد رابطًا قويًا يربط بينها برباط وثيق، هذا الرابط يدور حول القضية الكبرى وهي ترسيخ وتعميق الإيمان بالله (عز وجل) وقدرته الإلهية.
فحادثة الإسراء والمعراج ترتبط بطلاقة القدرة الإلهية والإيمان بها، لأن خرق النواميس الكونية وما هو مستغرب منها بمقاييس الخلق ليس غريبًا ولا مستغربًا بالنظر إلى قدرة الخالق (جل وعلا).
والدرس الأهم فيما أرى في تحويل القبلة هو اختبار مدى قوة وصلابة إيمان المؤمنين، وهشاشة إيمان غيرهم، حيث يقول سبحانه: “وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ”.
وقد فسر بعض المفسرين الإيمان هنا بالصلاة، لأن الصلاة إلى بيت المقدس إنما كانت ناتج إيمانهم واستجابتهم للقبلة التي أُمروا بالتوجه إليها، فلما أُمروا بالتحول عنها كان هذا الإيمان نفسه هو سبيل سرعة الاستجابة دون نقاش أو تردد.
القضية الكبرى إذن هي قضية الإيمان بالله، حيث يقول سبحانه: “لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ”.
والإيمان بالله قضية غير قابلة للتجزئة، فلا يجزئ أن تقول: أؤمن بالله لكن في قلبي شيء من اليوم الآخر، أو من مهام الرسل، أو من مهام الملائكة، أو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ونلاحظ هنا إفراد الكتاب مع جمعه في سورة البقرة، في قوله تعالى: ” آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ”، ذلك أن الأمر في تحويل القبلة مرتبط بما أنزل على نبينا (صلى الله عليه وسلم) دون سواه، فمن آمن بهذا الكتاب وبهذا الرسول استجاب لأمر الله، أما مواضع الجمع فهي في مطلق الإيمان بالكتب السماوية.
إن الإيمان بالله (عز وجل) هو المحرك الرئيس للعمل، حيث يتفرع عنه إنفاق المال في سبيل الله، كما يتفرع عنه المواظبة على الصلاة وإيتاء الزكاة، فبلا إيمان راسخ لا يمكن الإتيان بهذين الركنين على الوجه الأكمل الأتم، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): “والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ”، أي برهان على صدق إيمان صاحبها الذي ينفق المحسوس إيمانًا منه بالثواب الأخروي والبركة الدنيوية لمن يستجيب لأوامر الله (عز وجل) .
وكذلك يتفرع عن الإيمان الحرص على الوفاء بالعهد والصبر في البأساء والضراء وحين البأس، ومن ثم كان علينا أن نجعل من ترسيخ قضية الإيمان بالخالق (جل وعلا) وبيان عظمة قدرته أساسًا راسخًا ننطلق منه في الحث على اتباع الأوامر واجتناب النواهي، مدركين أن بعض هذه الأوامر والنواهي محض اختبار إلهي لقوانا الإيمانية.
مختتمًا حديثه بأنه إذا أهل هلال شعبان بل هلال رجب دخل الناس نفسيًّا وروحيًّا في أجواء الشهر الفضيل، فما بالكم وقد انتصف شعبان، إنها لأيام النفحات والبركات والتجليات، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “إِنَّ لِرَبِّكُمْ عزَّ وجلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا”، ويقول عن شهر شعبان: “هو شهرٌ تُرفَعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالَمينَ، فأُحِبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأنا صائمٌ”، وكان الصالحون يدعون الله (عز وجل) ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فما بالكم وما بقي إنما هي أيام.