تتفاوت الآثار الاقتصادية التي يتركها الإرهاب الدولي على اقتصاد الدول من حيث اختلاف قدراتها وسياساتها ومؤسساتها على اتخاذ الخطوات والإجراءات المتعلقة باحتواء وتقليل آثارها السلبية، والعمل على تطوير وتفعيل نظريات وتطبيقات إدارة الأزمات داخل مؤسسات الدولة العامة والخاصة.
يرتب مؤشر الإرهاب العالمى، الدول الأكثر تأثرًا بالإرهاب تبعًا لعدد الهجمات الواقعة داخل الدولة، وعدد الضحايا والمصابين فى كل هجوم، وحجم الدمار الذى لحق بهذه الدولة، حيث تصدرت أفغانستان والعراق والصومال القائمة منذ عام 2019، فى حين تراجعت باكستان فى ترتيب عام 2021 من المركز الثامن إلى العاشر، لكن هذا الترتيب ربما يتغير، بالنظر إلى تصاعد النشاط الإرهابى داخل باكستان بعد استيلاء طالبان على أفغانستان. فقد أشار التقرير لإدراج دولة ميانمار -الواقعة فى جنوب شرق آسيا- ضمن قائمة الدول الأكثر تأثرًا بالإرهاب، حيث ارتفعت الهجمات من 25 هجومًا عام 2020 إلى 750 هجومًا عام 2021، مما تسبب فى مقتل أكثر من 500 فرد.
وقد رصد مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022، أنّ تأثير الإرهاب واصل الانخفاض على الرغم من زيادة الهجمات، ففي عام 2021 انخفضت الوفيات الناجمة عن الإرهاب بنسبة 1.2% إلى 7142، بينما ارتفعت الهجمات بنسبة 17%، ممّا يبرز أنّ الإرهاب أصبح أقلّ فتكاً. لم يسجل ثلثا البلدان أيّ هجمات، أو وفيات بسبب الإرهاب – وهي أفضل نتيجة منذ عام 2007 – وسجلت 86 دولة تحسناً في درجاتها في مؤشر التصنيف العالمي، وظلّ عدد الوفيات على حاله تقريباً خلال الأعوام الـ4 الماضية. يسلط المؤشر الضوء على أنّ الإرهاب ما يزال يمثل تهديداً خطيراً، حيث أنّ أفريقيا جنوب الصحراء تمثل 48% من إجمالي الوفيات العالمية بسبب الإرهاب.
أوضح المؤشر أنّ 4 من البلدان الـ10 التي شهدت أكبر زيادة في الوفيات الناجمة عن الإرهاب كانت في أفريقيا جنوب الصحراء، وهي: النيجر ومالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبوركينا فاسو.
كما أوضح المؤشر أنّ تنظيم داعش حوّل اهتمامه إلى منطقة الساحل بعد الهزائم العسكرية في سوريا والعراق، حيث ارتفع عدد القتلى من الإرهاب في المنطقة 10 أضعاف منذ عام 2007، وأصبح الساحل المركز الجديد للإرهاب، ويتفاقم الإرهاب في المنطقة بسبب النمو السكاني المرتفع، ونقص المياه والغذاء الكافي، وتغير المناخ، وضعف الحكومات، إضافة إلى التعقيد، فإنّ العديد من المنظمات الإجرامية تُقدّم نفسها على أنّها حركات تمرّد إسلامية.تأثير الإرهاب في المجال الاقتصادي :
يسبب الإرهاب خسائر بشرية و مادية تؤثر سلبا على فرص التنمية، عبر ما خلّفه من خسائر في الأرواح البشرية وتدمير الهياكل الأساسية، وخروج رؤوس الأموال، وخلقه لحالات من عدم اليقين والتشويه في الإمكانيات الاقتصادية، فضلا عن التكاليف المباشرة عبر مختلف الاستثمارات في مجالات الأمن من وسائل مادية و بشرية ، و كذا نفقات ترميم و إصلاح ما تم تدميره ، و غير المباشرة من خلال نفقات الدولة على الضحايا و عائلاتهم ، و كذا مختلف المصابين من جراء الأزمة سواء كانت إصابات جسدية مادية أو أمراض مزمنة أو عقلية ، مما تثقل كاهل الخزينة العمومية للدول ،غير أن هذه الخسائر الاقتصادية الكبيرة ليست سوى واحدة من عواقب الإرهاب ، إذ كانت عرقلة التنمية الاقتصادية أسوء نتيجة ، و ذلك من خلال :
– انعدام الأمن الذي يؤدي إلى تغيير العادات الاستهلاكية والادخار والاستثمار.
– انخفاض الاستثمار المباشر ومعدل الادخار.
– تقليل تدفق رؤوس الأموال الأجنبية عن طريق تخفيض حجم الاستثمار المباشر الأجنبي.
– انخفاض حجم التبادل التجاري الخارجي، و بالتالي انخفاض حاد في مكاسب الرخاء.
– انخفاض عدد السائحين.
– التقليل من احتمالات الربح في الشركات الناشطة في البلاد ، مما انعكس سلبا على أسعار الأسهم، و أثر على أسواق رأس المال .
– الهجرة الجماعية لسكان المناطق الريفية بحثا عن المناطق الآمنة بالمدن الكبرى ، مما أدى إلى تراجع المنتوج الزراعي بصفة عامة و المنتوجات التقليدية .
1- تأثير الإرهاب في المجال الاجتماعي :
أثر الإرهاب بشكل مباشر على الحقوق الاجتماعية ، من خلال الاعتداءات على المنشآت القاعدية و الصناعية مما يؤدي إلى نقص الحركية الاقتصادية من جراء عزلة السكان و نقص فرص توظيفهم و منها انخفاض القدرة الشرائية و انتشار البطالة ، كما له الأثر السلبي البالغ في مجال التربية ، و التعليم العالي من خلال استفحال ظاهرة التسرب المدرسي ، بالإضافة إلى نشر أفكار متطرفة ضد المرأة، مما يؤدي إلى ظهور ممارسات العنف ضد المرأة و التمييز في حقوقها الاجتماعية خصوصا في الوسط الريفي .
كما يستهدف التطرف العنيف ودعاته أيضا طبقات المجتمع التي أنهكتها الأمية وهمشتها. و استغلال قلة علمهم لتغليطهم بالمفاهيم الدينية المتطرفة لا سيما مفهوم الجهاد بوسائل دعائية تجعل، عَرَضا وبشكل مبالغ فيه، تجاهل الجهاد أو التقاعس فيه ذنبا عظيما ، فيما قد تؤجج هذه الدعاية لدى بعض الأشخاص شعورا بالذنب للالتحاق بأفكار الأصوليين.
بالإضافة إلى ذلك، القيود التي يفرضها التطرف على مجال الحريات الدينية من خلال سياسة التكفير المنتهجة من طرف الجماعات الإرهابية، مما يؤدي إلى خلق تشنج العلاقات تؤدي في بعض الأحيان للكراهية و العدوان ما بين فئات المجتمع المعتنقة لديانات أخرى و حتى تلك الملحدة، مما يقود لعزلة المجتمع الصادرة منه أشكال هذا التطرف عن المجتمعات الأخرى، بشكل تصبح فيه فرص السفر و التنقل نحو البلدان الأخرى من المسائل العويصة و أحيانا مستحيلة لصعوبة نيل التأشيرات المناسبة مما لا يمكن البعض من زيارة أهاليهم في الخارج و ربما فرص العلاج أو الدراسة بها .
2- تأثير الإرهاب في المجال الثقافي :
الإبداع وحرية التعبير من المجالات التي تستهدفها الجماعات المتطرفة بغرض قمعها ، بحكم تنافي حرية الإبداع و الرأي مع أفكار الجماعات الاستئصالية، كما تعاني أيضا نخبة الفنانين من تهديدات هذه الجماعات بالإضافة للخطر على المعالم التاريخية التي لا تتماشى مع مناهج هذه الجماعات الضالة، كل ذلك يجعلنا نؤكد بحكم التجربة التي مرت بها الجزائر أن الإرهاب يقلل من الدوائر الثقافية و العلمية، فقد اغتيل رجال ونساء كانت مهنتهم الإبداع الأدبي والفني وفضل البعض الآخر شد الرحال بعيدا عن الوطن هروبا من العنف، كما تهجم الإرهاب أيضا على التراث المادي والمعنوي وكذلك البنى التحتية الثقافية.
لقد ألحق الإرهاب في الميدان الثقافي، خسائر فادحة ظاهرة وخسائر أخرى، لا يمكن تقييمها سوى على المدى الطويل.
ثانيا : التدابير ذات الطابع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي المتخذة من طرف الجزائر من أجل مكافحة الإرهاب
تمثل مكافحة التطرف العنيف والإرهاب والوقاية من العنف المتطرف من خلال المناهج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عناصر مهمة في إطار سياسة التنمية التي تقودها الحكومة الجزائرية.
1- التدابير ذات الطابع الاقتصادي
تتضمن أولويات سياسة مكافحة الإرهاب ، تدعيم دولة القانون ، تعزيز الاستقرار ،الترويج للحوار الوطني، دعم المجال الاقتصادي والمالي ، تحفيز تنمية الأنشطة الإنتاجية ، تنمية البنى التحتية الأساسية ، الترويج لتنمية إقليمية تنسجم مع البيئة وتحترمها وأخيرا تلبية حاجات المواطنين .
و قد ساهم إصلاح العدالة في تدعيم الاقتصاد الوطني و حمايته بواسطة ما يقوم به من أعمال متعددة ، كما يندمج في خضم التحولات العميقة التي يعتزم إنجازها بما يتجاوب مع متطلبات المرحلة الانتقالية نحو اقتصاد السوق ، و لتحقيق هذا الغرض أدخلت تعديلات هامة في مجال التشريع منها :
–تكييف قانون العقوبات مع الحقائق الاقتصادية الجديدة،
–مراجعة التشريع المتعلق بعقوبات مخالفة قانون تنظيم الصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج .
–وضع دراسة تشخيصية للقانون التجاري و الانتهاء من المرحلة الأولى من التعديلات المتعلقة بالإيجار التجاري و وسائل الدفع ، خاصة في الجانب المتعلق بالعقود الخاصة ، الالتزامات ، الضمانات الشخصية و العينية، بالإضافة الي تجسيد مبدأ الكتابة الإلكترونية بكل نتائجها على العقود ، التوقيع الإلكتروني و طرق الأثبات .
–بذل مجهود معتبر لتكوين القضاة لحل النزاعات المترتبة عن التفتح الاقتصادي و تنظيم برامج تكوينية متخصصة في مجال الأشكال الجديدة للمنازعات سواء في الجزائر أو في الخارج ، من بينها دورات تكوينية في مجال قانون الأعمال ، قانون الملكية الفكرية ، القانون البحري ، كما تم برمجة برامج متخصصة مكثفة بمساعدة التعاون الأجنبي .
2- التدابير ذات الطابع الاجتماعي :
ساهمت سياسة القضاء على الراديكالية أيضا في عودة الهدوء والثقة في أوساط الشعب ، وتزايد مستوى يقظة هؤلاء السكان إزاء أنصار الخطاب المتطرف وتدعيم التلاحم الوطني وإعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي تعرض للاضطراب الشديد من جراء المأساة الوطنية ، وحماية الأرواح البشرية التي كانت الآلة الإجرامية للتطرف العنيف والإرهاب ستزهقها، و ذلك من خلال القيام بمجهودات كبيرة ، تمس ركائز المجتمع الجزائري، لاسيما التعليم، و ممارسة حرية المعتقد و العمل.