كان الأربعاء الماضى 8 مارس هو اليوم العالمى للمرأة، وبهذه المناسبة أصدر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بيانا باللغتين العربية والإنجليزية ( الإمام يجيد الألمانية أيضا ) قال فيه إن شريعة الإسلام هى أول من ينسب لها فضل السبق فى تحرير المرأة، والقرآن الكريم رد إلى المرأة كرامتها، ولفت أنظار البشرية إلى دورها المحورى فى صناعة المجتمعات، وبين للمرأة حقوقها، وصان كرامتها، وحرم الاعتداء عليها أو الانتقاص مكانتها بأى حال من الأحوال.
وقد يفهم البعض من هذا البيان أن فضيلة الإمام الأكبر يتحدث عن تحرير المرأة وتكريمها قديما، فى بداية البعثة المحمدية، عندما نزلت الآيات تترى عن المساواة بين الرجل والمرأة من حيث الخلق والنفس الواحدة، وعن وصية الله جل شأنه بالوالدين، وبالأم على وجه الخصوص، وعن حقوق المرأة الإنسانية والاجتماعية والاقنتصادية، لكن الحقيقة أن هذا البيان هو رسالة من فضيلة الإمام تتعلق أكثر بالحاضر، وتنبه الغافلين والمتغافلين والجاهلين إلى أن الإسلام مازال يدعو إلى تحرير المرأة وإنصافها وحفظ كرامتها ومكانتها، ويلفت الأنظار إلى أهمية دورها المحورى فى صناعة المجتمعات من خلال تربية الأبناء وتعليمهم وتثقيفهم، وتثبيت انتمائهم لوطنهم وأمتهم.
ففى وسط الأفكار المتلاطمة التى تعبث بالمرأة فى زماننا، وتنتهك إنسانيتها، وتحولها إلى سلعة جنسية تباع عارية فى الملاهى الليلية، وبيوت المتعة الحرام، وعلى شاشات التليفزيون والسينما، مازال القرآن ينادى : ” قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ماظهر منها “.
لقد حرر الإسلام المرأة قديما من قيود الجاهلية ومفاهيمها الخاطئة، التى دأبت على إهانة الأنثى، وجعلت منها شيئا لاقيمة له، إلا للمتعة، وميراثا ضمن التركة التى تذهب من الأب لإبنه، وصورت الإبنة المولودة على أنها عار لأبيها وأخيها، وشيئ زائد عن الحاجة، والأفضل أن توأد صغيرة فى التراب.
واليوم يقف الإسلام ليحرر المرأة من دعاوى التهميش والشذوذ والانحلال، والنظريات الغربية غير السوبة التى تهينها وتحقرها باسم الحرية وباسم المساواة مع الرجل، ويكرمها كأفضل مايكون التكريم، بوصفها إنسانا، وبوصفها أنثى، وبوصفها بنتا، وبوصفها زوجة، وبوصفها أما، وبوصفها عضوا في المجتمع لها كل ما للرجل من حقوق إنسانية، لأنهما فرعان من شجرة واحدة، وأخوان ولدهما أب واحد وهو آدم، وأم واحدة هي حواء، فهما متساويان في أصل النشأة، متساويان في الخصائص الإنسانية العامة، متساويان في التكليف والمسؤولية، ومتساويان في الجزاء والمصير.
وإذا كانت أفكار الحضارة الغربية قد هدمت مفهوم الأسرة، ومفهوم الحفاظ على النسل، وكانت النتيجة تدمير المجتمعات وزيادة معدلات الطلاق والانفصال، وعدم الإنجاب، فإن القرآن الكريم مازال يذكرنا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
وما زال صوت رسولنا الكريم يصدح : ” إنما النساء شقائق الرجال “، فالرجل أخو المرأة، لا فرق بينهما فى الأصل الإنسانى، هما متساويان فى الحقوق والواجبات والتكاليف الدينة والاجتماعية الأساسية بقدر ما تتحمل طبيعة كل منهما، وبقدر الحاجة إلى التكامل بينهما فى الأدوار، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
ولا يعرف التاريخ نظاما كرّم المرأة باعتبارها أما، وأعلى من مكانتها، مثل الإسلام، لقد أكد الوصية بها وجعلها تالية للوصية بتوحيد الله وعبادته، وجعل برّها من أصول الفضائل، كما جعل حقها قبل حق الأب، لما تحتمله من مشاق الحمل والوضع والإرضاع والتربية، وهذا ما يقرره القرآن الكريم، ويكرره في أكثر من سورة ليثبته في أذهان الأبناء ونفوسهم، في مثل قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
ومازال عطاء القرآن مستمرا للمرأة العصرية، فحين أراد الله تعالى أن يضرب للمؤمنين مثلا فى العفاف والطهر ذكر السيدة مريم التى جعلها آية فى فى القنوت، وحين أراد أن يضرب مثلا فى كراهية الظلم والفساد ومقاومتهما ذكر امرأة فرعون.