كل عام وانتم جميعا بخير .. ونحن في بداية شهر رمضان المبارك ، حيث تكون الروحانيات عالية في هذا الوقت من الشهر الفضيل ، يجدر بنا استدعاء الضمير المجتمعي أو الضمير الجمعي للأمة ، فهذا الضمير كامن في وجدان أفراد المجتمع ولكن فاعليته والإحساس به تظهر حين يستشعر أفراد الأمة الخطر الحقيقي الذي يهددها .وأعتقد أن الأزمة التي نمر بها حاليا تتطلب استدعاء الضمير .
وتتعد المفاهيم العلمية للضميرالمجتمعي ، ولكن هناك اجماع على أنه يشمل مجموعة القيم والمشاعر والسلوكيات غير المكتوبة التي تترسخ في الوعي الجمعي لأي مجتمع والتمسك بها ضروري للحفاظ على كيانه وأمن واستقرار أفراده .
واتناول هنا بعض السلوكيات غيرالسوية التي تضر بالمجتمع ككل ويجب على كل فرد ان يراجعها مع نفسه وفق ضميره ويقلع عنها . وفي مقدمتها عدم مراعاة كثير من العاملين في الجهاز الإداري والمؤسسات والهيئات الحكومية وقطاع الأعمال لوقت العمل. فهناك الملايين من العاملين يذهبون للعمل للتوقيع في دفتر الحضور ثم يخرجون هائمين في الشوارع. فمصر تكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلئ شوارع مدنها بالناس في وقت ساعات العمل . واعرف كثير من الناس يتغيبون عن عملهم بلا مبرر لعدة أشهر متواصلة وتصلهم المرتبات والمكافأت عبر حساباتهم البنكية. بل إن بعضهم تجرأ وقام بتعنيف رؤسائه عندما نقصت المكافأة بضعة جنيهات.
ونتج عن اوضاع العمل هذه ضعف الانتاجية .
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن خسائر مصر بسبب الاجازات تتعدي 1.4 تريليون جنيه سنويا. لأن أيام العمل الرسمية في السنة 250 يوما. في حين تبلغ عدد أيام الإجازات للأعياد والعطلات الرسمية والمواسم وبدل أيام الجمع 60 يوما. بينما الإجازات التي من حق العامل 45 يوما ومن حق الموظف في الحصول علي إجازة مرضية يجب ألا تتعدي 60 يوما. أما الخسائر بسبب اهدار العاملين لوقت العمل فتقدر بأضعاف ذلك الرقم بكثير.
وأرى من قلة الضمير تكاسل ملايين الشباب المصري عن العمل في انتظار الوظيفة المناسبة، ويشهد على هذا التكاسل امتلاء المقاهي ليلا ونهارا. فاين هم من المقولة المأثورة ” أحب ما تعمل ( اي عمل حلال) حتى تعمل ما تحب “. وأين هم من المثل الشعبي ” الإيد البطالة نجسة “.
ومن قلة الضمير الذي نخر في الريف المصري هو تحول معظم القري من منتجه الي قري مستهلكة . يشهد بذلك كثرة المخابز ومحلات الدجاج المستورد والمجمدة ، والمحلات التي تبيع الألبان والاجبان المصنعة بالشركات الكبري . واثناء زيارة لقريتي التي تبعد حوالي 25 كم عن القاهرة – أشاهد تزايدا في أعداد المقاهي التي يسهر عليها الشباب حتي الفجر ثم ينامون حتي دون صلاة حتي عصر اليوم التالي .
ومرت الايام التي كان أهل القرية يستيقظون مع أذان الفجر وبعد الصلاة يتوجهون مباشرة الي الحقل للعمل . وعند أذان المغرب يعودون للمنزل لتناول العشاء وصلاة العشاء والجلوس للسمر قليلا ثم النوم وهكذا كان يوم الفلاح المصري الذي بنيت علي اكتافه أول حضارة عرفتها الإنسانية .
فرصة ونحن في هذه الاجواء الروحانية الرمضانية ان نستدعي ضمائرنا في التعامل الحسن مع النفس والأهل والجيران كي نعيد الثقة بين الافراد وبعضهم البعض . وفرصة للعمل على التخلص من بعض الأمراض الإجتماعية مثل غياب الشفافية وتكافؤ الفرص وانتشار الفساد والرشوة والمحسوبية وكلها تنخر في بنية المجتمع وتعوق أي جهد حقيقي للتنمية.
ونتدرب على استعادة ضمائرنا في رمضان كي تصاحبنا طوال العام وهذا هو الطريق الحقيقي للنهضة والتغلب على الصعاب .
Aboalaa_n@yahoo.com