يعتبر العنف في الدراما التليفزيونية موضوع بالغ الأهمية و هو العنف في الدراما التلفزيونية و تأثيره السلبي على جمهور المراهقين، حيث بات توظيف مشاهد العنف سمة بارزة في الأفلام و المسلسلات الأجنبية في مختلف الفضائيات العربية.
أن العنف كقيمة فنية مهم جدا للإثارة و التشويق في أي عمل درامي، لكن الإسراف في توظيف مشاهد عنيفة يغير دور الدراما من الإمتاع و الترفيه إلى تعليم العنف بكافة أشكاله و تقديمه على أنه أحداث عادية، و هو ما يؤثر على الواقع الاجتماعي للمراهقين و يسيطر على عالمهم الرمزي .
تعتمد القنوات التلفزيونية في شبكتها البرامجية علي نوع خاص من البرامج التلفزيونية الدرامية تقوم بإعادة تشخيص وقائع العنف والجرائم وسرد تفاصيلها بالصوت والصورة من خلال إعادة تمثيل أحداث العنف والجرائم التي تحدث في المجتمع، يتم تمثيلها في سياقها الاجتماعي باشراك كل من الفاعلين في القضية، إضافة الي شهادات وتصريحات رسمية، تُعرض بطريقة درامية عبر الحوار والأداء التمثيلي، إضافة الي توظيف مؤثرات بصرية وصوتية، وما تحمله من دلالات ورسائل ضمنية.
فكان من أثر الدراما التليفزيونية المصرية على انتشار معدلات العنف السلوکي والجريمة بين الشباب في المجتمع المصري ونظراً لأهمية الدراما في التأثيرعلى سلوکيات المشاهدين وخاصةً الشباب ونظراً لانتشار العديد من مظاهر العنف السلوکي وإرتفاع معدلات الجريمة في المجتمع المصري تم الإهتمام بدراسة أثر الدراما على إرتفاع هذه المعدلات وتتمثل المشکلة الرئيسية للدراسة في إنتشار العديد من الأعمال الدرامية الغير هادفة التي أصبحت الأن تقدم نماذج وصوراً کثيرة للإنحراف الأخلاقي والعنف السلوكي والتجسيد الکامل للجريمة ،
ويتبلور الهدف العام للدراسة في تحليل المحتوى والمضمون الدرامي للموضوعات والأحداث المتعلقة بالجرائم وممارسة العنف السلوكي في الأعمال الدرامية التليفزيونية المصرية لمعرفة مدى تأثيرها على انتشار معدلات العنف السلوکي والجريمة في المجتمع ، وقد تم إجراء دراسة إستطلاعية على عينة من الشباب عددها 120 مبحوث لتحديد أهم الأعمال الدرامية التي رکز محتواها على تناول الأحداث المتعلقة بالجرائم وممارسة العنف السلوکي والتي عرضت خلال عام 2023 وتم مشاهتها والتعرف على مدى تأثير الأعمال الدرامية المصرية التي يتم مشاهدتها على إنتشار معدلات العنف السلوکي والجريمة في المجتمع المصري ،
وفي ضوء ذلک تعد هذه الدراسة من الدراسات الوصفية التي اعتمدت على منهج المسح وإستخدمت أداة تحليل المضمون لعينة من الأعمال الدرامية التليفزيونية المصرية والتي تمثلت في مسلسلات ( بنت السلطان – الطاووس – کله بالحب – ضل راجل ) ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة ارتفاع نسب العنف والجريمة والانحراف الأخلاقي في الأعمال الدرامية عينة الدراسة ووجود تأثيرکبير للتنشئة الاجتماعية والمحيط الاجتماعي على سلوک الشخصيات الدرامية. وقد يتفق الغالبية على قدرة الدراما التلفزيونية في التأثير على بعض الناس وإن اختلفت نسبة التأثير واختلفت نظرة القدرة على تأثيرها بين شخص وآخر … البعض يرى أنها قادرة على التأثير بنسبة كبيرة وتملك قدرة على التغيير في طبيعة حياة أفراد المجتمع ، في حين يرى البعض الآخر أن المتلقي هو الملهم في ما يجب على الدراما أن تتناوله …
ولأن الدراما التلفزيونية تحتل مكان الصدارة وتمثل النصيب الأوفر في برامج الترفيه والتسلية خاصة في المواسم كشهر رمضان وغيره فإن الملاحظ مدى الاهتمام الكبير الذي يعطيه لها المراهقون والشباب وغالبية الناشئة … فساعات طويلة تقضيها هذه الفئة العمرية لمتابعة ما تعرضه الشاشة الصغيرة من مسلسلات وتمثيليات لذلك فإن التأثيرات التي تفرزها لا تشكل تحديات لثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا فحسب بل تشكل خطراً يمس سلوكيات تلك الفئة العمرية …
تأثيرات تعمل على تثبيت ملامح عامة لنماذج مضمون ومحتوى الدراما المعروضة على الشاشة حيث أن غالبيتها ترويج للعنف والتمرد والوحشية وتمجيد للمغامرات الفردية المؤذية للشخص نفسه أو للغير .
وهذا ما نشاهده في السنوات الأخيرة من الدراما التلفزيونية … الجريمة والعنف … الوحشية والتمرد الانحراف والخيانة … كل هذا هو أبرز سمات غالبية الدراما التلفزيونية مما شجع المسلك السلبي المقيت لدى بعض الشباب والأطفال والمراهقين تقليداً لشخصيات الدراما المعروضة … وكثيراً ما نقرأ أو نسمع عن أطفال وشباب دفعتهم الأحداث الدرامية إلى سلوك منحرف أو حملتهم على ارتكاب جرائم لم تكن سوى انعكاسات لمضامين ما يُتابع عبر الشاشة .
الحقيقة أننا لا نستطيع أن نقول إن الدراما تقوم بتغيير السلوك أو تغيير الأخلاق بشكل مباشر على النحو المطلق ، ولكن خطورتها أنها تعطي صورة قابلة للمحاكاة في الواقع ، حيث يتأثر بها الأطفال الذين يميلون إلى التقليد ، خاصة عندما يكون البطل محبوباً ، فيقلدون سلوكه ، وطريقة كلامه ، ويرددون ألفاظه …
ومسلسلات العنف لها تأثير سلبي خطر على المراهقين الأكثر تأثراً بتلك النماذج السلبية ، خاصة عندما لا يجدون قيماً إيجابية مناهضة لمنظومة القيم السلبية التي تفرضها عليهم الدراما العنيفة ، التي تهدم ما تبنيه الأسرة والمدرسة .
لا أحد يستطيع أن ينكر أن تلك الأعمال يغلب عليها الطابع التجاري ، ويهدف منها الفنان إلى الشهرة والمال ، وقد يكون بداخله عنف ويقدم تلك الأدوار دون حساب للقيمة والرسالة ، معتمداً مبدأ الغاية تبرر الوسيلة .
فمن الخطر أن تقدم الدراما العنف على أنه قاعدة و« البلطجة » على أنها بديل للقانون ؛ لأن في ذلك رسالة سلبية تؤثر على عقول الأطفال والشباب الصغير تحديداً .
فلا يمكن إنكار وجود العنف في المجتمع بين الجيران وفي المدرسة والشارع ، وربما في الأسرة الواحدة ؛ لكن يجب ألا ترسخ الدراما هذا الاتجاه ، فدور الإعلام بصفة عامة والدراما تحديداً … هو التوعية وتقوية السلوك الأخلاقي .
فكثيرون لا يستطيعون أن ينكروا دور الدراما والفن عموماً بالتأثير في المشاهدين ، وكذلك لا يمكن أن يتجاهل أحد دور ومسئولية الفنان عن اختيار صورته وأهمية رسالته .
لذلك يجب على الفنان أن يعي قيمة ما يقدمه فيختار النماذج الإيجابية التي تبني وترتقي بالمجتمع .
إن الدراما التلفزيونية على الفضائيات أدت إلى الخروج في كثير من الأحيان عن التقاليد والقيم والسلوكيات المتعارف عليها دينياً وأخلاقياً ، ويتم ذلك تحت مسمى التقدّم والتطوّر والحداثة والعولمة ، وباطنها هو الخروج عن الالتزام والدين ،
وأثبتت الدراسات أن هذه المتغيّرات انقلاب حاد داخل أفكار ومشاعر الجماهير ، كما أدت إلى حدوث تشتّت فكري ، وساعدت على الخلط بين الحلال والحرام ، وأصبح الجمهور يتأرجح بين التضارب الفكري والأخلاقي والسلوكي ، وما تثيره الدراما التلفزيونية من تناقضات وإرساء قيم ومفاهيم متناقضة إن الدراما التلفزيونية قوة ناعمة يجب أن تحث على القيم والسلوكيات الحميدة كون ذلك جزء أساسي من نهضة المجتمعات ،
فيجب إبراز الجوانب الجيدة لها خاصة أن الدراما المصرية صناعة عتيدة لديها أرث كبير وضخم من الأعمال الثقافية والاجتماعية والسياسية والفنية ، فقد ألتف حولها الشعب المصري ، وهو الأمر الذي أنعكس على سلوكيات المجتمع .