يقصد بالارتقاء عمليات تطوير منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، من خلال تجاوز الاختلالات القائمة، وتأهيل البنيات والآليات المعتمدة، وإدراج المستجدات وفق منظور استشرافي. علما أن ذلك لا يتحقق إلا في تفاعل وتكامل مع باقي المكونات والقطاعات المجتمعية الأخرى (الاقتصاد، الإدارة، القضاء، الإعلام والثقافة، الحياة السياسية، إلخ).
يشمل الارتقاء بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي الرفع من مستوى أداء بنياتها وقدراتها، بالنظر للغايات والانتظارات المجتمعية، سواء تعلق الأمر بالقدرات البشرية، أو المادية (البنيات المادية والتجهيزات والوسائل والموارد)، أو المؤسساتية (الحكامة وبنيات وأساليب القيادة والتدبير والتقييم، المرجعيات التنظيمية والتشريعية، الموارد المالية).
من ناحية ثانية، ينسحب الارتقاء على مستويين متكاملين: الأول يهم الفرد، على أساس قاعدة الإنصاف وتكافؤ الفرص، وجودة التكوين واستدامته بشكل ييسر اندماجه الاقتصادي والثقافي والقيمي، في تلاؤم مع حاجات البلاد ومهن المستقبل. والثاني يخص الارتقاء المجتمعي، من منطلق النهوض بالتنمية البشرية ودور المواطن المؤهل في تنمية الممارسات الديمقراطية، وتحقيق المواطنة المسؤولة، وتطوير البنيات الاقتصادية والإنتاجية وبنيات البحث والابتكار. من كون التعليم الفني أساس التنمية التكنولوجية في المجتمعات الحديثة، حيث يهدف إلى إكساب الفرد قدرًا من الثقافة والمعلومات الفنية والمهارات العملية التي تمكنه من إتقان أداء عمله وتنفيذه على الوجه الأكمل،
ويهدف أيضًا إلى إعداده الفني المتطور المناسب لمتطلبات سوق العمل الداخلي في المجالات الفنية العدة. وتعتبر أزمة التعليم الفني في مصر كارثة تواجه المجتمع حيث تشكل خطورة على سوق العمل وجودة المنتجات والأداء المطلوب؛ مما يؤدى إلى أزمة في الاقتصاد العام، حيث يتم التعامل مع التعليم الفني على أنه تعليم من الدرجة الثانية. كما تتمثل المشكلة أيضًا في ندرة المعلمين الأكفاء في مجالات التعليم الفني، كذلك ضعف مستوى المناهج التي يتلقاها المتعلمين وغياب خطة واضحة للتدريب والتعليم.
وأزمة التعلم الفني تتمثل أيضًا في عدم ربط سوق العمل بالمؤسسات التعليمية، من ثم تكون مخرجات التعليم غير مواكبة لواقع احتياجات سوق العمل. وانطلاقًا من رؤية مصر 2030 في تفعيل نظام الحوكمة ونظام تعليم معد وفقًا للمعايير العالمية مما يزيد من تنافسية التعليم الفني والتدريب المهني في مصر، تقترح كاتبة هذه الورقة التوجهات التالية:
أولًا: الاسترشاد بالتجارب العالمية الحديثة في تطوير منظومة التعليم الفني.
ثانيًا: اعتماد المعايير العالمية للجودة من أجل زيادة تنافسية التعليم الفني داخل وخارج مصر.
ثالثُا: التخطيط الاستراتيجي للتعليم الفني في ضوء التجارب والمعايير والرؤى المستقبلية.
رابعًا: استشراف المستقبل، رصد الواقع وطرح رؤى للتغلب على المعوقات الحالية
تُعد قضية التعليم واحدة من القضايا الهامة في بناء الأنسان وتطوير قدراته الذاتية وخبراته العملية والعلمية وما لها من انعكاسات على المجتمع، اذ تمثل حجر الزاوية في برنامج التحديث والتطوير الذي تتبناه الدول، لذا يحتل التعليم مرتبة متقدمة في سلم أولويات الخطط التنموية، ونظراً لهذه الأهمية فقد حرصت الدولة على تبني أهداف السياسة العامة للتعليم والقضاء على التحديات التعليمية والتي تضاعفت بشكل واضح بعد أنتشار الوباء العالمي المتمثل بــــــ” جائحة كورونا” واللجوء إلى التعليم الإلكتروني، والتي تمثل عائقاً حقيقياً أمام العملية التعليمية وتطويرها، وانطلاقاً من ادراك وضرورة التغلب على التحديات وتطوير النظام التعليمي سوف اعرج على اهم التحديات ورؤيتنا المستقبلية في التعليم وكما يأتي:
أولاً -التحديات المصاحبة للتعليم
1-الكثير من التلاميذ لم يستطيعوا إكمال تعليمهم بسبب جملة من التحديات تتمثل في ” الفقر-المستوى المعاشي-الوضع الأمني-عدم الاهتمام بالتعليم من قبل أولياء الأمور-عدم توفر المدارس الكافية، أنتشار الأوبئة…”.
2-النقص الكبير في الهيئات والملاكات التعليمية ويزداد النقص في التخصصات العلمية النادرة مما ينعكس سلباً على العملية التعليمية.
3-عدم تفرغ الطلبة للدراسة فقط سواء بالتعليم الابتدائي أو الثانوي أو الجامعي، اذ اجُبر العديد منهم إلى العمل بجانب الدراسة بسبب الحاجة المادية.
4-فتح مدارس وكليات لا تتوفر فيها شروط الرصانة العلمية وعدم توفر الوسائل العلمية المطلوبة والمختبرات العلمية الكافية والبناء غير صالح للتعلم واتخاذها الطابع الاستثماري التجاري وانتشار الفساد فيها مما انعكس سلباً على العملية التعليمية والمجتمع.
5-لم يرتبط التعليم باحتياجات السوق ولا يتناسب مع متطلبات التنمية وانعدام الخطة المستقبلية الواضحة، وذلك نلاحظ وجود آلاف الخريجين العاطلين على العمل والدولة عاجزة عن توفير فرص العمل لهم وهم في تزايد مستمر.
ثانياً-الرؤية المستقبلية للتعليم
1-إتاحة الفرض لجميع أبناء المجتمع واستيعابهم في التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي، وتهيئة كادر أداري قادر على استيعاب التطورات العالمية المتسارعة في المجال التقني، ووضع سياسة تعليمية طويلة الأجل تضم مجموعة من القواعد العامة لتوجيه التعليم وفق خطة علمية مدروسة من جميع الجوانب ، لتحقيق تطلعات المجتمع ومصالحه في ظل الظروف المتقلبة والإمكانات المتاحة.
2- التوسع في نظام التعليم الإلكتروني وتوظيفه في التدريس الافتراضي للتغلب على النقص الكبير في أعداد التدريسيين والمدارس وندرة بعض التخصصات العلمية ومنع الاختلاط بين الطلبة في ظل أنتشار “جائحة كورونا” ، التنسيق بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الاتصالات وتقديم الخدمات الإلكترونية مجاناً أو باقل تكاليف ممكنة.
3-تشريع قانون يساهم في دعم وحماية أعضاء الهيئة التدريسية من الاعتداءات المتكررة عليهم ويمنع الدروس الخصوصية التي تقتصر على الأشخاص الأغنياء وحرمان الطلاب من ذوي الطبقات الفقيرة.
4- تصميم المناهج التعليمية الشاملة والتي تهدف إلى زيادة الوعي المجتمعي والثقافة العامة، والتركيز على تقنيات التعليم وتطوير مستوى المناهج التي تساهم في غرس قيم الانتماء والتعايش مع الآخر وتنمية القيم الإيجابية في المجتمع.
5-تحسين فاعلية وجودة الخدمات التعليمية، وإدخال التكنولوجيا الحديثة وإصلاح منظومة التعليم بكل جوانبه، والاعتماد على بنك المعرفة والتقويم المستمر وتطبيق نظام (open book ) في الامتحانات التي تتطلب الفهم العميق والاستنتاج والتحليل وهي حالة حديثة لم يعتاد التدريسين والطلاب عليها في الفترة الماضية، والتوسع في تدريب التدريسين عن بُعد من خلال الاستخدام الذكي للتكنولوجيا وشبكة الأنترنت وتقديم الدروس التفاعلية وتدريبهم على مهارات التعليم الحديث.
6- الاهتمام بالبنى التحتية وتوفير الأبنية المدرسية وجودتها ومواصفاتها الملائمة للتعليم، وتوفير المختبرات العلمية المواكبة للتطورات الدولية .
تعتبر الجامعات من أهم المؤسسات التعليمية التي يلقي علي عاتقها الكثير من المسؤوليات والمهام فإلي جانب التعليم وخدمة المجتمع تضطلع بمهمة أخرى وهي البحث العلمي والذي يعتبر عنصراً هاماً وضرورياً لتقدم المجتمعات. فقد أولت الدول المتقدمة الجامعات وبرامج البحث والتطوير اهتماماً خاصاً، وذلك بتوفير البيئة العلمية المناسبة التي يمکن أن تنمو فيها البحوث العلمية وتزدهر، فالبحث العلمي يعد أحد أهم وظائف الجامعات ، فبدون بحث علمي تصبح الجامعة مجرد مركز تعليمي، وليس مركزا للإبداع العلمي وإنماء المعرفة وإثرائها وتوظيفه الحل مشكلات المجتمع المختلفة.(Smeby,and Sverre,2005,2)
وفي ظل تداعيات العولمة وتدويل التعليم واقتصاد المعرفة أصبحت جامعات العالم بحاجة إلي أن تکون أكثر تطوراً وتنافسياً في سوق التعليم المحلي والإقليمي والعالمي ، إذ أصبحت الجامعات أمام تحد جديد يطالبها بالکفاح من أجل تحسين نوعية أنشطتها الأكاديمية بالمقارنة مع أقرانها علي مستوي العالم في حلبة التنافس بين الجامعات . وخاصة بعد ظهور تصنيفات الجامعات العالمية والتي فرضت علي کل جامعة العمل علي صياغة استراتيجيات تنافسية لبناء واستدامة ميزة تنافسية في قطاع التعليم العالي ، إذ فرض ظهور التصنيفات العالمية للجامعات التفكير فيما يمکن عمله إزاء هذه التصنيفات وكيفية الاستفادة من المقارنة الدولية بين الجامعات للنهوض بالجامعة .
حيث تعتبر الجامعات من أهم المؤسسات التعليمية لتحقيق التنمية من خلال قيامها بإحدى وظائفها الأساسية وهي البحث العلمي . فدور الجامعات في توجيه البحث وتعزيز تجهيزات مراكز البحوث وتطويرها ، والتوسع في تطبيق الكراسي العلمية بدعم من القطاع الخاص وتمويله ، يؤكد علي أهمية البحث العلمي في بناء اقتصاد المعرفة. کما تعد البحوث الجامعية أحد أهم مؤشرات الجودة والتمييز في سلم تصنيف الجامعات محلياً وإقليمياً ودولياً وباتت تشکل هذه البحوث مصدراً مالياً هاماً لتمويل أنشطة الجامعات من خلال المنح والهبات التي تحصل عليها من المؤسسات المختلفة أو العقود التي تبرمها لإنجاز البحوث التي تحتاجها تلک المؤسسات للإسهام بحل المشکلات العلمية والتقنية التي تواجهها .( Amold, 2004, 133)
ومن هنا يأتي سباق الدول العظمي في امتلاک أکبر قدر من المؤسسات البحثية وفي تخصيص إمکانيات مالية وتقنية وبشرية هائلة باعتباره خياراً استراتيجيا لمواجهة عددا من التحديات الکبري في بعدها المحلي والدولي.
يعاني البحث العلمي في مصر الوطن العربي من عدم مقدرته علي الإسهام الکافي في تطوير الواقع العربي ورفع القدرات الاقتصادية والاجتماعية للإنسان العربي،هذا بالإضافة إلي غياب الخطط البحثية والبحوث الفريقية والمؤسساتية عنه ، وعدم وجود دعم للبحث العلمي ( المحتسب ، 2007) .
إذ يعاني البحث العلمي في المراکز والمؤسسات العلمية العربية من 🙁 عودة ، الجوارين،2016، ص 87)
- انخفاض نسبة الإنفاق علي البحث العلمي في الدول العربية بشکل کبير مقارنةً مع دول العالم المتقدم وبعض الدول المجاورة .
- تعاني مراکز البحوث من واقع مترد يتضح من خلال ضعف مسارات الابتکار والإبداع لديها .
- أسهم انخفاض المستوي العلمي والتعقيدات الإدارية والمالية في انخفاض متوسط عدد الباحثين في الدول العربية .
- الانخفاض الکبير في عدد براءآت الاختراع في الدول العربية نتيجة حتمية لانخفاض المستوي العلمي للجامعات العربية وغياب الحوافز وأكاديميات البحث العلمي المتخصصة .
- تدني مستوي مساهمة المرأة العربية في البحوث العلمية ، فضلاً عن ضعف التعاون والتنسيق المتبادل بين المراکز البحثية في الدول العربية وانعدام تبادل الخبرات والأفكار العلمية والتقنية فيما بينها
حيث تشير الأرقام إلي تردي واقع البحث العلمي ومراکز البحوث العربية ، وأوضحت الدراسات الإحصائية أن الإنتاجية العلمية للدول العربية في مجال البحث العلمي متدنية جدا إذ بلغت (10%) من المتوقع ، وقدرت إنتاجية الباحث الواحد بحدود (0.2) بحث للباحث سنويا في حين تصل هذه النسبة إلي (1.5) بحث في الدول المتقدمة ،
وخصصت الجامعات العربية (1%) من ميزانيتها للبحث العلمي في حين تجاوزت هذه النسبة (40%) في الولايات المتحدة ، فضلاً عن ذلک فإن معدل الإنفاق علي البحث والتطوير لکل فرد بلغ حوالي أربعة دولارات فقط في حين وصل هذا المعدل إلي (195) دولار في اليابان و (230) دولار في ألمانيا .(البرغوثي وأبو سمرة ، 2007 ، 9)
أما فى مصر فتشير الإحصاءات إلى أن معدل الإنفاق على البحث العلمي أقل من المعدل العالمي ففى2008 /2009 کانت 0.24 % ، 2009/2010 0.4 % ولم تصل إلى 1 % حتى 2017/2018 وتعتبر هذه النسبة ضعيفة جداً فى ضوء ما حدده البنک الدولى ومنظمة الأمم المتحدة أن نسبة الإنفاق المثالى أکثر من 2% ،من 1.6% : 2% جيدة ، من 1% : 1.6 %حرجة ودون 1% ضعيفة جداً . کما أن نسبة 80% تقريبا من تمويل البحث العلمى فى مصر من القطاع الحکومى ، 3% من القطاع الخاص ، 8 % مصادر مختلفة . فضلاً عن أن حوالى 80% من تمويل البحث العلمى ينفق على مرتبات العاملين والموظفين .(ابراهيم ،2013،3)
وبالرغم من الجهود التطويرية للبحث العلمي الجامعي في مصر کغيرها من البلدان العربية غير أن البحث العلمي لازال يواجه العديد من المشکلات والتحديات ، الأمر الذي يستوجب دراسة واقع البحث العلمي وتحديد الصعوبات التي تعترض مسيرته وتعيق وتضعف فاعليته في الجامعات المصرية ورسم التوجهات الاستراتيجية لتطويره ، وهذا ما أکدته العديد من الدراسات وأبرزها : دراسات کلاً من (سکران ،2006 )، (إبراهيم الدسوقي ،2013) ، (العباد ،2017، 6) ،(البرغوثي وأبو سمرة ، 2007) ( قنوع وآخرون ، 2010) ، (عائدة مکرد ،2010) ، (عثمان خوشي ،2016) ، (هدي بوديردي ، حسين بورغدة ،2018) ، والتي تؤکد في مجملها أن البحث العلمي في الجامعات المصرية يواجه العديد من المعوقات ،
وتنقصه الكثير من المتطلبات ، ويحتاج إلي مزيد من الاهتمام والدراسة التي تشخص واقعة وترسم التوجهات الاستراتيجية لتطويره وعليه ، تنطلق الدراسة الحالية من إشکالية تتمثل في أن البحث العلمي في الجامعات المصرية يعاني جملة من العوائق والمشكلات من مختلف الجوانب ، بدءاً من أطره التشريعية وهياکله التنظيمية ، مروراً لموارده البشرية والمادية وإنتهاءً بمخرجاته البحثية وعلاقتها بمتطلبات سوق العمل ، واحتياجات التنمية المجتمعية الشاملة ،
وبصرف النظر عن تباين حدة المشكلات التي يواجها البحث العلمي من جامعة إلي أخري ، غير أن الأمر بات ضرورياً للقيام بتشخيص أوضاع البحث العلمي بالجامعات المصرية وتحديد ما يعترضه من عوائق ومشکلات تمهيداً لتحديد سبل تطويرها .
وانطلاقاً من الواقع الحالي الذى يشير إلى أنه قد بات لزاماً على الجامعات أن تسعى إلى امتلاک قدرات تنافسية تساعدها على تحديد صورتها المستقبلية، وبناء استراتيجياتها التنافسية لضمان تميز الأداء والمنافسة المستقبلية .