لقاء السيسي ومودي .. تنويع لشراكات مصر خارج الكتلة الغربية
اجتماع رئيس الوزاء الهندي وبايدن.. لا يعني أن الهند حليف لواشنطن
اتفاق الهند وأمريكا على كبح طموحات الصين .. واختلافهما في الوسائل والأدوات
“إدارة التناقضات” ..التحدي الذي يواجه السياسة الأمريكية في السنوات المقبلة
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
جاءت زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لمصر ولقاؤه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي عقب زيارةدولة قام بها مودي لواشنطن واجتماعه مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض. وربما كان هناك ما يربط بين الزيارتين نظرا لتشابك العلاقات الدولية وتداخلها. وتشير بعض التقارير إلى أن زيارة مودي للقاهرة، من وجهة نظر مصر، تتعلق بتنويع الشراكات خارج الكتلة الغربية.. أما بالنسبة للهند، فيرى المراقبون أنها تعزز مكانتها كصوت لجنوب الكرة الأرضية في الوقت الذي تستعد فيه لاستضافة قمة مجموعة العشرين في سبتمبر المقبل بالعاصمة الهندية نيودلهي.
التعاون بين مصر والهند يضرب بجذوره في أعماق التاريخ وليس وليد اليوم. وتأتي زيارة الضيف الهندي لتعكس هذا التعاون الوثيق، وحسبما صرح السفير الهندي بالقاهرة فإنها تعزز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في جميع المجالات. كما أن سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز التي تتبعها الدولتان تزيد من مساحة الأرضية المشتركة التي تجمع بينهما على الساحة الدولية.
وباعتبار الهند قوة عالمية وإقليمية صاعدة، حققت الكثير من التقدم، وهي دولة نووية يحسب لها حسابها في الموازين العسكرية، وتمتلك مقومات اقتصادية وتجارية لا يستهان بها على المستوى العالمي، يجدر هنا إلقاء الضوء على زيارة مودي لواشنطن وما تعنيه بالنسبة لما يجري على الساحة العالمية.
قام مودي بزيارة دولة إلى واشنطن، تلبية لدعوة من الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث ألقى رئيس الوزراء الهندي خطابًا أمام الكونجرس الأمريكي، كما ناقش والرئيس الأمريكي مجموعة واسعة من الموضوعات التي تشمل التكنولوجيا والصين وحرب روسيا في أوكرانيا.
ضمن سلسلة حلقات نقاشية جديدة تبحث مناهج السياسة الخارجية الأمريكية البديلة للدول الرئيسية في العالم، عقدتها مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي بواشنطن العاصمة، تمت مناقشة هذه الزيارة وآثارها على العلاقات الأمريكية الهندية.
قالت أشلي تيليس الخبيرة بمؤسسة كارنيجي للسلام: الولايات المتحدة لها ثلاث مصالح أساسية في الهند، ولكل منها نفس الأهمية. الأولى هي رؤية الهند تزدهر كديمقراطية ليبرالية نابضة بالحياة، وهذا مهم بسبب الآثار النموذجية للهند كنجاح ديمقراطي لنوع النظام العالمي الذي طالما سعت إليه الولايات المتحدة.
الثانية هي نمو قوة الهند، ونتيجة لنمو القوة، تتعمق الشراكة الثنائية. وهذا الهدف مهم لأنه يعزز النظام متعدد الأقطاب في آسيا، والذي تعتبره الولايات المتحدة مهمًا جدًا لمصالحها الإستراتيجية، خاصة فيما يتعلق بالصين.
المصلحة الثالثة تتمثل في تعميق الروابط الاقتصادية في جميع المجالات، بحيث يصبح كل بلد محرك الازدهار للآخر.
وتنظر الولايات المتحدة، إلى الهند كثيرًا من خلال عدسة الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ويثور السؤال: هل هذا هو الحال أيضًا في الهند؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فما هي الطريقة التي يجب أن تتعامل بها واشنطن مع نيودلهي؟
تقول تيليس: أعتقد أن هناك تقاربًا من حيث الأهداف. تشترك الولايات المتحدة والهند في هدف منع هيمنة الصين على آسيا، أو منطقة المحيطين الهندي والهادئ. لكن الأدوات التي يؤكد عليها الطرفان ليست متطابقة دائمًا.
الولايات المتحدة قوة مهيمنة في آسيا. لديها التزامات تجاه الحلفاء يتعين عليها التمسك بها سواء كانت الهند ستدعمها في هذا النشاط أم لا. وهذا هو أحد المجالات التي يوجد فيها احتمال للتباعد بين البلدين. والثاني هو أن الهند تقع بالقرب من الصين بشكل غير مريح وليس لديها الحرية لاتباع سياسة خارجية مشاكسة تجاه بكين، وهو ما تستطيع الولايات المتحدة أن تفعله لأنها بعيدة جغرافيًا عن الصين مقارنة بالهند. وثالثاً، موازين القوى النسبية في صالح الولايات المتحدة.
وتستدرك أشلي بقولها: بغض النظر عن مدى عمق شراكتنا، ستكون هناك بعض العتبات التي من غير المرجح أن تتجاوزها الهند. العتبة الأكبر هي المشاركة العسكرية في عمليات التحالف التي قد تكون ضرورية ضد الصين في حالة الطوارئ، مثل اندلاع حرب في تايوان أو بحر الصين الجنوبي. أعتقد أن هذا الجسر من المحتمل ألا تعبره الهند ما لم تتعرض لتهديد مباشر من الصين نفسها.
لكن ليزا كيرتس تقول: إذا رأينا وضعًا تتعدى فيه الصين بشكل أكبر على الأراضي الهندية، على حدودها المتنازع عليها، أو حتى تقوم بغزو، فستريد الهند دعمًا دوليًا لمفهوم السيادة الإقليمية وحماية أراضيها، وقد لا تحصل على هذا الدعم لأنها لا تريد التصعيد والدفاع عن السيادة الإقليمية لأوكرانيا.
النقطة الأخرى هي أننا نشهد هذه العلاقة القوية بين روسيا والصين والشراكة بلا حدود التي تم الإعلان عنها قبل أيام فقط من الغزو الروسي لأوكرانيا. هذا يوضح أن الهند قد لا يكون بإمكانها الاعتماد دائمًا على روسيا ودعمها.
إن الهند يهمها إيجاد فجوة بين روسيا والصين ولا تحبذ فكرة اصطفافهما معًا ضدها. وبالنظر إلى باكستان تبدو الأمور رهيبة حقًا من المنظور الهندي.
وترى ليزا كيرتس أن قضايا التكنولوجيا أصبحت بالغة الأهمية، حيث “تحقق الصين تقدمًا ونسمع عن تطور أنجازاتها في مجال الذكاء الاصطناعي”. المشكلة الأخرى هي تطبيقات هذه التكنولوجيا الناشئة على أنظمة الدفاع، والتي تحفز تعاونًا أكبر بين الولايات المتحدة والهند لمعرفة كيف يمكن للجانبين العمل معًا وكيف ينظران إلى قضايا تطوير ونشر معايير هذه التكنولوجيا. هذا ما نراه من خلال مبادرة التقنيات الحرجة والناشئة (iCET) التي تم الإعلان عنها قبل عام. وكانت هناك اجتماعات مثمرة للغاية بين مستشاري الأمن القومي للبلدين في يناير.
وتقول شبكة سي إن إن في تقرير لها: كان الترحيب برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في البيت الأبيض في زيارة دولة -وهي أعلى أشكال الدبلوماسية الأمريكية -يتطلب من الرئيس جو بايدن إجراء بعض المقايضات.
ويرى التقرير أن مودي، الذي يتمتع بشعبية كبيرة والهند، أكبر ديمقراطية في العالم، يمثلان أيضًا ركيزة أساسية لإستراتيجية بايدن في آسيا. تجاوزت الهند الصين مؤخرًا لتصبح الدولة الأكثر ازدحامًا بالسكان في العالم. لا يمكن مواجهة أي تحدٍ عالمي كبير، من تغير المناخ إلى التقدم في التكنولوجيا، دون مشاركة الهند، من وجهة نظر بايدن. وفي عصر التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، هناك عدد قليل من الشركاء الذين يتوق بايدن إلى توطيد العلاقة معهم.
كذلك أكدت صحيفة ساوث تشاينا مورننج نيوز SCMPأن رحلة مودي تأتي في الوقت الذي تتطلع فيه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إقامة علاقات أوثق مع الهند لمواجهة النفوذ السياسي والاقتصادي المتزايد للصين في آسيا وخارجها.
ونقلت الصحيفة وصف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، الهند بأنها “شريك رئيسي ومهم، ليس فقط بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ ولكن عالميًا”، وقال إن العلاقة بين الولايات المتحدة والهند “واحدة من العلاقات الأكثر أهمية في العالم”.
جاءت هذه التصريحات بعد يوم من اختتام وزير الخارجية أنطوني بلينكين اجتماعات رفيعة المستوى في بكين حيث تحاول الولايات المتحدة منع التوترات المتصاعدة مع الصين من التحول إلى صراع أوسع.
عندما سئل كيربي عما إذا كانت الدعوة التي وجهها بايدن إلى مودي لزيارة واشنطن هي أيضًا رسالة إلى بكين رد كيربي في اقتضاب: “لا”. وقال إن واشنطن تتطلع إلى “تعميق” و”توسيع” و”تحسين” التعاون الدفاعي مع نيودلهي.
التقى مودي بالرئيس التنفيذي لشركة تسلا Tesla،إيلون ماسك، في نيويورك، وناقشا خططًا لفتح قاعدة تصنيع في الهند حيث تتطلع الشركات الأمريكية إلى تحويل سلاسل التوريد بعيدًا عن الصين.
أعلن الزعيمان عن العديد من اتفاقيات التعاون الصناعي الدفاعي، بما في ذلك التصنيع المشترك لمحركات نفاثة F414 واستحواذ الهند على 31 طائرة بدون طيار MQ 9B بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي.
كتب سي راجا موهان، الزميل الأول غير المقيم في كارنيجي إنديا، وهو مركز أبحاث مقره نيويورك، في تقرير نشرته جمعية آسيا: “سيساعد هذا التعاون الهند أيضًا على سد الفجوة الهائلة في القدرات العسكرية مع الصين بدعم قوي من الولايات المتحدة”.
وهنا يثور التساؤل: هل يمكن للهند أن تكون “بطلة الجنوب العالمي” وسط التنافس بين الولايات المتحدة والصين في المحيط الهادئ؟
قال موهان إن كلاً من نيودلهي وواشنطن لديهما “مصلحة قوية في استقرار ميزان القوى الآسيوي والتعامل مع الاضطراب الجيوسياسي الناجم عن صعود الصين وترسيخ بكين نفوذها في آسيا”.
لم يتحدث كيربي عن محاولة واشنطن “فطم” نيودلهي عن الأسلحة الروسية، رغم أنه قال “نأمل بالتأكيد” أن الهند “ستستمر في شراء النفط بسقف السعر المفروض على النفط الروسي”.
ويرى تقرير للتايم أنه، على الصعيد متعدد الأطراف، أدى دور الهند في التشاور”الرباعي” (المكون من الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان) إلى تحقيق هدف مشترك لواشنطن ونيودلهي، وكلاهما يحمل مخاوف بشأن الصين. لكن نيودلهي تدعم أيضًا تجمعات بديلة غير غربية مثل البريكس، وتظل هيئات خارجية مركزية للدبلوماسية الأمريكية مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجموعة السبع.
اليوم، يشمل التعاون بين الولايات المتحدة والهند مجالات الدفاع، والصحة العالمية، والتنمية المستدامة، والمناخ، والتكنولوجيا، من بين أمور أخرى. لكن لا تزال هناك خلافات عميقة، بما في ذلك مخاوف واشنطن بشأن التراجع الديمقراطي للهند تحت حكم مودي، وامتناع الهند عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.
هذا لا ينبغي أن يفاجئ أحدا. الهند ليست حليفًا للولايات المتحدة، ولا تريد أن تصبح كذلك. إن رؤية العلاقات مع القوة الصاعدة للهند على أنها مسار يتوج بعلاقة مثل تلك التي تتمتع بها الولايات المتحدة مع اليابان أو المملكة المتحدة تخلق توقعات لن تتحقق. لطالما أعطى القادة الهنود، من مختلف الأحزاب وعلى مدى عقود، الأولوية لاستقلال السياسة الخارجية كميزة مركزية لنهج الهند تجاه العالم. لا يزال هذا هو الحال حتى مع انفتاح مودي على الولايات المتحدة.
من الناحية العملية، تُلخص رئاسة الهند لمجموعة العشرين هذا العام ذلك التوجه، “كوكب واحد، عائلة واحدة، مستقبل واحد”، وهذا يجسد جهودها المزدوجة لقيادة منتدى أكبر 20 اقتصادًا في العالم بينما تقدم نفسها بوعي على أنها “صوت الجنوب العالمي “.
ويستطرد تقرير التايم: لا تزال مجموعة العلاقات والتحالفات الخاصة، التي رعتها الولايات المتحدة على مدى عقود، قائمة لكن العديد منها يتأثر الآن بالخلافات مع واشنطن. خذ تركيا أو فرنسا أو مصر أو باكستان أو البرازيل. لا يرى هؤلاء دائمًا في علاقة تحالفهم مع واشنطن عوائق أمام اتخاذ قرارات تتعارض مع تفضيلات الولايات المتحدة.
في عالم تتوزع فيه القوة بشكل أكبر -عالم به لاعبون أكثر تنوعًا يتخذون خطوات أكثر تميزًا في السياسة الخارجية -قد تكون الشراكات وحتى التحالفات التي تتميز بخلافات جوهرية هي الوضع الطبيعي الجديد. وقد تكون إدارة التناقضات هي التحدي المركزي للسياسة الخارجية الأمريكية خلال السنوات المقبلة.