الحرب الأكرانية الروسية أجّجت أزمة الغذاء في كل العالم. القمح وزيت المائدة أصبحا شحيحين والأسعار ارتفعت كثيرًا في السوق العالمية، وهو ما يحرم المزيد من الناس من إمكانية الحصول على الغذاء. هذا هو السبب الرئيسي لأزمة الغذاء الحالية. إنها ليست نقص الوفرة، فالطعام موجود، لكن المشكلة هي أن الناس ليس لديهم ما يشترون به المواد الغذائية.
من المؤكد أن الكثير من الأشياء ستتغير بشكلٍ جذري. لكن تمامًا بدون تجارة، أمر غير ممكن. غير أن حماية المنتَج المحلي يجب أن تكون أولوية. من الممكن أيضًا أن تُصاغ الاتفاقيات التجارية بشكلٍ عادل وملائم للمناخ، وهناك خطواتٌ أولى في هذا الاتجاه.
القليل من المحاولات غير الفاعلة لتصحيح الأخطاء، لم يعد يجدي نفعًا. ما نحتاجه الآن هو تحول شامل على كل مستويات النظام الغذائي لنجعله ملائمًا للمستقبل.
والواقع أن أشد تحدٍّ يمكن لأي دولة -قديما وحديثا- مواجهته هو تحدي “الإطعام من جوع” لشعبها أو “الأمن الغذائي”؛ فهو أكبر عوامل انهيار الدول من داخلها حين يسمح للاضطرابات الاجتماعية والسياسية بأن تتمدد في أرجائها، وقد تدفع تلك الظروف إلى سقوط الدولة في الفوضى فتصبح “دولة فاشلة”، وهناك مِن الدول مَنْ تصمد بصعوبة وإجراءات قاسية.
وبجانب الدور الحاسم الذي يقوم به التجار لمساعدة السلطات العامة في تجاوز الأزمات الغذائية؛ فإن هذه الأزمات كثيرا ما كانت تفتح لهم فرصا اقتصادية وتجارية جديدة تعزز غالبا مراكزهم المالية وتضاعف أرباح نشاطهم التجاري، بعد ما أصابها من خسائر بسبب الحرب والغلاء الجالب للركود التجاري.
يتعلّق الحديث السائد حالياً بانعكاسات الحرب الروسية- الأوكرانية على خطوط تجارة الأغذية التي تملك الدولتان ثلثها، وأيضاً بإنهاء موسكو العمل بـ«اتفاق البحر الأسود» (يوليو 2022) لتسهيل تصدير منتجات البلدين من الحبوب وملحقاتها (قمح، شعير، ذرة، زيوت…). لكن مسألة الأمن الغذائي أوسع من ذلك،
كما أوضحت أعمال «قمة نُظم الأغذية» التي نظّمتها الأمم المتحدة أخيراً في روما. توقّعات الهيئات الدولية المتخصصة شهدت نمواً في الإنتاج هذه السنة، وهو ما أكّده الرئيس فلاديمير بوتين في مقال نُشر عشية انعقاد قمة سانت بطرسبرغ، بغية تهدئة قلق ضيوفه الزعماء الأفارقة الذين تمثّل بلدانهم الطرف الأكثر تضرّراً من أي خلل في سلاسل الإمداد. وفي السياق أكّد أن روسيا ستعوّض نقص الإنتاج الأوكراني في الأسواق.
لكن، بمعزل عن أي صراع أو جدل بين المعسكرَين الغربي والشرقي، لا تحبذ غالبية دول العالم، ولا سيما الدول النامية، أن يتحوّل الغذاء سلاحاً أو مادة في أي حرب. كانت روسيا وافقت على مبادرة تصدير الحبوب لقاء شروط تعهدّ الأمين العام للأمم المتحدة بتلبيتها، وقد يكون عوّل على وعود تلقاها من دول الغرب، كما تعتقد موسكو، إلا أن تفاوضه معها لم يؤدِّ إلى نتيجة إذ كان المطلوب تخفيف العقوبات أو رفعها عن أنشطة القطاع الزراعي الروسي وتصدير منتجاته، وكذلك إعادة البنك الزراعي الروسي إلى نظام «سويفت».
تعدُّ الأزمات هي وقود الرأسمالية المعاصرة فهي تعمل على خلق الأزمة والاستثمار فيها من أجل كسب المزيد من الأرباح، من هنا برزت فكرة أساسية لدى الرأسماليين الكبار أن كل شيء له ثمن، ويمكن الاستثمار فيه حتى أبسط الحقوق الآدمية من الأمن والدواء، فمافيا السلاح يستثمرون في إشعال نيران الحروب، ومافيا الدواء ينشرون الأوبئة والأمراض، أما مافيا صناعة الغذاء فاستثمارهم في الجوع، ففي الوقت الذي تنتج الأرض ما يكفي لإطعام ساكنيها أو أكثر، يوجد نصف مليار جائع!
فها نحن اليوم أمام سياسة تأبيد الظلم عبر شرعنه الفقر والجوع بيد ماكنة النهب الرأسمالية العالمية، ومن قبل من تدّعي الحضارة وتستثمر بها، والتي بدورها عززت الفجوات الطبقية خصوصاً بين الأثرياء الذين يموتون من التخمة وأولئك الذين يموتون جوعاً دون حتى ان يجدوا من يحتفي بتأبينهم، ففي نظرها من لا يملك المال لا بأس ان يموت وهو يتضور جوعاً، فتراهم غالباً ما يلعبون دور الملاذ الآمن والإيحاء بالقوة والنفوذ، واهمين الشعوب بانهم هم وحدهم القادرين على تحقيق التنمية المستدامة بكل جوانبها، فلا عجب ان السياسات الاقتصادية القائمة على مبدأ اقتصاد السوق والسوق الحر هي التي تعمق المجاعات في تلك الدول، فتحت مظلة هذه الشعارات وتحت مسمى الديمقراطية يتم تغليف التفنن في أشكال نهب موارد تلك الدول وثرواتها، ونسف نموها واستغلال قوت شعوبها ابشع استغلال. فالانظمه الامبرياليه والرأسماليه الاستعماريه بأذرعها من المؤسسات الماليه والاقتصاديه المتمثله بالبنك وصندوق النقد الدوليين هي الحاكم بأمره في جميع الاسواق العالميه، فهي من يقرر من ياكل ومن يجوع و واخر همها اذا زاد العالم ام نقص، فتراها تتحكم بمن يحصل على الطعام عبر احتكارها الغذاء والتحكم في تسويقه الى الانظمه الهشه منزوعة المخالب والانياب، ذات السياده الشكليه التي تم انتقائها بعنايه وتوجيهها لتصبح فيما بعد أداة من أدواتها للسيطره والامتطاء، لتبقى على تبعية الشعوب الفقيره غذائياً لها حبيسة الاملاءات .
..فليس من باب الكرم ربما او السخاء ان يمنح صندوق النقد الدولي والبنك المركزي القروض للدول الفقيره فهم في الحقيقه يخوضون ضدها حرباً حقيقيه تستخدم فيه كل الادوات لإعادة تدوير استعمارها باسم التنميه والازدهار وجلب الرخاء.
فالمساعدات التنمويه ذات الوجه الانساني هي في حقيقة الامر سياسيه بامتياز تقنع بها الدول المستدينه بأنها لتخفيف آلام الناس، ولكنها في الحقيقه تدخل ضمن خانة الابتزاز، لتبقىيها تعاني من مرض مزمن الا وهو المديونيه للاخر، فمن خلال هذه الديون هي تمسك بخناقها لترويضها في نهاية المطاف..
.وكيف لا وهم يكبلونها بشروطهم المجحفه رابطين مساعداتها لتلك الدول بتنفيذ خططها وبرامجها الاقتصايه والتي هي في حقيقة الامر وصفات واوامر تخضع لرقابه مشدده، والذي بدوره فجر سؤالاً حول حقيقة فيما اذا كانت المساعدات الانسانيه التي تقدمها تنمويه ام هي سلاحاً تشهره في وجهها متى ارادت ذلك، وهذا ما لمسناه في العديد من الدول العربيه ولعل لبنان المنهك اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا والمهدد بالانهيار التام اشهرها..!
فلربما ليس بغريبا ما نلاحظه اليوم من هيمنة بعض القوى الاقليميه والتي تعمل جاهده على حصر قدرة الدول الفقيره في تلبية احتياجاتهم الغذائيه على الاستيراد فقط، ومنعها من الانتاج لابقاء تبعيتهاغذائيا لها باحتكارها انتاج الحبوب خصوصاً القمح على وجه التحديد
حتى بات وحش الجوع يهدد بإبادة الناس بفعل اغلاق الموانئ الاوكرانيه بوجه التصدير بعد خروج العديد منها عن الخدمه نتيجة للقصف والدمار، حتى انعكست هذه الحرب على الدول الافريقيه الذين كانوا وما زالوا بأعلى هرم المتضررين، فوفقاً لبرنامج الاغذيه العالمي التابع للامم المتحده
فإن اكثر من اثنان وعشرون مليون شخص من هذه القاره مهددون بالموت جوعاً وكل هذا يحدث بعد ان كانت تزداد فيه الفوائض الغذائيه التي تكفي لاطعام مئات الملايين من تلك الشعوب لتواجه مصيرها المحزن الى مكب النفايات، بنية رفع أسعارها وزيادة الارباح، فلا عجب اذاً ان العالم الذي يدّعي المجاعه ينتج كميات ضخمه من الغذاء بل واكثر مما يحتاج …!
لتكرس من خلال سياستها تلك مهنة الاستيراد، في المقابل تكتفي بتقديم الفتات لها من السلع الاستراتيجيه، وهذا لربما بعض مما أوصلنا الي حافة انهيار أمننا الغذائي وعجزنا عن تأمينه لأنفسنا فماذا نحن فاعلون…..!