عندما يقوم الشباب –أي شباب كان وفي أي بلد وجد- بعميلة “النقد الذاتي” ويحاسب نفسه، ويستعرض بنزاهة وموضوعية، ما له وما عليه، يجد نفسه مدينا للمجتمع الذي نشأ فيه بديون ثقيلة لا يستطيع أداها ولا ردها إلا عندما يصبح بدوره عضوا نافعا فيه، ومندمجا في خدمته كا الاندماج.
ذلك أن المجتمع الذي يمارس الشباب حياتهم اليومية في ظله وتحت رعايته- منذ أن تفتحت أعينهم على نور الشمس- هو الذي أخذ على عاتقه تنشئتهم وتربيتهم وقيادتهم خطوة فالمجتمع هو الذي فتح في وجوههم أبواب الحياة، وقدم في سبيلهم أجل التضحيات، عندما عمل بكل إخلاص، ويسحن نية، على إنجاب الأطفال أولا، ثم على حضانتهم ثانيا، ثم على تربيتهم ثالثا، ثم على تعليمهم وتدريبهم في مختلف العلوم والمهن والمهارات رابعا، ثم على إدماجهم في صميم حياته أخيرا.
وما من شاب شاب إلا وهو مدين للمجتمع على الخصوص بعمليتين أساسيتين لا غنى عنهما لتكوين شخصيته، وصقل مواهبه، وتكفيه التكييف المناسب والملائم لنوع الحياة السائد في مجتمعه على وجه العموم.
فالعملية الأولى: هي عملية” الوراثة الاجتماعية” التي ينتقل عن طريقها من جيل إلى جيل ما تمجع من تراث البشرية عبر القرون، وبفضلها يرث كل جيل عن الجيل الذي سبقه كل ما عنده من لغة وعادات وتقاليد ومعتقدات وفنون وعلوم، وأنظمة اجتماعية واقتصادية وسياسية.
والعملية الثانية: هي عملية “التشكيل الاجتماعي” للضيوف الطارئين على المجتمع من أبنائه وفلذات أكباده، وهذا التشكيل يتم بصورة أو أخرى عن طريق “المحاكاة والتقليد” من جانب الصغار للكبار، إذ الإنسان بطبيعته “حيوان مقلد” يتأثر بما يرى عليه غيره من أبناء جنسه، فيحاكيه ليكون مثله، كما يتم نفس التشكيل الاجتماعي عن طريق التلقين والتوجيه من طرف الكبار للصغار، ولاسيما في الوسط العائلي والوسط المدرسي، وما حولهما من الوسط القروي أو المدني،
وما أظن أنه يوجد شاب منصف يحلل شخصيته بتجرد وموضوعية ليردها إلى عناصرها الأولى، ثم يحاول أن ينكر في قليل أو كثير ما أثرته في نفسه وتربيته وحياته اليومية عملية “الوراثة الاجتماعية” وعملية “التشكيل الاجتماعي”،
والإجماع قائم بين الباحثين في هذا الموضوع على أن جميع القوى الحضارية على اختلاف أنواعها، بما فيها أطيب وأجود ما أثمرته الثقافة الإنسانية إنما تم نقلها من جيل إلى جيل بفضل هاتين العمليتين، وأنه لولا أن الله ألهم الإنسان إليهما لما أمكن للإنسان أن يحافظ على رصيده الفكري والخلقي الذي توصل إليه خلال عشرات القرون، بعد كفاح مرير، ونضال عنيف، بذل فيه كثيرا من العرق والدمع والدم.
فتأثير المجتمع القوي والعميق على الأجيال الصاعدة أمر لا جدال فيه، وشئ لا مفر منه، ومهما ادعى البعض أنه “عصامي” المئة في المئة، وأنه كون نفسه من “لا شيء”، بعيدا عن تأثير المجتمع الذي نشأ فيه، وأنه لا يدين لمجتمعه بقليل ولا كثير، فإن أكثر ملاحمه وجوارحه، وأغلب انطباعاته وتصرفاته، تبطل دعواه، وتؤكد أنه مرآة صادقة لمجتمعه كيفما كان ذلك المجتمع صحيحا أو سقيما منحرفا أو مستقيما.
والمجتمع عندما يندفع إلى تقديم خدماته للجيل الصاعد إنما يقدم له تلك الخدمات منتظرا منه أن يقدم هو بدوره للمجتمع أحسن منها أو مثلها. والشأن في المجتمعات كلها أن تعلق كثيرا من آمالها العريضة على أجيالها الصاعدة، وأن تنتظر منها تحقيق تلك الآمال، في مجال الوقائع والأعمال، ومن حقها أن تنظر إلى الأجيال الصاعدة، كما ينظر “صاحب السيارة” إلى “قطع الغيار” اللازمة لسير سيارته واستمرارها، كلما أصاب قطعة من قطعها عطب، أو تلف، أو ضياع، وإلا تعطلت سيارته عن العمل، لأول عطب يقع في قطعة من قطعها، وهكذا تتلف وتتعطل جميع السيارات عن السير، الواحدة بعد الأخرى، لفقدان قطع الغيار الصالحة، التي تعوض ما تلف منها في الحين.
على أن الشباب الذين بلغوا درجة طيبة من الوعي والشعور بالكرامة، والاعتزاز بها، لا يرضون لأنفسهم أن تكون وظيفتهم في المجتمع قاصرة على “الاستهلاك” دون “الإنتاج” ولا أن يكون عملهم الوحيد هو مجرد امتصاص جهود الغير، واستغلال مواهب الآخرين، واستنزاف طاقاتهم وتضحياتهم دون أي مقابل.
بل الشأن في الشباب الحي –على العكس من ذلك- أن يعد نفسه ليكون خير خلف لخير سلف، وأن يختار –عن بينة وكفاءة واستعداد- الدور الذي عليه أن يلعبه لصالح المجتمع، وأن يبادر-دون تردد ولا تسويف- إلأى القيام بذلك الدور، فالمجتمع أحرص ما يكون على أن يلقح أجهزته بدم جديد، هو دم الإصلاح والتجديد، ومن أجل ذلك عمل المجتمع ويعمل دائما على تكوين الشباب طموح منتج ومبدع يومن بأن “طريق السعادة” الوحيد هو طريق العمل والكد، والنشاط والجد، وبذلك يضيف الشباب إلى تركة المجتمع المادية والأدبية عنصرا جديدا، ويسجل في رصيده الخاص مساهمة عملية، مطبوعة بطابعه الشخصي، يستحق من أجلها التقدير والاحترام، ويسجلها له التاريخ بأحرف من نور في مستقبل الأيام.
وما من مجتمع كبر شأنه أو صغر، إلا وهو يعترف بأن فيه “فراغا” يجب أن يملأ، وبأن فيه “ثغرات” يجب أن تسد، وهذا الفراغ يكون أحيانا في مجالات “العلم” على اختلاف أنواعه، ويكون أحيانا في مجالات “الفن” على اختلاف أشكاله، ويكون أحيانا في مجالات “المهن والصنائع” على تعدد أصنافها، ويكون أحيانا في “إطارات الدولة وأجهزتها” على تنوع اختصاصاتها، ويكون أحيانا في “إطارات المجتمع” الاجتماعية نفسها، وملء هذا الفراغ، لتكميل نواقص المجتمع في العلم، والفن، والصناعة، والمهن الحرة، وأجهزة الدولة والمجتمع، في العمل الأكبر، والمجهود الأعظم، الذي ينتظره المجتمع من أبنائه وفلذات أكباده، الذين بذل في سبيلهم النفس والنفيس، وهو السبيل الوحيد إلى أن يثبت الشباب وجودهم، وينالوا ثقة المجتمع واحترامه، وهو السبيل الوحيد إلى أن يخلدوا أسماءهم في التاريخ، دون أن يكون ظهورهم على مسرح الحياة ظهور “عابر السبيل” الذي لم يعرف أحد هويته ولا شخصيته، فعاش ومات دون أن يشعر بوجوده أحد.
و في العهد المدني كان دهاة هذا الغزو الماكر الخبيث من اليهود فقد واجه اليهود الإسلام والمسلمين في المدينة بألوان مختلفات ، وأشكال شتى ، من وسائل الكيد للتأثير على الإسلام بغية التحريف فيه ، وللتأثير على مشركي العرب بغية صدهم عن الدخول في الإسلام ، وللتأثير على المسلمين بغية إخراجهم وتشجيعهم على الردة عنه .
واستخدموا وسيلة الغزو الفكري الداخلي المتمثل في النفاق ضمن وسائلهم الكثيرة ، ولكن الله عز وجل حمى دينه ورسوله والمسلمين من مكايدهم ، مدة عصر الرسول ومدة خلافة أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – حتى سقط عمر صريع اغتيال كان للمكر اليهودي أصابع خبيثة خفيّة فيه .ثم كان لهم في المسلمين عبر تاريخهم مكايد كثيرة ، من مكايد الغزو الفكري ،
ظهرت في مؤامرات المنافق اليهود يعبد الله بن سبأ التي نجم عنها ظهور فرق الشيعة الغلاة ، وأشنعهم الذين ألَّهوا علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-، ثم ظهرت في مؤامرات المنافق اليهودي ميمون بن ديصان القَدَّاح التي نجم عنها ظهور فرق الباطنية على اختلاف نزغاتها ، وما كان من عصاباتهم من كيد ضدّ الإسلام والمسلمين الذي اكتوى المسلمون بناره طوال قرون . ثم ظهرت في مكايد يهود الدونمة ضد السلطنة العثمانية الإسلامية وضد المسلمين عامة