الفن ليس مجرد تعويض عما فى الحياة من عدم التوازن .. هذا رأى لا أقره .. ولكن الفن باق بقاء الحياة .. الفن ينقل الإنسان من بهيميته الأولى إلى مرحلة أرقى .. ورحلة التحول من الأدنى إلى الأعلى عملية فنية .. والمرادف لتطور الحياة هو الفن .. فأى نشاط من الأنشطة عندما يرقى نسيمه فنا .. إذا ضربت مثلا بالجراحة .. فهناك الجراحة التى يمكن أن يجريها الطبيب .. ومن الأطباء من يرتفع بهذه الجراحة إلى مستوى الفن .. أى إلى مستوى أعلى .. فكل مهنة تتحول إلى فن مع التجويد المستمر .
والفن أو الفنان الحقيقى هو فى إيمانى طبيب المجتمع .. والمآسى فى كل مجتمع كثيرة ومتعددة .. أهمها مأساة الإنسان نفسه ، الإنسان الذى مازال يجهل نفسه .. وقد عرفت ذلك فى نفسى أولا .. أيقنت فى بداية حياتى أننى أجهل نفسى ولا سبيل إلى التعرف إليها إلا عن طريق الفن والأدب .
ويضع ذلك الطبيب الذى قلت عنه إنه فنان .. فوجدت أن مأساة الإنسان فى حقيقتا هى فى جذور المجتمع الذى يعيش فيه .. وكما يتطور كل شىء .. كذلك لا بد للمجتمع أن يتطور .. وكان يدهشنى أن كل شىء .. الجماد .. النبات والحيوان .. كل ذلك يتطور .. البذرة تنبت والشجرة ترتفع .. والغصن يورق .. والعصفور يكبر وتكون له أجنحة ويحلق فى السماء .. والحيوان كذلك .. كل ذلك كان فى عينى يتطور وينمو .
ولكن الشىء الوحيد الذى كان يقف جامداً فى عينى هو الإنسان .
والفن الذى نتحدث عنه الآن .. فن التعبير عن الذات .. أو فن تجميل الحياة .. فالحياة طبعاً محتاجة إلى أن تجمل وتتحسن باستمرار .. والفنان يضع لمسته .. وهناك باستمرار قوالب جديدة .. وتطور دائم .. فالعربة الكارو تتحول إلى صاروخ .. والكوخ إلى ناطحة سحاب .
هذا فى مجال تجميل الحياة . أما عن طريق تجميل الذات .. فالتعبير عن الذات أرقى منه .. وأرفع أسلوباً .
ولو نظرنا مثلا إلى الشعر وهو تعبير عن الحياة النفسية .. ولكن بلغة رقيقة .. وكذلك الأدب .
فكل الفنون ضرورة حياتيه تفرض نفسها .. أما كلمة تعويض فليست مناسبة .. فمادام الإنسان يعيش فهو يحتاج للفن كالماء والهواء والطعام تماماً .. وهذا ما نراه حتى فى السلوك العادى .. فنرى الإنسان وهو يتحدث ، يحاول أن ينقل ما بداخله من المعانى إلى محدثه .. عن طريق تخير الألفاظ والإيماءات ..و.. كلها وسائل تعبير مختلفة يستعين بها المتحدث لتجسيد الأحاسيس الداخلية لتصل إلى الغير .. هذا فى الكلام العادى .. إن الفنان يتولى عن الإنسان العادى هذه المأمورية .. كالمحامى الذى نكلفه أن يدافع عن قضايانا الخاصة .. لأن الفنان لديه الإمكانات المدربة والاستعداد الذاتى أن يتحدث بناء عنا .. فالفنانون هو أصوات الناس .