هذه الحرب هي بكل وضوح ضد المدنيين في قطاع غزة”، لان ذلك يتعارض مع القانون الدولي الإنساني. “في منطقة مثل قطاع غزة ذات الكثيفة السكانية الهائلة، يحظر مثل هذا النوع من الحروب. ، أن نظام “القبة الحديدية” الإسرائيلي أثبت نجاعته في التصدي للصواريخ التي تطلق من غزة. لا يتعلق الأمر في الحرب في غزة بأهداف عسكرية أو سياسية،
وإزاء العدد المتنامي للضحايا أصبح السؤال حول موقف القانون الدولي ملحا أكثر من أي وقت مضى. كيف وإلى مدى يحق لإسرائيل أن تدافع عن نفسها إزاء الصواريخ التي تطلقها حركة حماس؟ وهل القصف المتواصل في قطاع غزة انتهاك صارخ لحقوق الإنسان؟
حدد القانون الجنائي الدولي جريمتين ضد الإنسانية لحالات التمييز والقمع المنهجيين: الفصل العنصري والاضطهاد. الجرائم ضدّ الإنسانية من أشنع الجرائم في القانون الدولي.
إسرائيل تمارس عملية العزل الاقتصادي والسياسي الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، والمشار إليه بصورة عامة باسم الحصار. ويشمل الحصار تدابير مثل فرض قيود على الـسلع الـتي يمكـن استيرادها إلى غزة وقفل المعابر الحدودية أمام الأشخاص والسلع والخدمات، وهو ما يستمر أحياناً لأيام، بمـا في ذلك إجراء تخفيضات في الإمداد بالوقود والكهرباء. وكذلك منع المساعدات الإنسانية القادمة من بعض الدولة وعلى راسها مصر من خلال معبر رفح المصري
كما يتأثر اقتصاد غزة تأثراً شديداً بتقليص مساحة الصيد المـسموح بها للصيادين الفلسطينيين وإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود بين غزة وإسرائيل، مما يُخفِّض مساحة الأرض المتاحـة للزراعة والصناعة. وبالإضافة إلى أن الحصار يخلق حالة طوارئ، فإنه قد أضعف كثيراً من قدرات الـسكان وقـدرات قطاعات الصحة والمياه والقطاعات العامة الأخرى على الاستجابة لحالة الطوارئ الناشئة عن العمليات العسكرية.
أن إسرائيل ما زالت مُلزَمة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة وإلى أقصى حد تـسمح بـه الوسائل المتاحة لها، بضمان توريد المواد الغذائية واللوازم الطبية ولوازم المستشفيات والسلع الأخرى بغية تلبيـة الاحتياجات الإنسانية لسكان قطاع غزة دون قيد من القيود.
منذ تأسيس دولة إسرائيل، مارست الحكومة أيضا تمييزا منهجيا ضدّ الفلسطينيين وانتهكت حقوقهم داخل حدود الدولة ما قبل 1967، بما في ذلك رفض السماح للفلسطينيين بالوصول إلى ملايين الدونمات من الأراضي (ألف دونم يساوي مائة هكتار، أو حوالي 250 فدان أو 1 كيلومتر مربع) التي صودرت منهم.
في منطقة النقب، جعلت هذه السياسات من شبه المستحيل بالنسبة إلى عشرات آلاف الفلسطينيين العيش بشكل قانوني في المجتمعات التي عاشوا فيها على مدى عقود. إضافة إلى ذلك، ترفض السلطات الإسرائيلية السماح لأكثر من 700 ألف فلسطيني ممن فرّوا أو طردوا في 1948 وذرّياتهم من العودة إلى إسرائيل أو الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفرضت قيودا شاملة على الإقامة القانونية، ما منع الكثير من الأزواج الفلسطينيين وعائلاتهم من العيش معا في إسرائيل.
لتنفيذ هدف الهيمنة، تمارس الحكومة الإسرائيلية تمييزا مؤسسيا ضدّ الفلسطينيين. تختلف شدّة هذا التمييز بحسب القواعد المختلفة التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية من جهة في إسرائيل، ومن جهة أخرى في أجزاء مختلفة من الأراضي الفلسطينية المحتلة،
حيث يُمارَس الشكل الأشد من هذا التمييز. في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي اعترفت بها إسرائيل كمنطقة واحدة تشمل الضفة الغربية وغزة، تُعامل السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين بشكل منفصل وغير متساو مع المستوطنين اليهود الإسرائيليين. وفي الضفة الغربية المحتلة، تُخضع إسرائيل الفلسطينيين إلى قانون عسكري قاس، وتُطبق عليهم الفصل،
وتحظر دخولهم إلى المستوطنات إلى حد كبير. أما في قطاع غزة المحاصر، فتفرض إسرائيل إغلاقا شاملا ما يقيّد بشدة حركة الأشخاص والبضائع، وهي سياسات غالبا لا تفعل مصر، الجارة الأخرى لغزة، شيئا يذكر لتخفيفها. في القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل
(والتي تعتبرها جزءا من أراضيها السيادية، لكنها تبقى بموجب القانون الدولي منطقة محتلة)، تمنح إسرائيل للغالبية العظمى من مئات آلاف الفلسطينيين الذين يعيشون هناك وضعا قانونيا يُضعف حقوقهم في الإقامة من خلال ربط هذه الحقوق بعلاقة الفرد بالمدينة، من بين عوامل أخرى. يرقى هذا النوع من التمييز إلى التمييز المنهجي.
في إسرائيل، والتي تعتبرها الغالبية العظمى من الدول أنها تشمل المنطقة المحددة بحدود ما قبل 1967، أدى نظام المواطنة المزدوج والتفريق بين الجنسية والمواطنة إلى وضع الفلسطينيين في مكانة أدنى من اليهود الإسرائيليين بحكم القانون.
على خلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يحق للفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل التصويت والمشاركة في الانتخابات الإسرائيلية، إلا أن هذه الحقوق لا تمكنّهم من التغلّب على التمييز المؤسسي الذي تمارسه بحقهم الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك القيود الواسعة على الوصول إلى الأراضي التي صودِرت منهم، وهدم المنازل، والحظر الفعلي على لمّ شمل العائلات.
تجزئة السكان الفلسطينيين، الذي يُنفذ في جزء منه بشكل متعمد من خلال القيود المفروضة على الحركة والإقامة، يعزّز تنفيذ هدف الهيمنة ويساعد في إخفاء الحقيقة المتمثلة في أن نفس الحكومة الإسرائيلية تقمع نفس المجموعة السكانية الفلسطينية، بدرجات مختلفة في مناطق مختلفة، لصالح نفس المجموعة المهيمنة، المكونة من اليهود الإسرائيليين.
على مرّ السنين، فصل المجتمع الدولي مصطلح الفصل العنصري، “الأبارتهايد”، عن سياقه الأصلي في جنوب أفريقيا، وفرض حظرا عالميا على ممارسته، واعترف به كجريمة ضدّ الإنسانية وفقا للتعريفات المنصوص عليها في “الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها” لسنة 1973 (اتفاقية الفصل العنصري) و”نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية” لسنة 1998 (نظام روما الأساسي).
جريمة الاضطهاد كجريمة ضدّ الإنسانية، والمنصوص عليها أيضا في نظام روما الأساسي، والحرمان المتعمد والشديد من الحقوق الأساسية على أسس عرقية، وإثنية، وغيرها، انبثقت عن محاكمات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتُعتبر إحدى أخطر الجرائم الدولية، بنفس خطورة الفصل العنصري.
دولة فلسطين هي دولة طرف في كل من نظام روما الأساسي واتفاقية الفصل العنصري. في فبراير/شباط 2021، قضت المحكمة الجنائية الدولية بأن ذلك يعني أن للمحكمة ولاية قضائية على الجرائم الدولية الجسيمة المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأكملها،
بما فيها القدس الشرقية، والتي تشمل الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري أو الاضطهاد المرتكب في تلك المنطقة. في مارس/آذار 2021، أعلن مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق رسمي في الوضع في فلسطين.
يُستخدم مصطلح الفصل العنصري بشكل متزايد فيما يتعلق بإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن عادة على سبيل الوصف أو المقارنة وليس بالمعنى القانوني، وغالبا للتحذير من أنّ الوضع يسير في الاتجاه الخاطئ. على وجه الخصوص،
أكد مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون وأمريكيون وأوروبيون، ومعلّقون إعلاميون بارزون وآخرون، أنه إذا استمرت سياسات إسرائيل وممارساتها تجاه الفلسطينيين على المسار نفسه، فإنّ الوضع، في الضفة الغربية على الأقل، سيشكّل فصلا عنصريا. شنت القوات المسلحة الإسرائيلية هجمات عديدة ضد المباني وأفراد سلطات قطاع غزة. ففيما يتعلـق بالهجمات التي شُنت على المباني، عاينت البعثة الهجمات الإسرائيلية على مبنى المجلس التـشريعي الفلـسطيني والسجن الرئيسي بقطاع غزة (الفصل السابع). وقد دُمر كلا المبنيين ولم يعودا صالحين للاستخدام. وبررت البيانات الصادرة عن ممثلي الحكومة والقوات المسلحة الإسرائيلية هذه الهجمات بحجة مفادهـا أن المؤسـسات السياسية والإدارية في غزة هي جزء من “البنية الأساسية الإرهابية لحماس”.
، بالاستناد إلى المعلومات المتاحة لنا أن الهجمات التي شُنت على هذين المبنيين تشكل هجمات متعمدة على أهداف مدنية بما يشكل انتهاكاً لقاعدة القانون الإنساني الدولي العرفي ومفادها وجوب قصر الهجمات قصراً حصرياً على الأهداف العسكرية. وتشير هذه الوقائع كذلك إلى ارتكاب خرق خطير يتمثل في التدمير الواسع النطاق للممتلكـات، الذي لا تبرره ضرورة عسكرية والذي تم القيام به على نحو غير مشروع ومفرط.