وستدرك يوما..
أن كل فقد منيت به كان أيسر من انتظارك قابعا في ظل ذلك الخوف المهول من مجهول لا تعرفه..
وغد تخشى أن يأتي وأنت في ذمة الفراق..
ستدرك أن الرحيل كان أسهل من البقاء في النسيان..
فالقاع هناك جحيم لا يطاق يا صديقي..
أن تبقى على قيد القلق..
وتلك الوحشة تنهش قلبك الصغير..
وتترك بأعماقك ندوبا تعجز الأيام عن محوها..
ولا يطمس معالمها فوات الزمن..
أن تغذي وجعك بذلك الأرق الذي لا ينتهي..
فلا أنت بقيت حرا، ولا ذلك القيد الحريري قادك إلى غير رطوبة الزنازين وقسوة القضبان..
ووقع أقدام السجان بالجوار، تخبر مسامعك بتلذذه وأنت في براثن العجز لا حيلة لك..
أتعرف يا صديقي؟!..
حتى ذلك الموت، أحيانا يبدو ضئيلا أمام الحزن الذي يتجدد مع الأنفاس حينما تُترك فريسة للإهمال..
وماذا هناك أقسى من أن يموت فيك كل يوم غصن، لتستحيل كل أشجار حلمك يباسا تعافه الفؤوس؟!..
أتعرف معنى أن تقيم كل ليلة مأتما، وحين يأتي الصبح يتوجب عليك أن تضحك ملء فيك؟!..
أتعرف معنى أن تقوم القيامة بين ضلوعك كل ذات حنين، ثم تطلب منها مزيدا من البقاء لتهيئ داخلك جيدا لمزيد من الدمار..
حين تنطفئ آخر قناديل العمر، بيد من يسكنون خلف بوابات الرجاء، وأنت على الأبواب تقرع بيد المناجاة حينا، وحينا بيد التذكير..
وما حاجتك لأن يحتويك مرة أخرى من ينسى حتى تقول له أنك بالجوار..
فيهم بالبحث وكأنه يطلب عزيزا، وهل ينسى عزيز الروح أو يغفل عنه؟!..
وهل يرضى من مكانه بين الحنايا أن يوضع دونها؟!..
أن تستكين قهرا، وأنت تطبطب على ذلك القبر في صدرك، وكأنك تعده بعناق ما ينتظر بعد أن تستنفد الحجج..
أتعرف معنى أن يبقيك الاشتياق على قيد التأهب لتخوض حربا بمفردك كل مساء؟!..
مجردا من العدة والعتاد..
لا تملك غير خزائن الدموع..
أتعرف ذلك الألم الذي يعتصر روحك حين تنادي وما من يسمع سوى الفراغ؟!..
رغم كل هذا الزحام والضجيج بداخلك..
مُت يا عزيزي..
مت..
فالموت منتصرا أكثر نبلا من البقاء مهزوما على يد اللامبالاة..
وكيف تعبر حينها كل هذه الذنوب لتتطهر؟!..
مت..
فالموت ضئيل أمام الحزن..
الموت لحظة..
والبقاء محملا بالنكبات لا تسعفه الأقدام ليبلغ المقصد..
مت..
فالموت رحيم جدا..
واسأل حتى تتأكد..
انتهى..
النص تحت مقصلة النقد..
بقلمي العابث..