لا أحد راضٍ عن رزقه إلا قليل، هذه حقيقة يتساوى فيها بيل جيتس أغنى رجل فى العالم والرجل الكحيتى الذى ابتكر شخصيته الراحلان العبقريان أحمد رجب ومصطفى حسين.
بينما كل منا راض تماما عن عقله. وهذه أيضاً حقيقة يتساوى فيها أينشتاين مثلاً وذلك الرجل الذى عندما سئل أيهما أهم للإنسان الشمس أم القمر قال بثقة: القمر طبعاً لأنه يضىء الدنيا ليلاً أما الشمس فلا حاجة لنا بها وسط ضوء النهار.
تخيلوا معى لو أن سوقًا نصبت لعرض الأرزاق لوجدتنا كلنا إلا من رحم ربى سوف يعرض رزقه فى تلك السوق مقابل أن يحصل على رزق غيره، اعتقاداً منا أن ما فى يد الآخرين هو بالتأكيد أفضل مما فى أيدينا. أما لو كانت تلك السوق قد أقيمت لعرض العقول للبيع لوجدتها أقيمت ثم انفضت وقد عاد كل منا بعقله كما هو لا يرضى عنه بديلاً.
سرحت قليلاً وسألت نفسى: هل سيأتى على الإنسان حين من الدهر يستطيع فيه أن يقوم بنقل عقل بشرى من إنسان إلى آخر؟! الله سبحانه وتعالى يفتح للإنسانية كل حين وآخر آفاقًا جديدة من العلم لم تكن تخطر من قبل على قلب بشر. والله يقول فى كتابه الكريم «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا»، فهل تلك الجعبة المليئة بالأسرار تحمل فى طياتها مسقبلًا إمكانية نقل عقل من إنسان لآخر.
كثير من الناس يوصى عند موته بنقل أعضائه لغيره من أصحاب الحاجة إليها مثل العين والكلى والقلب والحنجرة مثلا، وقد ثار جدل طويل عندما ماتت كوكب الشرق أم كلثوم عن إمكانية نقل حنجرتها الذهبية لإنسانة حتى تستمر تصدح بأغانيها، فى ذلك الوقت كان العلم لايزال يطرق أبواب نقل الأعضاء ولم يتجرأ وقتها على التنفيذ فهل يمكن أن يأتى يوم قريب نجد فيه إمكانية نقل عقل من جسد مات لتوه إلى جسد هو فى أمس الحاجة لعقل جديد؟!
هل نجح العلم حتى الآن فى تحديد الجزء المسئول عن التفكير فى المخ، عرفنا أن كل الحواس تنتظر تعليماتها من المخ لكى تنفذها على الفور، حزن، فرح، ألم وغيرها من ردود أفعالنا على ما نتعرض له من مواقف.
لكن السؤال المطروح ترى هل هناك جزء محدد فى مخ الإنسان هو المسئول عن الفهم والإدراك؟ وهل هناك عطب ما يصيب هذا الجزء عند البعض فيتصفون بالغباء الشديد تجاه قضايا تكون واضحة للعيان وضوح الشمس ومع ذلك لا يفهمونها ولا يدركونها. تكون كل الشواهد تقول إن نتيجة هذا التصرف ستكون كارثية ومع ذلك يصر صاحب هذا النوع من العقول على تصرفه. حاشا لله أن يكون المخ الذى خلقه الله عز وجل فى أكمل تقويم مسئولًا عن غباء بنى آدم فيأمره بأن يتصرف هكذا، بل المؤكد أن ذلك الجزء المسئول عن الفهم قد تعطل عن العمل، وهو ما يتطلب البحث عن قطعة غيار بشرية نأخذها من إنسان عاقل حكيم فارق الحياة وأوصى بوضع جميع أعضائه تحت تصرف من يحتاجها. أم سيظل الأمر نوعاً من الخيال العلمى صعب تنفيذه؟.
الموضوع ليس سهلًا بالطبع وأمامه عدة تحديات صعبة جداً، أولها هل هناك جهاز يمكن اختراعه لتحديد مدى قدرة العقل الماثل بين يدى الأطباء على التفكير الصحيح من عدمه، وهل هناك فترة زمنية يظل العقل فيها يعمل عقب مفارقة الروح الجسد، بحيث يمكن لمشرط الجراح أن يستأصله لوضعه فى بنك للعقول ليكون تحت طلب أول مريض غبى فى حاجة شديدة لعقل يفكر. وبالتبعية هل هذا الجهاز سيكون قادرًا أيضًا على تحديد نسبة الغباء فى المريض التى تستوجب أن ينقل له عقل جديد فوراً.
وإذا كانت كل تلك التحديات قابلة للحلول فهل سيكون هناك نسبة متبرعين كثيرة بحيث تكفى كل تلك العقول الغبية التى تحتاج لقطع غيار ذكية. وهل سيعترف أحد بغبائه وحاجته لعقل ذكى أم كل منا يرى نفسه أذكى إنسان فى العالم؟!
ملحوظة هامة: ليس المقصود بالمرضى هنا أهالينا من المرضى النفسيين الذين يعانون أمراضًا نفسية وعقلية شفاهم الله أجمعين، ولكنى أعنى الأغبياء مرضى التفكير السليم ومنهم بل وعلى رأسهم كاتب هذه السطور، لذا لزم التنويه.