لن نستسلم للشعور بالعجز؟ ولا للإحبَاط؟ ولن نشعر بحالة “تجبيس” لعقولنا وحياتنا؟!
لأن أمتنا مضت فيما مضت إليه في تاريخها الطويل عبر مئات المِحن والنكبات التي قد تكفي إحداها لمحوها من الوجود، لكن هذا لم يحدث!
لا لضعف الأُمم التي غالبتها، بل بفضل رجال ونساء لم يذوبوا مع من ذاب في أزمنة الغلبة والانكسار، ولم يتلاشوا مع من تلاشى ممن أُصيب بلوثة اليأس والإحباط والانهيار!
نحن أُمةٌ تحملُ جينات التحرر والانتصار، نحن أُمة قابلة لاستعادة هيبتها فوق كل أرض وتحت كل سماء وفي أي زمان، وهو ما يُرعب أعداءنا مهما كان حالنا من الضعف والهوان!
ليس هذا هروبًا من واقع، ولا ضربًا بالغيب، ولا تضليلًا للعقول، ولا متاجرةً بالعواطف.. إنما تأكيد على سُنن الله في هذه الأُمة، فجذورها مُستعصيةٌ على الاقتلاع، ولو كان ذلك من السهولة بمكان لحدث من قبل مرات ومرات..
وهل نسينا ما فعله المغول في بغداد حتى تحولت من آنس المدن إلى خرابةٍ كبيرة – كما يقول ابن كثير – إذ قُتل فيها وحدها أكثر من مليون وثمانمائة ألف نفس؟! هل نسينا كيف نُهبت أموالُها وكيف حُرقت كُتبها وكيف خُرِّبت مساجدها ومدارسها؟!
وهل نسينا كيف قَتل الصليـ.بيون في القُـ.دس في جُمعةٍ واحدة ما يربو على السبعين ألفًا، فيهم الأئمة والعُلماء والزُهاد؟! هل نسينا كيف كان يُشنقُ الكثيرَ من الشبان والشيوخ بحبلٍ واحد طلبًا للسرعة في التخلص منهم؟! وكيف كانت الدماء تجري كالأنهار في الطُرق؟! كيف كانت الأسيرات يُبعن في أسواق أنطاكية؟! وكيف غنِمت أوروبا من الذهب والفضة وخيرات بلادنا ما لا يقعُ عليه إحصاء؟!
فهل زالت الأُمةُ من الوجود بهذه النكبات؟!
أبدًا، بل زالت الأُمم التي نازعتها، وزال ما هو أعظم منها بأهون من تلك النكبات، وبقيت أُمتُنا رغم كل مُصابها، لأن الله تعالى تكفل حفظها وتولى نصرها إذا تهيأ منها رجال لهذه المُهمة..
أقول ذلك، لأن استحضار هذه المعاني هو الحد الأدنى لقيام كلِّ مُسلم بدوره في تغيير واقع الأُمةِ ومقاو.مةِ كسرها وقهرها.