لوط عليه السلام، هو ابن أخي إبراهيم عليه السلام، وقد آمن لوط مع إبراهيم وهاجر معه إلى الأرض المقدسة (فلسطين)، وقد أمر إبراهيم لوطاً أن ينزل بمدينة تسمى سدوم (عند البحر الميت)، حيث كان قومها من أفجر الناس وأكفرهم وأسوأهم طوية، وقد ابتدعوا فاحشة الشذوذ الجنسي، وذهب لوط وزوجته وابنتيه إلى هذه القرية ليدعوهم إلى الله ولينتهوا عن هذه الفواحش.
كانت القرية تمارس الشذوذ الجنسي، حيث يأتي الرجال الرجال، ويتركون ما خلق الله لهم من الزوجات، فأصيبوا بانحراف في فطرتهم، وكفروا بالله وما أحل الله لهم، وراحوا يفعلون هذا الفعل القبيح، ويجهرون به علناً دون حياء، وكانوا أول من فعلوا هذا الشذوذ، وما سبقهم بها من أحد من العالمين.
كان القوم يجلسون في طرقات المارة والمسافرين، ويقطعون عليهم الطريق، ويجبرونهم على ممارسة الشذوذ، وكان لهم نادي مخصص لهذا الشذوذ، يجتمعون في هذا النادي ويفعلون المنكر، وكانوا يفضلون الشباب أصحاب الهيئة الحسنة والوجه الجميل، ولا يتورعون عن فعل ذلك مع الغرباء والوافدين للقرية، وقد فشا في القوم هذا المنكر، وليس من بينهم من ينهاهم عن هذا الشذوذ، فكانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون.
كانت مهمة نبي الله لوط صعبة، فبعدما استقر وأهله في هذه القرية لتنفيذ مهمته، دعاهم إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات، والفواحش المنكرات، لكن القوم رفضوا دعوته.
حاول لوط إقناعهم كما فعل الأنبياء والرسل، وحذرهم من عاقبة الكفر بالله والخروج عن شريعته، ومخالفة أوامره، لكنهم تمادوا في ضلالهم وطغيانهم.
راح لوط يحبب لهم اتباع الفطرة السوية، وإشباع الشهوة بالطريق الصحيح عن طريق النساء، فهي شهوة طاهرة، أما إتيان الذكور، فهو شذوذ نجس، يجلب المرض والعقوبة، فراح القوم يسخرون من لوط ودعوته، وقالوا: إنهم أناس يتطهرون!
لم ييأس لوط رغم سخرية القوم الغريبة والتي جعلوا فيها غاية المدح ذماً بأنهم أناس يتطهرون، واستمر جاهداً لإثناء القوم عن فحشهم، وراح يحذر المارة والمسافرين أن يدخلوا هذه القرية حفاظاً عليهم، وإذا دخلها غريب حاول إثناءه وتحذيره من مسلك رجال القرية.
لما رأى القوم عزيمة وإصرار لوط، سألوه –كما سألوا من قبله- ماذا تستفيد من هذه الدعوة، وما الأجر الذي تحصل عليه من دعوتك هذه؟ فقال لوط: أنا نبي الله، جئت ناصحاً أميناً لكم، وخوفاً عليكم من أن ينزل عليكم عقاب الله، وما أبتغي من وراء ذلك أجراً من أحد، إن أجرى إلا على الله، فاتقوا الله وأطيعون.
لكن القوم كذبوه، وطلبوا منه أن يتوقف عن أقواله وأفعاله التي تغير نظام القرية، ولا يتدخل في شأنها، وبلغ فجر القوم أن هددوا لوطاً بأنه إن لم ينته عن كلامه هذا، سيطردوه من القرية، واستضعفوه حيث لم يكن له أقارب في هذه القرية يساندونه أو يمنعوا عنه إيذاء القوم الذين تمادوا في فحشهم، وتجرأوا في شذوذهم، وقالوا له ساخرين: ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين. وطلبوا من لوط إن جاءه ضيوفاً من الرجال أن يسلمهم لهم ليمارسوا معه الشذوذ، لقد أصبحوا كمن ذهب عقلهم وكانوا في سكرتهم يعمهون.
شعر لوط بالكرب لأن قومه لم يستجيبوا لدعوته، وزادوا العدواة معه، وكانت زوجة لوط تميل إلى هوى القوم، وتدعو لوطاً أن يتركهم وشأنهم، ورفع لوط يديه إلى الله شاكياً كذب القوم له، ودعى الله أن ينصره على القوم المفسدين، وأن ينجيه وأهله من أفعال هؤلاء المجرمين.
استجاب الله لدعوة لوط، وأنزل ملائكة في هيئة بشر، وكانوا في هيئة شباب حسنى الهيئة والجمال، وذهبت الملائكة أولاً إلى إبراهيم عليه السلام تخبره أن الله أنزل الهلاك على قوم لوط، فقال إبراهيم وكيف ينزل الهلاك على قوم وفيهم مؤمن، إن فيها لوطاً، قالت الملائكة: نحن أعلم بمن فيها، لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين.
وصلت الملائكة إلى قرية “سدوم” وهم في هيئة شباب من البشر، وعند مدخل القرية لقوا ابنة لوط فقالوا لها: يا جارية هل من منزل؟ فقالت لهم: مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم، فرقت عليهم من قومها، فأتت أباها فقالت: يا أبتاه، أرادك فتيان على باب المدينة، ما رأيت وجوه قوم قط هي أحسن منهم، لا يأخذهم قومك، فيفضحوهم. وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجالاً.
أسرع لوط إلى هؤلاء الشباب، وحاول أن يثنيهم عن دخول القرية فلم يفلح، فاستضافهم سراً إلى بيته دون أن يعلم أحد من قومه، لكن زوجة لوط فشت السر وأخبرت بعض القوم أن في بيتها رجالاً ما رأت مثل وجوههم قط.
انتشر الخبر بين القوم، وهرولوا مسرعين نحو بيت لوط، وراحوا يدفعون باب منزله للهجوم عليه، وقالوا: يا لوط أخرج لنا ضيوفك الشباب، لقد علمنا بوجودهم، وقد حذرناك من قبل ألا تستضيف رجالاً، ونهيناك عن ذلك أمام العالمين.
وشعر لوط بفزع وشفقة على ضيوفه وقال: هذا يوم عصيب! ونادى قومه من خلف الباب: يا قوم اتقوا الله ولا تخزون في ضيفي، أليس منكم رجل رشيد؟ اتركوا هذا الفعل الفاسد، وتزوجوا من بناتي وبنات القرية، هن أطهر لكم. قالوا: يا لوط ما نبغي بناتك وأنت تعلم ما نريد، فافتح الباب وإلا سنكسره.
التصق لوط بالباب من الداخل ليمنع القوم أن يفتحوا الباب، وضاق لوط ذرعاً بهم، وشعر بضعف قوته وقال: لو أني لي بكم قوة لأمنعكم أو آوي لى ركن شديد. فقال الضيوف: يا لوط إنا رسل ربك، فلا تخف ولا تحزن، لن يصلوا إليك ولن يتمكنوا منك. وقام ملك بدفع القوم بضربة أعمت أبصارهم
أمرت الملائكة لوطاً أن يخرج ليلاً هو وأهله إلا امرأته فإنه مصيبها ما سيصيب القوم من الهلاك، ولا يلتفت أحد منكم إلى القرية.
ولما حان وقت السحر من الليل خرج لوط وبناته من القرية التي تفعل الخبائث، وجاء أمر الله مع شروق الشمس، ونزلت صيحة العذاب على القوم، فنزل من السماء مطر من جهنم، هذا المطر هو مطر رجس عبارة عن حجر صغير من طين لكنه من سجيل صلب ينزل بشكل متتابع ومتتالي، فيسقط على كل كافر فيدمغه فتزهق روحه، ونزل البأس بالقرية، وانفجر بنيانها، وانقلبت على أعقابها، وجعل الله عاليها سافلها، وتدمرت القرية وترك الله منها أجزاء متبقية للعظة والعبرة عبر الزمان، وترك فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم أصحاب العقل السليم.