لدي وقت فراغ طويل وممل لذا أنا أقضيه بممارسة هواياتي المفضلة ،
ابدأ منذ الثامنة صباحا لممارسة هواية الطب، أعمل طبيبة لرعاية النساء الحوامل ، مهمتي المحافظة على سلامة الأجنة في بطون أمهاتهم حتى يحين الموعد ليطلوا برؤوسهم الصغيرة إلى هذا العالم ، أعتقد أنني اشارك في مؤامرة كونية للإنفجار السكاني وقلة موارد الأرض ثم اتساع ثقب طبقة الأوزون واحتباس حراري مهلك يجرنا لعصري جليدي جديد نفنى فيه عن بكرة أبينا، أنا سبب غير مباشر في ولادة المزيد من الفقراء والتعساء ومشاهير التيك توك المخبولين لهذا العالم.
انتهي من هوايتي تلك عند الثالثة من بعد الظهر ، اسحب نفسا كؤودا من الملل ثم ابدأ بهوايتي الثانية.
ألعب دور الأم لثلاثة أبناء لايهادنوا ولايتسامحوا في التهام ثلاثة وجبات رئيسية ويسكنهم قلق وجودي متضخم فيكيلوا علي اسئلتهم الوجودية وكلها على شاكلة (من أتى أولا البيضة ام الدجاجة) فيقفز في عقلي قول آينشتاين (إن لم تستطع شرح فكرتك لطفل بعمر الست سنوات ،فأنت نفسك لم تفهمها بعد)
ذات يوم كان أحدهم يدرس الجغرافيا ،رفع رأسه فجأة وبحلق في قائلا:
نهر دجلة يدخل الأراضي العراقية عند قرية فيشخابور
قلت:
نعم هو كذلك
قال:
من يسكن فيشخابور ؟،ماذا يفعلون هناك ؟ وماهي اسمائهم؟
لطمت على جبهتي حينها وتذكرت السكرتيرة الدميمة المسكينة التي اخفقت في الإجابة عن سؤال (ماهي اسماء المليون شهيد في بلد المليون شهيد).
سألتني إبنتي ذات يوم لماذا يظهر الشعراء في الصور وايديهم على خدهم دوما ؟بماذا يفكرون ؟
ثم بين سؤال وسؤال يطلقون تنهيدة طويلة مشفوعة بجملة(الحياة صعبة)
حينها اضع ساق على ساق وأعقب بثقة (كلا، الحياة حلوة بس نفهمها كما يقول فريد الأطرش)
فيصيح الملاعين من فريد هذا ولماذا هو أطرش ثم يقهقهون وأصابعهم تشير إلى العصابة السوداء التي أعصب بها صداعي ،فهو يشتاق لي أغلب المساءات، (ماما واضح أن الحياة حلوة من عصابة النينجا تلك التي تعصبين بها رأسك ومن عينيك الذابلتين)
الشياطين لايدعونني أتفلسف بسلام.
فأنسحب من المعركة كجندي مهزوم وأدلف إلى غرفة نومي ،أستل كتابا من بين عشرات الكتب المستريحة على خد منضدة خشبية رابضة قرب سريري ،استلقي وافتحه واقرأ، والساعة تشير إلى الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، يااه لقد قضيت وقتا طويلا في ممارسة هوايات غير مفيدة وعلي الآن العمل بجد لأكتب الروايات ، واحصل على جائزة نوبل في الأدب ،ثم انتقل للعيش في كاليفورنيا،لاتسألوني لما كاليفورنيا تحديدا لأنني لاأعرف ،لكنني أحب أن الفظها هكذا ،كاليفورنيا،كاليفورنيا.
سيكون لدي وكيل أعمال يتابع أعمالي الأدبية، سأصبح مشهورة ،فعندما تكون مشهورا تبدو الحياة أسهل.
والحياة صعبة غالبا حين تكون مجهولا.
هذا ماحدث مع شارلي شابلن تحديدا حين حصل على المرتبة الخامسة في مسابقة تقليد شارلي شابلن!
كان شارلي شابلن في ذروة شهرته لكن قلة من يعرفونه بلا بذلته السوداء الرثة وشاربه المستعار وقبعته ،مر يوما في الشارع فلمح إعلانا لمسابقة تقليد شارلي شابلن
دلف وارتدى البذلة التي قدموها له مع القبعة والشارب ،وعندما ظهرت نتيجة المسابقة كان ترتيبه الخامس في تقليد نفسه!
ياترى من الفائز الأول ومن الثاني!
اقرأ في الكتاب والأفكار تسيح في أزقة رأسي والكلمات تتقافز كالبهلوانات (البيضة والدجاجة،فيشخابور،من يسكن هناك ،كائنات صغيرة في البطون تتقاتل لتولد إلى عالم متفسخ، كاليفورنيا،نوبل ، الحياة صعبة، فريد الأطرش الذي قضى بأزمة قلبية وهو في السابعة والخمسين وحيدا في المستشفى بلا زوجة ولاولد لكنه كان يرى أن الحياة حلوة وهو قد فهمها )
اغلقت الكتاب ورحت ادندن بثقة فريدية وليست فرويدية وأنا أبحلق في الظلام بعد الإنقطاع المبرمج للتيار الكهربائي في بغداد التي يغسل وجهها القمر (الحياة حلوة بس نفهمها ،الحياة حلوة ،الحياة حللللوة)