كتب رجاء النقاش في كتابه الرائع (تأملات في الإنسان) قصة عن حالة أسماها(اللذة الخطرة) وهي كيف نتلذذ بالفشل ونرمي سببه على الشماعة وأحيانا تكون هذه الشماعة أقرب الناس إلينا كما في قصة رجاء النقاش حيث كان ذلك السكير الفاشل العاطل عن العمل ماإن يدلف منزله كل ليلة حتى يتوجه حيث زوجته الصابرة جالسة في ركنها بهدوء فينهال عليها ضربا وتقريعا ملقيا اللوم عليها فهي نقمة ونحس وسبب فشله وتعكر حياته وفي إحدى الليالي دخل فوجدها نائمة تلتحف بطانيتها البالية مستلقية على الأرض فراح يرفسها بحذائه ويشتمها بأقذع الألفاظ لكنه فوجئ بأنها لاتستجيب ولا تتألم ولم تصدر منها أي نأمه أو تأوه ، كانت ساكنة تماما وحين قلبها بقدمه على ظهرها وجدها ميتة .
انتهى فجأة الشيء الذي كان يعتقده الرجل بأنه سبب فشله واستيقظ ليواجه الحقيقة بأنه هو الفاشل دون أن يكون للزوجة المسكية أو للظروف يد .
لهذه القصة وجه آخر من الحكمة ، هي ذلك الصبر والتحمل الذي يودي بنا إلى الهاوية.
كثير منا يحمل نفسه فوق طاقته ، يصبر على علاقات سامة، على استنزاف نفسي، على استغلال ، تمر عليه السنوات وهو في صمت الصبر والتحمل كالجمل دون أن يبدي مقاومة واعتراضا حتى يأتي ذلك اليوم الذي يسقط فيه الجمل جاثيا على ركبتيه يرخي رقبته ويموت .
لذا يطلق لقب (الخائن) على الجمل لأنه يغدر بصاحبه أثناء الرحلة ، يسقط ويموت فجأة دون سابق إنذار.
صبره الطويل قتله..
عكس الخيول ، فالجواد ينذر صاحبه بتعبه ،يعترض، يرفض، يطلق إشارات بأنه تعب وطاقته شارفت على النفاد،
هنا ينتبه الفارس ويخفف الحمولة عن جواده ويقف لإراحته ولايستأنف الرحلة إلا بعد أن تأخذ خيوله القسط الكافي من الراحة .
لذا يقولون الخيول لاتخون والجمال خائنة
فهي تتركك وسط الرحلة فجأة بلابديل.
لم يحصل الجمل من صبره الطويل وسكوته وعدم تذمره واعتراضه سوى على الموت وصفة الخائن .، لم يشكره أحد ولم يعط جائزة الأوسكار لنبله وتحمله الشديد
فقط فضل الناس عليه الجواد، الجواد الذي يعرف طاقته فلايتجاوزها لتودي به إلى الهلاك.
الجواد الذي ينتفض ويرفض السوء وتحمله مالايطيق فيخشى صاحبه من سقوطه فيخفف الأحمال .
أحيانا حين تمرض في نهاية الرحلة أو تموت كمدا أو تنفجر وتترك كل شيء وراء ظهرك وترحل بعد أن صبرت صبر الجمل سيطلقون عليك لقب الخائن .
قد تعودوا على قصم ظهرك وتعودت أنت على الصمت .
وحين تجثو على ركبتيك بروح متعبة محطمة يشكون تخليك عنهم وقد يراك أغلبهم خائنا
لذا أنصحك بأن تكن جوادا ولا تكن جملا
فالناس يريدون من الجمال الصبر اللامنتهي وإن ماتت صبرا سينعتونها بالخائنة.
وخذ نصيحة الست يوم قالت
(متصبرنيش مخلاص انا فاض بيه ومليت ).