على الرغم من المحاذير العديدة فإن كوارث الروتين والبيروقراطية تستنفر مبدعي الدراما لتناولها ويختارون طريق الكوميديا للتخفيف من تأثيرها
وحتى تمر محدثة التأثير المرجو رغم أنني أعتقد أن المبدع يحتاج إلى تناول حبوب الشجاعة إذا أراد التطرق إلى هذا الملف الجماهيري المهم والعريق..ومن هنا توقفت كثيرا أمام الإبداع غير المسبوق في الفيلم التليفزيوني “الوزير جاي” الذي أنتج منذ سنوات طويلة ولكن مازالت مواقفه وأحداثه ناضجة كالفاكهة على الأشجار المثمرة .
أدعوكم لقراءة المقال والدعاء للعاملين في الفيلم بالرحمة والمغفرة والشكر لهم لأنهم تركوا لنا رؤية مهمة وضرورية وإيجابية رغم الرحيل.
**«الوزير جاي» فيلم تليفزيونى من إنتاج ماسبيرو المباشر.. عرض لأول مرة عام 1981.. ولازال تحت التداول على الأغلب فى قنوات النيل للدراما (كوميدي- سينما) من حين لآخر وبدون إعلان مسبق.. ورغم ذلك يلاحظ النقاد انه مازال يتمتع بقدرة مغناطيسية على جذب المشاهدين.. خاصة الأسر لأنه رغم الامكانيات الفنية البسيطة التى توفرت لها.. **ينطلق فى قصة قصيرة رائعة.. كتبها عميد المبدعين الساخرين فى العصر الحديث.. المرحوم أحمد رجب الوريث الشرعى ليعقوب صنوع والريحانى وبيرم التونسى وكبار المضحكين.. كتب لها السيناريو بحب وموهبة واقتدار السيناريست الشهير عاطف بشاى.. الكاتب الذى تخصص تقريبا فى تحويل قصص قصيرة لكبار المبدعين من الصحفيين.. مثل مصطفى أمين على سبيل المثال فى رائعة (لا) التى حلقت بموهبة يحيى الفخرانى ودلال عبدالعزيز إلى عنان السماء.
** درس بشاى جيدا جذور وأضابير البيروقراطية المصرية وما قدمته فى الأجهزة الحكومية.. وبصماتها على العلاقة بين الموظف والمواطن صاحب الشكوى.. الساعى للحصول على حقه الضائع.. فيدخل فى متاهة..تعالى بكره يا سيد التى لا تنتهى.. مع اختيار موفق تماما من المخرج الكبير إبراهيم الشقنقيرى لكاست العمل من وحيد سيف (مدير عام المصلحة) ووكيلها أسامة عباس حتى الوزير المرتقب زيارته المفاجئة «صلاح قابيل» مرورا بالموهبة المعجزة عبدالسلام محمد (صابر) وفريق أحمد بدير المتورط فى التعامل مع المصلحة بعد اختفاء صابر خوفا من المساءلة عن انتحال وظيفة ومكتب الزعفرانى الذى انتقل إلي- رحمة الله- دون أن يهتم أحد باغلاق الملف وتوزيع الشكاوى أمامه على باقى الموظفين المشغولين بالتزويغ بحثا عن سلع تموينية مخفضة.. أو عمل خارجى.. أو الجلوس على المقهى.. وينظم أحوالهم ويلبى مطالبهم الساعى (سالك) سيد زيان.. بتاع كله طالما يحصل على المقابل من الجنيهات والقروش.
** تنافس أبطال الفيلم فى أداء أدوارهم.. فى رسالة تأكيد تدين البيروقراطية وتقترح إصلاحا إداريا.. عرفته البلاد مؤخرا.. بعد سنوات من عرض الفيلم ولمسناه باختصار فى الحكومة الإلكترونية.. والتحول الرقمى والشمول المالى الذى حقق المعجزة مع تأهيل زاوية 360 درجة للموظفين على رأس العمل والشباب الفارين ودار على خطين الأول فوضى التعامل ومتاعب الجمهور وغباء البيروقراطية من خلال محاولة عم صابر الحصول على حقه المسلوب.. والثانى الاستعدادات التى يقودها مدير عام المصلحة.. لإخفاء الأخطاء ورسم صورة جدية للعمل مع الابتكار فى الترحيب غير المسبوق بالزيارة السعيدة.
** ينتهى الفيلم باكتشاف الوزير للاحتفاء التمثيلى الذى تطلب الاستعانة بالكومبارس للتواجد بدلا من الجمهور والموظفين.. ووفاة عم صابر.. بعد أن نجاه معروف بأعجوبة.. واعتمد السيناريو على استخدام الكثير من المصطلحات الوظيفية التى ضربت بقوة.. البيروقراطية العتيقة والروتين المتدفق.. وأظهرت لحظة تنوير نادرة يستمتع بها المشاهد كلما عرض الفيلم بالمصارحة والذى يأتى نموذجا لما يمكن ان نسميه «دراما الكاريكاتير» والشكر موصول لمن ساهم فى أفلام أخرى على نفس المسار.. أنتجها التليفزيون.. ولاتزال تعيش بيننا نموذجا للفن الصادق البسيط.. والجميل.
صالح إبراهيم