من عجائب عظمة القرآن الكريم التى لا تنقضي ما نشاهده ونسمعه كل يوم عن بديع وإعجاز حفظة القرآن الكريم خاصة من الاعاجم الذين لا يجيدون الحديث باللغة العربية..ولكنهم مع القرآن الكريم من الحفظة المهرة جمالا وحلاوة وطلاوة..
وفي كل عام ومع كثرة مسابقات القرآن في الداخل والخارج تبهرنا العديد من النماذج المتطاولة في الجمال والروعة والقدرة الذهنية ومن أصحاب الذاكرة التسجيلية فائقة السرعة كما الكومبيوتر وأكثر..
الظاهرة العظيمة لم تقف عند حدود الاعاجم وصغار المتحدثين بغير العربية ولكن امتدت لتشمل اطفال نوابغ من أبناء العربية وتميز من بينهم أصحاب الهمم والاحتياجات الخاصة الذين أظهروا علوا وقدرا كبيرا في إتقان الحفظ وبالقراءات وبترجمات المعاني إلى عدد من اللغات الحية .. ليضيفوا تحديا جديدا للإعجاز والابهار..
وتزداد الدهشة وتعلو الوجوه إشراقات مليئة بالحيرة لاتملك معها إلا التسبيح والحمد ورفع الصوت بالحوقلة والشكر لله وطأطأة الرأس نعم نعم أنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون..
وهذه من العجائب المتفردة بل قل والتجليات العلية التي ليست إلا للقرآن الكريم وأهله..والتي لم يعهد لمثلها في غير القرآن من كتب عرفتها البشرية ..وما ذلك إلا لسبب واحد هو لأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد..
الظاهرة الفريدة شغلت العقول بحثا عن تفسير علمي لها ولم يكن كافيا الركون إلى التسليم المطلق بأنها نفحات ربانية يمن الله بها على عباده ويخص بها بعضا من خلقه وهو سبحانه له في كل زمان ومكان آية ليعتبر أولو الأبصار ويشغل بها أولي النهى ويكبح جماح تمرد العقل البشري وغروره احيانا وليذكره أنه مهما علا وارتقى سيظل عاجزا قاصرا ومطالبا بالخضوع والاستجابة للأمر المباشر فاعتبروا يا أولي الأبصار..
كثيرون كتبوا والفوا في الاعجاز القرآني البياني البلاغي العلمي على امتداد صفحات الفكر الإسلامي الناصعة وقالوا وأثبتوا نظريات مبهرة في الاعجاز وقالوا كلاماً عظيما جليلا يأخذ بتلابيب العقول ويطير بالاذهان إلى عوالم فوقية غاية في السمو والإبداع الإلهي وكشفوا عن لمحات نورانية والهامات عقلية وقلبية ليس فقط بين من عرفوا بأهل الكشف والوصل والوصول وغير ذلك من مصطلحات يألفها العارفون وأهل الذائقة والمتذوقون..بل وأصحاب المنطق المحسوس والمنظور..
في حدود علمي فإن واحدا من علماء العربية الافذاذ وأدبائها الكبار اقترب من تفسير لتلك الظاهرة القرآنية البديعة ..وهو اقتراب ربما عن غير قصد أو شرح للظاهرة التى نراها بأم أعيننا الان وتملأ كل الفضاءات وتحفل بها وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وتحتفي بها أيضا..
أنه الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي وذلك في كتابه الماتع اعجاز القران والبلاغة النبوية .. والذي نلتقط منه واحدة من الشذرات النورانية العظيمة وما أسماه بالجنسية العربية..وهي ما يمكن أن نسميه بالجنسية القرآنية حتى لا تنصرف الأذهان أو يقتصر الفهم على مدلول خاص بالعرب وأصحاب اللسان العربي..
ومصطلح الجنسية العربية الذي صكه الرافعي وتفرد به هو من مبتكرات الرافعي على حد تعبير ووصف عالمنا الكبير الدكتور محمد أبو موسى استاذ أساتذة البلاغة والنقد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف إذ يقول إن الجنسية العربية فى القران من أهم الموضوعات التي عني بها الرافعي..ولم اقرأ هذا المصطلح في كتب الإعجاز ولا في كتب البلاغة ولا في كتب علوم القران واظنه من مبتكرات الرافعي من حيث هو مصطلح وليس هو حقيقة من حقائق القران واعجازه وأثره في اللغة وأثره في الذين آمنوا به من عرب وعجم..
ويفسر الدكتور أبو موسى أن مراد الرافعي بهذه الجنسية العربية فى القران أن كل من دخلوا في دين الله من شعوب الأرض سكن هذا القرآن في افئدتهم وصار اعز عليهم من نفوسهم وسكنت معه هذه العربية الشريفة في صورة كمالها البياني المطلق ويسرها الله للذكر وصارت العربية لسانهم في اعز لحظاتهم على أنفسهم وهي ساعات الصلاة والذكر وقراءة القرآن والتفتيش في كتب التفسير والحديث والفقه على حكم من أحكام الله وان كان لسانهم غير العربية وكما سكن القرآن في أقاصي الأفئدة وصار قرة عين المؤمنين به سكنت معه العربية حيث سكن وكانت هي الأخرى قرة عيونهم إذ لم تبق العربية لغة العرب وانما صارت لغة كل من دخلوا في دين الله..
شيء لا يكاد يُصَدَّق
كتاب اعجاز القرآن الرافعي واحد من الكتب البديعة يتجلى فيها سمو الفكرة وجلال المقصد وقوة وقدرة الكاتب في صياغة عبارات محكمة بليغة وبلغة راقية رصينة تحترم العقل وترتقى بالفكر وتجبرك على أن تغوص في عمق المعاني وانت تغازل الاصداف واللآلئ والتى تمنح القارئ قوة نفاثة ونفاذة للوصول إلى المبتغى والامل..
اسعدني الكتاب الذي لا تمل من إعادة قراءته مرات ومرات ومع كل مرة تكتسب متعة إضافية وهو موجود ومتاح على العديد من المواقع الإلكترونية بنصه أو مصحوباً بتعليقات وبحوث شارحة موضحة مشبعة بالمدح والتقريظ ولا يسلم الأمر حينا من غمز ولمز من أصحاب العقول والتوجهات إياها..
لا تخلو كل صفحات الكتاب من لمحات ذكية بيانية حول اعجاز القرآن وما فعله بالعرب والارتقاء بهم والتأكيد على وحدتهم وقوة لسانهم وبيانهم وكيف حفظ للعرب تميزهم ووفر الحماية الكاملة للغة العربية من أن يصيبها ما أصاب لغة أقوام آخرين ..ونقتبس هنا بعضا مما قاله فيما يخص القران والجنسية العربية يقول :
فهذا الذي أمسكه القرآن الكريم من العربية لم يتهيأ في لغة من لغات الأرض ولن تلاحق أسبابه في لغة بعد العربية. ويضرب مثالا بما حدث مع اللغة الجرمانية التي انشقت منها فروع كثيرة في زمن جاهليتها واستمرت ذاهبة كل مذهب وهي تثمر في كل أرض بلونٍ من المنطق وجنس من الكلم حتى القرن السادس عشر للميلاد، إذ تعلق الدين والسياسة معاً بفرع واحد من الفروع هو الذي نقلت إليه التوراة…
.وبسق من فروع الجرمانية فرعان: الإنكليزي والهولاندي وكلاهما استقل حتى ضرب في الأرض بجذر ثم أنافَ الإنكليزي حتى صار ما عداه من ظله وهذا إلى فروع أخرى قد انشعبت في الأرض الجرمانية كالأسوجي والايسلندي وغيرهما.واللاتينية فقد استفاضت في أوروبا حتى خرجت منها الفرنسية والطليانية والإسبانية وغيرها، وكان منها علمي وعاميّ بلغة العلم ولغة اللسان، ثم أنت ترى اليوم بين تلك اللغات جميعها وبين ما تخلف منها في مناطق هذا الجيل ما لا تعرف له شبيهاً في المتباعدات المعنوية حتى كان بين اللغةِ واللغة العدَمَ والوجود.
ويلفت الرافعي الإنتباه إلى ميزة مهمة جديرة بالاعتبار فيما يتعلق بلغتنا الجميلة : فالعربية قد وصلها القرآن بالعقل والشعور النفسي، حتى صارت جنسية فلو جُنَّ كل أهلها وسخوا بعقولهم على ما زَينت لهم أنفسهم من الإلحاد والسياسة كجنون بعض فتياننا لحفظها الشعور النفسي وحده وهو مادةُ العقل بل مادة الحياة؛ وقد يكون العقل في يد صاحبه يضن ويسخو ولكن ذلك النوع من الشعور في يد الله، وهذا من تأويل قوله سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافظون).ولولا هذا الشعور الذي أومأنا إليه لدونت العامية في أقطار العربية زمناً بعد زمن، ولخرجت بها الكتب ولكان من جهلة الملوك والأمراء وأشباههم ممن تتابعوا في التاريخ العربي من يضطلع من ذلك بعمل، إن لم يكن مفسدة فمصلحة يزعمها، كالذي فعله بعض ملوك الرومان وبعض شعرائهم في تدوين العامية من اللاتينية حتى خرج منها اللسان الطلياني وكما فعل اليونان في استخراج اللسان الرومي وهو العامي من اليونانية.
**من لطائف ما استدل به أبو الفضل الرازي في أسباب نزول القران: أن الله عز وجل لم ينزله جملة كغيره من الكتب بل نجوماً متفرقة مرتلة ما بين الآية والآيتين والآيات والسورة والقصة في مدة زادت على عشرين سنة إلا ليتلقوه حفظاً ويستوي في تلقفه على هذه الصورة الكليل والفطن والبليد والذكي والفارغ والمشغول والأمي وغير الأمي فيكون لمن بعدهم فيهم أسوة في نقل كتاب الله حفظاً ولفظاً قرنا بعد قرن وخلفاً بعد سلف“.
**عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ما مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نبي إِلاَّ قَدْ أُعْطِىَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الذي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَىَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)رواه البخاري ومسلم .
فسر العلماء ذلك بالقول: المراد أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم فلم يشاهدها إلا من حضرها ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخرقه للعادة في أسلوبه وبلاغته وأخباره بالغيبيات فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه.
اللهم اجعلنا من اهل طاعتك واجعلنا من اهل القرآن واهدنا بالقران واغمرنا ببركة القران واشفنا واشف صدورنا بالقران واجعله شاهدا لنا لاعلينا
يارحمن يا رحيم..
والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com