نبذة عن حياة صحابة رسول الله
الحلقة السابعة
الجزء الثالث
الجهاد والشهادة
وإلى جانب دوره في الدعوة وتمهيد الطريق لاستقرار المسلمين في المدينة، كان له حضوره في المعارك والغزوات، فشارك في غزوة بدر الكبرى وكان يتعاقب مع سويبط بن حرملة ومسعود بن ربيع ركوب جمل له.
وحمل لواء المهاجرين بغزوة بدر، وأبلى بلاء حسنا أسهم في النصر المبين، الذي أحرزه المسلمون على كفار قريش.
وفي غزوة أحد، كان مصعب بن عمير إلى جانب النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة، في صد جحافل قريش التي جمعت للعدوان على المسلمين في المدينة، والثأر من هزيمتها يوم بدر.
وحمل مصعب اللواء مجالدا المشركين، وكان من الثلة التي ثبتت وقاتلت عن رسول الله، بعد أن اضطربت صفوف المسلمين إثر نزول الرماة من على جبل أحد.
وأظهرت وقائع استشهاده حاملا اللواء مشاهد من البسالة والتضحية الاستثنائية، إذ هاجمه عمرو بن قميئة الليثي وقطع يمناه، فبادر مصعب إلى حمل اللواء بيده اليسرى.
ثم حمل عليه من جديد فقطع يسراه، فتمسك مصعب باللواء بين عضديه، وفي الثالثة كرّ عليه ابن قميئة، وأنفذ فيه الرمح فوقع شهيدا رضي الله عنه.
وكان مصعب بن عمير يردد عند استشهاده الآية الكريمة “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل” [آل عمران: 144].
وباستشهاده، ظن المشركون أنهم قتلوا الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكانت زوجه حمنة بنت جحش من المسلمات اللائي شاركن في غزوة أحد، وسجلت كتب السير موقفها المؤثر حين نُعي إليها زوجها، فلم تتمالك أن قالت “واحزناه”، رغم أنها علمت قبله باستشهاد أخيها عبد الله بن جحش، وخالها حمزة بن عبد المطلب في المعركة، فكان جوابها الصبر والاحتساب.
ويضيف في الثناء عليه “كان مصعب بن عمير لي خدنا وصاحبا منذ يوم أسلم إلى أن قُتل رحمه الله بأحد، خرج معنا إلى الهجرتين جميعا بأرض الحبشة، وكان رفيقي من بين القوم، فلم أر رجلا قط كان أحسن خلقا ولا أقل خلافا منه”، كما جاء في كتاب “الطبقات الكبرى” لابن سعد.
ووصف سعد بن أبي وقاص مصعبا قائلا: “كان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة وأجوده حلة مع أبويه، ثم لقد رأيته جُهد في الإسلام جهدا شديدا حتى لقد رأيت جلده يتحشف (أي يَيْبس ويتقبض) كما يتحشف جلد الحية”.
وقد كان تأثير مصعب في الصحابة أنفسهم باديا، لا سيما ببلائه الحسن واستشهاده المبكر، حتى كان بعضهم يخاف أن تكون عُجلت لهم حسناتهم في الدنيا بعد ما أدركوا من انتصارات وفتوح وسعة في العيش، كما يؤثر عن خباب الذي يعد مصعبا “ممن مات ولم يأكل من أجره شيئا، ومنا من أينعت ثمرته فهو يهدبها”.
استشهاد مصعب بن عمير
بعد مسار من التضحية والبذل والإعراض عن الدنيا، نال مصعب بن عمير الشهادة في بواكير العهد الإسلامي، وذلك في غزوة أحد في السابع من شوال من السنة الثالثة للهجرة (الموافق 25 مارس/آذار 625م).
وذلك إلى جانب نحو 70 من الصحابة، وقد توفي ولم يترك شيئا من متاع الدنيا، ولم يكن ثوبه الذي عليه يكفي حتى لتكفينه “إن غُطي رأسه، بدت رجلاه، وإن غُطيت رجلاه بدا رأسه”.
وقد أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصحابة بأن يغطوا باقي جسمه بنبات الإذخر. ووقف صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بأيام على قبور شهداء أحد، وترحم عليهم قائلا: “إني شهيد على هؤلاء بأن صدقوا الله ما عاهدوه عليه”.