من محاسن الشريعة الإسلامية أنها شريعة مبنية على الرحمة والبر والصلة وقل ما شئت من المكارم .
ومن هذا القبيل أنها فتحت أبواب الأمل لمعتنقيها سواءً أكانوا أحياءً أم أمواتا .
ومن بين أبواب الأمل انتفاع مَن مات على التوحيد بعمل أخيه الحي من دعاء وصدقة وما إليها من وجوه القربى ، بل إن الميت ينتفع بدعاء الملائكة واستغفارهم له والأدلة على ذلك كثيرة منها ما جاء في القرآن الكريم ومنها ما جاء في السنة الشريفة .
أولًا : الأدلة من القرآن الكريم :
ـ قوله تعالى: (﴿ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾)
وجه الدلالة من النص الكريم :
النص يبين أن اللاحقين يستغفرون للسابقين ويدعون لهم بالخير والبر ولو أن الدعاء أوالاستغفار لا يصل للميت لما استغفر هؤلاء …..
ـ قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ))
وجه الدلالة من النص الكريم :
النص الكريم يبين أن الملائكة تستغفر للمؤمنين الذين عاشوا وماتوا على التوحيد مما يدل دلالة واضحة على انتفاع الميت بدعاء وعمل الحي وإلا فكيف تفعل الملائكة أمرًا لا لغوًا لا نفع فيه .
ـ وقال تعالى : ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾
وجه الدلالة من النص الكريم :
النص يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات ، الأمر الذي يبين ويوضح وصول هذا الاستغفار لهم .
ثانيًا السنة الشريفة :
أحاديث كثيرة منها :
ما جاء في البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة أو مكة فسمع صوت انسانين يعذبان في قبرهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( يعذبان وما يعذبان في كبير )) ثم قال : (( بلى ـ كان أحدهما لا يستتر من بوله وكان الآخر يمشي بالنميمة )) ثم دعا بجريدة رطبة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة فقيل يا رسول الله : لم فعلت هذا ؟ فقال : (( لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا ))
وجه الدلالة من الحديث :
يؤخذ من الحديث وصول الدعاء والتسبيح فيما رطوبة من الأشجار ونحوها للميت لأن هذا المعنى مفهوم من كون الجريدة رطبة ( أي كونها مسبحة ) وهذا يطرد في كل فيما فيه بركة كالذكر وتلاوة القرآن الكريم من باب أولى.
ومن ذلك مشروعية الصلاة على الميت والدعاء له وهذا أمر واضح لا خفاء فيه .
أما حديث (( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث .. )) الذي احتج به هذا المذكور فقد رد العلماء عليه بقولهم :
ـ إن الخلاف في عمل غيره لا في عمله هو. ولا يضر جهل الفاعل بالثواب؛ لأن الله يعلمه.
قال ابن قدامة : ولا حجة لهم في الخبر الذي احتجوا به ؛ لأنه إنما دل على انقطاع عمله، وليس هذا من عمله ( أي الدعاء والاستغفار ، بل من عمل غيره )، فلا دلالة عليه فيه، ولو دل عليه كان مخصوصاً بما سلموه، فيتعدى إلى ما منعوه، وما ذكروه من المعنى غير صحيح، فإن تعدي الثواب ليس بفرع لتعدي النفع، ثم هو باطل بالصوم والدعاء والحج، وليس له أصل يعتبر به.
وقال العلماء أيضًا : الحديث لا يدل على انقطاع عمل غيره ، والله تعالى هو الموصل إليه، وهو قادر عليه.