إهمال العبادات والطاعات ومكارم الأخلاق بعد انتهاء شهر رمضان المبارك أصبحت سلوكا معتادا فى حياة الكثيرين، حيث يتعامل هؤلاء مع الشهر الفضيل على أنه مجرد موسم للعبادة والطاعة.. فإذا ما انتهى رمضان أنتهى الأمر ونعود لحياتنا الطبيعية وما فيها من معاصى وذنوب وسلوكيات مرفوضة!!.
والواقع أن كل من يتعامل مع أيام الله المباركة وما فيها من نفحات ربانية بهذا المنطق يحرم نفسه من عطائها، ويخرج منها بلا مكاسب ولا يناله من الصوم إلا الجوع والعطش.
لقد اختص الله الشهر الكريم بمزيد من الفضائل، ولا يمكن أن يكون مجرد موسم للطاعة والعبادة ثم تنتهى علاقتنا به بمجرد الخروج منه، فعطاء رمضان يرسم للإنسان طريق الهداية والاستقامة لتظل مكارم الأخلاق ملازمة له طوال أيام وشهور السنة، وموجهة لحياته الخاصة والعامة فى كل مكان يذهب إليه أو يتواجد فيه، وضابطة للسلوك ومهذبة للغرائز والانفعالات فى كل الأوقات، فكل من عاش رمضان فى عبادة وتقوى وورع، مخلصا فى عباداته وعطائه الخيرى والإنسانى من الطبيعى أن تستمر معه هذه الحالة الإيمانية بعد رمضان.. أما من تعامل مع رمضان على أنه محطة طارئة فى حياته فسوف يهدر بسهولة ما اكتسبه من أجر وثواب وفضائل خلال الشهر الكريم.
عطاء شهر رمضان المبارك يصحح مسيرة الإنسان ويرسم له طريق الهداية والاستقامة، وكل إنسان عاقل يدرك أنه من الخطأ أن يفرط فى مكتسبات هذا الشهر الكريم الذى تتعدد فضائله، وتتنوع مكاسبه، فكل من صام رمضان وأدى ما عليه من واجبات دينية وإنسانية وأخلص فى عبادته؛ جدير بأن يكون من الذين وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغفران ذنوبهم وتخليصهم من آثامهم حيث يقول صلوات الله وسلامه عليه فى الحديث الصحيح:” من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”
هذه المكاسب العظيمة وهذا الفضل الكبير من الله لا ينبغى أن يقابله الإنسان بالجحود، فكل من يعود الى المعاصى بعد رمضان هو إنسان جاحد لعطاء الله له، ناكر لما أنعم الله عليه به، وهو لا يدرى هل تتكرر له هذه الفرصة مرة أخرى أم لا؟
لذلك يجب أن تصاحبنا أخلاقيات رمضان طوال شهور السنة حتى نستقبل رمضان القادم إن كتب الله لنا البقاء فيتضاعف العطاء الإلهى، ويضيف كل منا لحياته “نور على نور”.
يقول د.شوقى علام مفتى الجمهورية: فضائل الشهر الكريم لا تقف عند الصيام والصلاة والزكاة وغير ذلك من القربات التى تقربنا بها الى خالقنا، بل أخلاقيات رمضان تشمل كل سلوك راق حرص عليه الإنسان خلال الشهر الفضيل مثل صلة الرحم، وعيادة المريض، ومساعدة المحتاج، وتخفيف آلام البائسين أو المحرومين، ومسح دموع من أصابهم الحزن والجزع، وغير ذلك من السلوكيات الراقية التى هى من خصائص وسمات الإنسان الواعى الفاهم لحقائق دينه.. ومن هنا لا يليق بمسلم صام وصلى وزكى وتقرب الى الله بكل الطاعات فى رمضان أن يعود الى المعاصى بعد انتهاء الشهر الفضيل فيخوض فى الأعراض، ويتتبع عورات الناس، ويحقد أو يحسد من أنعم الله عليه من فضله وكافأه على جهده وعطائه، بل المسلم الحق مطالب بأن يكون صادقا مع خالقه ملتزما بكل خلق قويم، متسامحا مع نفسه، عفو كريم مع من أساءوا إليه بقصد أو بدون قصد، حريص على مكارم الأخلاق فى كل ما يصدر عنه من تصرفات.
هؤلاء الذين صاموا وصلوا وزكوا فى رمضان، وبعد انقضاء الشهر الكريم عادوا الى حياتهم الطبيعية التى ألفوها وما فيها من مخالفات وتجاوزات فخاضوا في الأعراض وتتبعوا العورات، وامتلأت قلوبهم بالحقد والحسد على الآخرين.. بالتأكيد هؤلاء لم يستفيدوا شيئا من رمضان.. فالإسلام ليس مجرد عبادات يؤديها المسلم وهو غافل عن حقيقة الإيمان، بل العبادات فى الإسلام تستهدف ترقية سلوك الإنسان، ليعيش حياة طيبة مع كل خلق الله.. والذين يصلون ويصومون ويزكون ويحجون ويعتمرون ويرتكبون التجاوزات السلوكية والأخلاقية لم يستفيدوا من عباداتهم، حيث أدوها كطقوس خالية من أهدافها الحقيقية، وهؤلاء وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمفلسين فى حديثه الشريف الذى يقول:” أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناتهم أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار”.
ولذلك ينبغى أن ينتبه كل منا الى أن أداء العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج لا يكفى لكى نكون مسلمين حقا.. بل لابد أن نتخلق بأخلاق الإسلام، فلا غيبة ولا نميمة ولا خوض فى أعراض الناس.
كل إنسان حريص على استمرار عطاء رمضان معه ليوجه حياته الى الأفضل مطالب بمداومة الحرص على العبادات التى حرص عليها فى رمضان، فالصلاة مفروضة عليه فى رمضان وغير رمضان، والصوم موجود أيضا بعد رمضان من خلال صوم النوافل الذى حثنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لكى يظل الإنسان مرتبطا بعطاء الصوم طوال العام، وصوم النوافل الذى كان يحرص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كثير ومتنوع، والزكاة موجودة وملازمة للمسلم طوال شهور السنة حسب دورة أمواله التى تجب فيها الزكاة، والعمرة من القربات الى الله فى رمضان وغير رمضان، كما أن الحج يأتى عقب الانتهاء من الصوم بأسابيع قليلة لكى يتكامل عطاء الفريضتين.
نسأل الله الهداية للجميع
b_halawany@hotmail.com