تقدمت الحكومة لمجلس النواب بمشروع قانون يسمح للمستثمرين من القطاع الخاص (المصرى والأجنبى) بإدارة وتشغيل المنشآت الصحية الحكومية (التابعة لوزارة الصحة وهيئاتها) هذا بالإضافة لإنشاء وتشغيل المنشآت الخاصة، ويتم ذلك دون التقيد بقانون إلتزامات المرافق العامة رقم 129 لسنة 1947 (وهو الذى يحدد نسبة 10% كحد أقصى لصافى أرباح المستثمر)، وتسرى على هذه المنشآت الإلتزامات السارية على المنشآت الطبية (الخاصة) فيما لم يرد بشأنه نص خاص، وحال قيام المستثمر بإغلاق المنشأة الصحية فيجب على الوزارة اتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية حقوق (المرضى) الصحية والمالية، ويحدد بقرار من وزير الصحة نسبة الأطباء والتمريض والفنيين الأجانب العاملين بهذه المنشآت.
.
السلبيات الجوهرية بمشروع القانون:
أولا: أرى أن إسناد إدارة وتشغيل المنشآت الصحية الحكومية لأى مستثمر سواء كان مصرى أو أجنبى هو أمر سيضر بالمنظومة الصحية وبالمواطن غير القادر الذى يبحث عن علاج منخفض التكاليف كما سيكون له تأثير سلبى على الأطباء والطواقم الطبية الذين سيعملون تحت إداراة المستثمرين بهذه المنشآت.
فمن المعروف أن الهدف الرئيس للمستثمر هو تحقيق الأرباح وهو حقه المشروع، ولكن علينا فى المقابل ألا نترك صحة المواطن المصرى فريسة لتحقيق هذا الهدف حيث أن صحة المجتمع ليست سلعة بل هى (حق) للمواطن وفقا لنص المادة 18 من الدستور.
كما أرى أن الدولة يجب أن يظل لها الحصة الحاكمة بالمنظومة الصحية ككل وإلا فإننا قد نفتح الباب أمام تحكم المستثمرين فى صحة الشعب وفرض ما يريدونه من أسعار حتى على منظومة التأمين الصحى الشامل مستقبلا.
أما بخصوص السماح للأجانب بإدارة وتشغيل المنظومة الصحية -الحكومية- فأرى أن هذا لا يجوز على الإطلاق، وإن كان يجوز السماح لهم بإنشاء مستشفيات -خاصة- فحتى ذلك يجب أن يكون بعد تحديد نسبة الحد الأقصى المسموح به لتملكهم للمنشآت الخاصة.
الخلاصة هى أن الرعاية الصحية أمن قومى، وبالتالى فمن الضرورى أن تظل جميع المنشآت الصحية الحكومية تحت إدارة الحكومة دون إسنادها لأى مستثمر سواء كان مصرى أم أجنبى، أما بالنسبة للمنشآت الخاصة فيمكن السماح للمستثمرين الأجانب بالدخول فيها مع تقييدهم بنسبة محددة لا ينبغى لهم تجاوزها، وبالتالى يجب أن تظل الحصة الحاكمة فى إجمالى المنشآت الصحية بيد الحكومة عن طريق إمتلاك وتشغيل المنشآت الحكومية كما يجب أن تظل الحصة الحاكمة للمنشآت الخاصة بيد المصريين.
.
ثانيا:
اندهشت من تفكير بعض المسئولين فى إسناد إدارة وتشغيل مراكز الرعاية الصحية (الأساسية) للقطاع الخاص، حيث أن الرعاية الصحية الأولية هى عصب أى منظومة صحية فى العالم وهى المنوط بها مكافحة انتشار الأمراض وإعطاء التطعيمات، وبالتالى يجب أن تظل تابعة لإدارة وتشغيل وزارة الصحة، حيث يصعب عمليا -تحت ضغط معايير الربح والخسارة- ضمان الإلتزام الصارم بالمعايير النموذجية للرعاية الصحية الأولية خاصة فيما يتعلق بالتطعيمات.
.
ثالثا:
يسمح مشروع القانون بعمل الأطباء والتمريض الأجانب بهذه المنشآت ويتم تحديد نسبتهم بقرار من وزير الصحة، وفى الحقيقة أرى أنه يجب أن يكون هناك نسبة حد أقصى لا ينبغى تجاوزها لعمل الأجانب بالمنشآت -الخاصة- وتكون مذكورة بصلب القانون نفسه حتى لا يتم ترك الأمر على إطلاقه لقرار منفرد من وزير الصحة.
.
رابعا:
إن إعفاء المستثمرين من التقيد بقانون إلتزامات المرافق العامة رقم 129 لسنة 1947 (وهو الذى يحدد نسبة 10% كحد أقصى لصافى أرباح المستثمر)، معناه إطلاق العنان لكل مستثمر فى تضخيم مكاسبه من إدارته للمنشأة الصحية الحكومية، وهذا به تخوف من تعظيم دور الأرباح على حساب جودة الرعاية الصحية.
.
خامسا:
توجد عبارة بمشروع القانون وهى “حال قيام المستثمر بإغلاق المنشأة الصحية فيجب على الوزارة اتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية حقوق المرضى الصحية والمالية”،
فهل يعنى ذلك أن المستثمر سيكون مطلق الصلاحيات إلى حد أنه يستطيع إغلاق المنشأة الحكومية نفسها؟
ولماذا تم النص على حماية حقوق المرضى دون أن يتم النص على حماية حقوق مقدمى الخدمة الطبية حال إغلاق المنشأة؟
.
سادسا:
هل يظن أى مسئول أن مشكلة المنظومة الصحية بمصر هى فقط تنحصر بضعف أو فشل الإدارة وبالتالى سيحلها إسناد الإدارة للمستثمرين؟
نعم لدينا مشكلات بالإدارة وبالطبع يمكننا التغلب عليها إذا طبقنا القواعد العلمية -الشفافة- فى طريقة إختيار القيادات وأسلوب متابعتهم.
ولكن مشكلات الإدارة يجب ألا تنسينا المشكلات الرئيسة الأخرى من ضعف الإنفاق، وقلة الأجور، ونقص الحماية وهجرة الأطباء وغيرها.
.
رحم الله الدكتور/ النبوى المهندس:
الذى أنشأ آلاف الوحدات الصحية، ومئات المستشفيات العامة والمركزية، وأقام مدارس التمريض في المستشفيات، وأسس فكرة حملات التطعيم للوقاية من الأوبئة… ولم يفكر فى إسناد إدارة أى منها للمستثمرين.
.