إن المتأمل في أحكام الإسلام، وتعاليمه، وقيمه، ومبادئه، يجد فيها علاجًا شافيًا لكل قضايا المجتمع ونوازله.
ومن القضايا التي اهتم بها الإسلام ووضع لها علاجًا شافيًا قضية الفقر؛ لما لها من خطورة بالغة على أخلاق وسلوكيات الفرد والمجتمع حيث إنها تتسبب في نشر الأخلاق الدنيئة والسلوكيات الرذيلة كالقتل والرشوة ….. وغيرها من رذائل الأخلاق والتي تمس جميع فئات المجتمع؛ فهي لا تميز بين غني وفقير.
وفي ذلك يقول المفكر الإسلامي محمد فريد وجدي: “في أية أمة من الأمم أجال الباحث نظره فوجد طبقتين من الناس لا ثالث لهما: الطبقة الموسرة، والطبقة المعسرة، ووجد بإزاء هذا أمرًا جديرًا بالملاحظة، وهو أن الطبقة الموسرة تتضخم إلى عير حد، والطبقة المعسرة لا تفتأ تهزل حتى تلتصق بأديم الأرض، فيتداعى البناء الاجتماعي؛ لوهن أساسه، وقد لا يدري المترفون من أي النواحي خر عليهم السقف “
هذا وقد كافح الإسلام الفقر بأمور كثيرة منها:
أـ نشر العدل وتحريم الظلم؛ فالظلم من أكبر الأمور التي تؤدي إلى الفقر؛ لذا أمر الإسلام بإعطاء كل ذي حق حقه بدون مماطلة أو تسويف ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)) وقوله صلى الله عليه وسلم: (( قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره))
ومن ناحية أخرى نجد أنَّ الموارد التي خلقها الله ـ عز وجل ـ وأوجدها في الأرض تكفي كل بيئة، لكن عدم العدالة في توزيعها ووجود الاستغلال من بعض الفئات هو الذي يسبب مشكلة الفقر؛ لذا أمر الإسلام بالعدل الذي يحفظ الحقوق، ويحقق المصالح، وينشر الرخاء؛ فيأمن كل فرد على حقه ونتيجة جهده وعرقه.
ب ـ نشر العلم النافع؛ فالعلم النافع يستطيع أن يغير حياة الفرد والمجتمع من التخلف والعشوائية إلى التقدم والتطور في شتى الميادين، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى حل جميع مشاكل العوز والاحتياج لدى المجتمع.
والله ـ عز وجل ـ خلق الإنسان وأودع فيه كل أسباب وأدوات تحصيل العلم قال تعالى: ((وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))
فالعلم النافع هو أساس التقدم والنمو والازدهار.
جـ ـ ترشيد الإنفاق وعدم الإسراف والتبذير قال العلي القدير: ((وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا)) وقال جل في علاه:)) وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِیرًا*إِنَّ ٱلۡمُبَذِّرِینَ كَانُوۤا۟ إِخۡوَ ٰنَ ٱلشَّیَـٰطِینِۖ وَكَانَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِرَبِّهِۦ كَفُورࣰا )) وقال تعالى: (( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ))
د ـ الأمر بالعمل والنهي عن البطالة والكسل؛ كي يكون المسلم عزيزًا فلا يذل، أبيًا فلا يضام، كريمًا فلا يهان.
إن المسلم الحقيقي هو مَن يؤمن بدوره الإيجابي وأنه جاء لتعمير هذا الكون بالعمل المتقن والسعي الدؤوب وعدم التواكل الذي يؤدي إلى تعطيل الطاقات وإضاعة الكرامة، ونشر الفقر والمرض والجهل؛ لذا قال صلى الله عليه وسلم: ((لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحُزْمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)) فلا يليق بالمسلم أن يعيش عالة وقد أنعم الله ـ عز وجل ـ عليه بالصحة وهيئ له أسباب العمل.
هـ ـ إعادة توزيع الثروة مرة أخرى من خلال تشريع الزكاة والصدقات والأوقاف المتعددة والكفارات المختلفة والنذور والوصايا فيتحقق بذلك التوازن الاجتماعي والاقتصادي بين أفراد المجتمع وتسوده صفات المودة والمحبة والسلام.
كما أن توزيع الميراث ـ كما حدده الإسلام ـ يحفظ لكل فرد حقه ويعيد توزيع الثروة إلى الأفراد تلقائيًا، الأمر الذي يخدم هدف الإسلام في مكافحة الفقر.