وفق المنظور الحسي وبدون تهوك ولا مواربة، تبدو حركة القطار الأسرع إيقاعاً من حركة السفن، بيد أن السفينة هي الملاذ الآمن والأسرع والأضمن وإن كان تمهُلها يُرادف بُطء السلحفاة، فذاك منظورٌ خفيٌ غير مرئي ، لا يعيه إلا أولو الألباب والنُهى….
فأما السفينةُ التي أُعيرها إكتراثاً هاهنا ، هي تلك الزاحفة على رِسلِها مُوليةً وجهها شطر الآخرة، تلك التي يقودها منذ بُرهة خاتم الرسل، ومعه على متنها الصحابة الأخيار، وجمعٌ من ضمير الأمة الأبرار، الذين آثروا الدنيا، رغبة في الآخرة، في رحلة وإن كانت طويلة، فايم الله هي الآمنة، وتالله هي الرابحة،،
رحلة مُكللة بالنعيم من شطرين…
نعيمٌ معنويٌ في البرزخ، ونعيمٌ حسي في الجنة….
ومطلقُ النعيم في الجانبين لا تُحيطه أزمنة ولا أمكنة، نعيمٌ في البرزخ تكتنفه آلاف السنين، ونعيمٌ في الجنة أبد الآبدين ….
وإذا الأحقبة تعاقبت وتمددت، أبى أكثر المسلمين اليوم إلا أن يتعلقوا بتلابيب القطار الدنيوي، سريعٌ في إيقاعه الصريعُ في ذلاته وهلكاته…
تزاخم القوم وتزاحموا على ركاب قطار الدنيا، شغفاً بمالٍ إلى زوال، وسُلطة في وبال، ومتاع لحظي ومن النعيم منفي….
قطارُ الدنيا سريعٌ لا مثنوية في ذلك ولا مشاحة، لكنه مغررٌ غادرٌ ليس بآمن ولا مَأمُون ….
طوبى لمن أقلته السفينة فعندها شاطيء السلامة ، برزخاً وإلى وما بعد يوم القيامة…
وأسىً لمن تشبث بقطار الدنيا، ذلكم خزيٌ وندامة ، برزخاً وإلى يوم الساعة وما بعد يوم الساعة…