يشكل الأمن القومي المصري الاهتمام الرئيس لدى الدولة قيادة وشعبًا، ومن ثم أضحى العمل على تفعيل مقوماته من خلال تنمية مستدامة في ربوع الوطن من أولويات المرحلة الراهنة، كما أن التفاف المصريين حول مصالح الوطن العليا ولحمتهم ولم شملتهم وتوحدهم من الأمور المحمودة على مر العصور؛ فشعب مصر منذ فجر التاريخ وعبر أحداثه المتتالية يعيش في وحدة وتماسك وتضافر، وسيظل على هذا الحال بمشيئة الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
وما شهدناه من توحد للقبائل العربية تحت لواء سمى بالاتحاد، له حدث ليس بالمستغرب على طبيعة هذا الشعب الأبي والعظيم في مواقفه؛ حيث إن الجميع أثبت بما لا يحمل مجالًا للشك أن حب الوطن والولاء والانتماء لترابه هو غاية الجميع دون استثناء، ودون مواربة فقد تكمن ثمرة هذا الاتحاد الذي تم تدشينه في إيجاد كيان اجتماعي يعمل بكل قوة ومثابرة لتحقيق التنمية في مجالاتها المختلفة تحت راية الدولة المصرية ومؤسساتها الوطنية وقيادتها الرشيدة، بما يؤدي إلى تحقيق ماهية الأمن والأمان الشامل ضد ما يحاك أو يهدد المنطقة من مخططات مغرضة.
وتاريخ أبناء سيناء مشرف؛ فقد سطرت ملاحمًا يصعب حصرها لأهل سيناء في الدفاع عن الوطن ومقدراته الغالية؛ ومواقفهم الشجاعة لم تقتصر على مشاركتهم في دحر اليهود أثناء حرب أكتوبر؛ لكن غور التاريخ يؤكد بسالتهم ضد حروب التتار والصلبيين والحملات الاستعمارية المتتالية التي كانت تستهدف البوابة الشرقية للدولة المصرية، ناهيك عن مشاركتهم وشراكتهم الفاعلة في عمليات الإعمار والتنمية بأرض الفيروز والتي بدأت بتأمين كافة الشركات التي استهدفت إحداث التنمية في ربوع المنطقة الغالية.
إن ماهية اتحاد القبائل العربية لم تكن مستحدثة على أذهاننا البتة؛ فقد رُسم الاتحاد منذ أن أصر أبطال سيناء وأهلها الأكارم على دحر المؤتمر المغرض الذي عقد في مدينة الحسنة عام 1968م تحت راية مشايخهم، والذي كان يستهدف تدويل أرض الفيروز، بأن تصبح سيناء دولة مستقلة لهم؛ فكان الرد قاطعًا ومشهودًا جاء في سطور ستظل نورًا يقتفي بأثره وهو (إن باطن الأرض أولى بنا من ظهرها، إذا ما قبلنا هذا الأمر.. مصريون وُلدنا واستُشهدنا وسنبقى إلى أن نموت، ومن يريد التحدث بشأن سيناء فعليه الذهاب إلى الرئيس جمال عبد الناصر).
وتجديد الاصطفاف خلف الدولة وقيادتها ومؤسساتها الوطنية يؤكد أصالة أهالي سيناء وغاياتهم النبيلة التي تدعم تحقيق مزيد من الاستقرار والتنمية المستدامة المعدة وفق استراتيجية الدولة ورؤيتها الطموحة؛ لتصبح مدن سيناء مصممة على أحدث الأنظمة الذكية التي تلبي متطلبات هذا الشعب الكريم، وتؤكد حقه في حياة كريمة، وتخلق مجتمعات جديدة عاملة وماهرة في شتى المجالات؛ لتزداد معدلات التنمية ومن ثم تزداد مقومات الأمن والأمان؛ فنحن ندرك جليًا أن هجرة الأرض مقدمة صريحة لاستعمارها من قبل الطامعين.
وحدث تدشين اتحاد القبائل العربية في هذا الوقت بالذات يؤكد على رسائل موجهة بعينها؛ يأتي في مقدمها الاصطفاف خلف قيادتنا السياسية حيال تحقيق الأمن القومي المصري مهما تكلف وتكبد الشعب المصري؛ فالتضحيات ليست بالأمر الجديد على المصريين بكافة طوائفهم؛ فقد رأينا لمسات الوفاء والمحبة في إطلاق اسم الرئيس على إحدى مدن أرض الفيروز، وهناك رسالة قوية تؤكد على أن أرض سيناء الطاهرة للمصريين دون غيرهم؛ فلا مجال للمخططات والمكائد التي باتت لا قيمة لها في ظل وجود شعب مرابط لا يقبل الضيم وليس لديه ما يخشاه دون عزته وشرفه.
وفي قابل الأيام ستشهد سيناء أرض البطولات حراكًا تنمويًا أكثر فعالية بفضل تضافر القبائل العربية السيناوية مع كافة مؤسسات الدولة؛ حيث المساهمة الفاعلة في توفير مقومات التأمين التي قامت وتقوم على إعمار ونهضة أرض الشهداء والنبلاء؛ ليصبح ما يهددها من إرهاب ومخاطر على حدودها في طي النسيان، وتغدو المنطقة زاخرة وعامرة بأهلها ومقدراتها التي تزداد نماءً وتنمية يوم بعد يوم.
نثمن ونبارك تدشين هذا الاتحاد، ونشد على عضد أصحاب النخبة والرؤى السديدة من أهل سيناء بتقديم ما يلزم لتنمية وتعزيز الوعي الصحيح بأنماطه المختلفة لدى أبناء أرض الفيروز وشتى القبائل العربية في ربوع الوطن؛ ليدرك كل في موقعه ومكانه وعمله أن له دور فاعل في استكمال مسيرة النهضة والإعمار لهذا الوطن الغالي الذي يتربع في قلوب المصريين، ولا مناص عن عمل مخلص ومتقن ومتواصل؛ كي يجني جيل تلو جيل ثمرة الغرس الطيب في أرض بكر باتت تحمل في مكونها ومكنونها الخير الوفير.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر