ما نمتلكه من أحاسيس ومشاعر ندرك من خلالهما السعادة والألم والرغبة والعزوف والإيجابية والسلبية والإقبال والإعراض والاهتمام واللامبالاة والقوة والهوان والصمود والتراجعيكمن في الوجدان، ومن يعي ذلك جيدًا يدرك أهمية التربية الوجدانية التي تحض الفرد على الانضباط في السلوك والاتزان الانفعالي وتقدير الحاجات والاحتياجات وفق ضروريتها ومعلومية الحقوق والواجبات واحترام الآخرين والتعاون معهم في ضوء إيجابية تحض على الانخراط في المجتمع لتحقيق غايات سامية تؤكد ماهية الإعمار.
وإذا ما رغبنا في أن نكسب أبنائنا المتعلمين معارف ومهارات من خلال ما نقدمه لهم من مهام أنشطة تعليمية أو عبر محتوى تعليمي يعكس ما نصبو إليه؛ فإن هذا الأمر بات مرهونًا باهتمامنا المباشر وبصورة مقصودة بالجانب الوجداني وثيق الصلة بما نقدمه لهم؛ حينئذ نستطيع القول أننا زودنا المتعلم بشكل من أشكال الخبرة المتكاملة التي تضمن مجالات التعلم الثلاثة، ويُعد ذلك نجاحًا مبهرًا؛ حيث يتسق مع صحيح فرضيات ومبادئ التعلم البنائي؛ فيصبح متعلمنا مرنًا في استقباله لمفردات التعلم، ومتحملًا للمسئولة حيال تحقيق ما يرسم له من أهداف خططت لها أنشطة تعليمية بصورة مقصودة.
وأصحاب الخبرة في الميدان يتوافقون على مُسَلّمة تجاه ما يؤدي إليه الجانب الوجداني لدى الفرد إذا ما تم الاهتمام به؛ فيصبح إيجابيًا متفاعلًا راغبًا في إقامة علاقات اجتماعية متزنة، يستطيع أن يتحكم في مشاعره وعواطفه، ومن ثم يتخذ من القرارات أصوبها وأفضلها؛ فيتمكن من أن يحقق إنجازًا تعليميًا غير مسبوق، وبل ويضع من البدائل ما يواجه به التحديات أو الصعوبات التي قد تقف حجر عثرة حيال اكتسابه خبرة ما، أو تحد من التعمق في مكونها ومكنونها، وفي ضوء ما سبق يكتسب متعلمنا الصحة النفسية التي تعينه على استكمال مسيرة التعلم وتحفزه كي يحدث الاستدامة المرتقبة في طلب مزيد من خبرات التعلم النوعية.
وفي ظل تفاقم استخدام وتوظيف التقنية الرقمية وتنامي الإنجذابات التي تمخضت عن فرط التواصل الرقمي؛ بما أفقدنا التركيز على جوانب الاهتمام بالعاطفة وما أدى لضعف تواصل بين أفراد الأسرة الواحدة، وما نراه من سلوكيات باتت غريبة على مجتمعاتنا وخطرًا على مقومات بقاء الثقافة، وما نشاهده من ترك وتفريط تجاه تمسك شباب الأمة المصرية لميثاق القيم والمبادئ النبيلة التي نؤمن بها ونعتقد في نفعها المطلق لدعم الهوية المصرية؛ فقد أضحى الاحتياج لإيقاظ الضمير الجامع متوقفًا على اهتمامنا للجانب الوجداني لدى أبنائنا؛ لنصبح قادرين على مقاومة السلبيات المشار إليها سلفًا، ومن ثم ندشن سياجًا نحمي به ثرواتنا البشرية التي هي أغلى ما نمتلك.
إن الارتقاء الفكري وما يحدثه من تغير ملحوظ في المهارة أو الممارسة أو الأداء؛ لهو نتاج حقيقي للوجدانالذي ساعد في إشباع الاحتياجات وساهم في تنمية الثقة بالذات ولبى ماهية التكيف والتوافق النفسي لدى الفرد، وأكد على ضرورة التمسك بمقومات التفاؤل والبعد عن مسببات التشاؤم وأسباب الإحباط؛ لتتوافر معايير الصحة النفسية التي حوت في مكونها على صحة العقل والبدن؛ لشخص يسدد ويقارب ولا يغالي ولا ينحرف بتفكيره لمنحى توجه بعينه؛ فجودة الحياة بالنسبة له غاية يضع لها أهدافه المستقبلية، بما يجعله يستحسن طرائق وأساليب التعاون والمشاركة؛ ليتأكد في نفسه ضرورة تعضيد روابط التواصل مع الآخرين.
ولندرك أن ثمت محددات يتوجب توافرها كي نتمكن من تنمية الوجدان في إطاره ومساره الإيجابي؛ حيث إن المهددات تعرقل بلوغ الفرد لأن يصبح مبتكرًا أو يمتلك كفايات الرضا النفسي أو التعليمي أو الوظيفي؛ فنحن نريد دون مواربة أن تنمو نفسيات أبنائنا نموًا صحيحًا؛ فلا تحاط بمشكلات واضطرابات نفسية أو تتمحور في السلوك الظاهر والخفي منه، ونرغب في أن تحدث تكيفات تقوم على شباع احتياجات وجدانية تؤدي لتعظيم ماهية العطاء والمحبة والانتماء لكيان الأسرة وحضن الوطن وفق فلسفة الولاء والإخلاص في القول والعمل بما يسهم في أن يكون شريكًا فعليًا في النهضة والإعمار.
وعلى كل حال لا يتوقف الاهتمام بالوجدان عند حد مساعدة الفرد على ضبط السلوك واكتساب الخبرات المربية العلمية والعملية والحياتية منها أو على الإنتاج والالتزام بقواعد النظام العام أو المؤسسي؛ لكن الأمر مرتبط بأن تنمو لديه أحاسيس ومشاعر عبر حواسه المختلفة؛ فيصبح له سمع واعٍ وبصر ناقدٍ وملامسة للبواطن وحديث له مذاق؛ فيستمتع بمفردات الطبيعة وجمالها، ويبحر في تفاصل الكون المُعجز، ويقرأ تفاصيل الأحداث ومجرياتها بفهم عميق وتدبر وتأمل، وتبدو ملامح الجمال محيطة في ظاهره وجوهره، وتلكما الشخصية السوية التي نسعى بكل ما نملك أن نوجدها.. ودي ومحبتي.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة – جامعة الأزهر