الابن الوحيد لوالده الساعي بمكتب رئيس أحد المصالح الحكومية الذي عينه بدبلوم التجارة كاتبا في شؤون العاملين، كم كان يوغر صدره رؤية أبيه الساعي ،جيئة وذهابا يحمل الملفات متنقلا بها بين المكاتب ،المشروبات حسب طلب الموظفين من زملائه في المكتب ، معظمهم أكبر سنا ، أقدم منه ، خريجو جامعات ،لا أمل له أن يرتقي بينهم ،لكأنما كتب عليه أن يتجمد في وظيفة الكاتب،تأجج صدره من الغضب ،حتى انتسب لأحد المعاهد التي يحصل منه على بكالوريوس تجارة،لم يضيع وقتا ،يصل الليل بالنهار ،بين عمله،ودراسته،عاكفا على دراسة اللوائح والقوانين المنظمة للعمل بالهيئة التي يعمل بها ،صار حجة فيها ،أتم دراسته ،عين بمؤهله الجديد، كان ينتهز الفرص كي يدخل لرئيس المصلحة ،يستعرض في خبث ،دهاء، أدب مصطنع كفاءته،حتى اتخذ منه مستشارا ،وأعطى تعليماته بألا تعرض عليه ورقة إلا بعد أن يراجعها متخطيا رؤسائه،ليصبح فعليا مديرا لشؤون العاملين ،واتتهه الفرصة ،حين خرج المدير للمعاش فيجتاز المسابقة متفوقا على أقرانه ليصبح أصغر مدير شؤون للعاملين،تكبر،تفنن في ذل وقهر زملائه،تفنن في تعطيل مصالح العاملين لايمرر إلا بمزاجه، ماكان يضايقه إلا تواجد والده الساعي حمله للاوراق جيئة وذهابا متنقلا بها بين المكاتب،لينفعل على أبيه حين طلب أحد الموظفين قهوة بدلا من الشاي،صفع والده بالقلم ، دعا عليه بحرقة قلب أب مكلوم مهان،بكى الرجل ، علم رئيس المصلحة ،غضب منه ،عاتبه بذوق، دافع عن نفسه بأسباب واهية ،ماكان يستطيع الاستغناء عنه لكفاءته أصدر تعليماته بألا ينتقل الرجل من على بابه،ولايشغل نفسه لا بتوصيل أوراق ،ولا تقديم مشروبات، اضطر الرجل لتسوية حالته وطلب إحالته للمعاش المبكر حتى لايسيء لابنه، مرض بعدها مرضا شديدا ،أصيب بالشلل حتى توفاه الله، لم يبال ابنه لكأنما استراح من هم كبير، فلطالما قهره وأذله وأحسسه بالدونية كونه ابن الساعي الذي كان محبوبا من الجميع ،رقى بعدها لمدير عام ،تبدلت الأحوال ، إثر تعيين رئيس جديد للمصلحة ،كان على علم واكتوى بغطرسته وجبروته، نقله ،خفض درجته من مدير عام لمدير، مبعدا إياه لأحد فروع المصلحة،رفع دعوى حكم القضاء بأحقيته في درجة المدير العام ،عاد ولكن في موقع تم تجريده فيه من كل الصلاحيات ، زحف المرض عليه مابين سكر وضغط ،أصبح يمشي مستندا على عكاز ، حتى أحيل للمعاش لعدم قدرته وعجزه عن الذهاب للعمل.