الابتزاز الإلكتروني والتي باتت تشكل ظاهرة خطيرة على الأشخاص والمجتمعات، على الرغم من أنه بات معروفاً لدى أغلبية مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ومستخدمي الهواتف الذكية من أن البيانات الشخصية والصور يمكن سرقتها أو استدراج الضحية للحصول على صور أو مقاطع مرئية مسجلة لاستخدامها فيما بعد لابتزاز الضحية،
فالابتزاز الإلكتروني هو محاوله الحصول على مكاسب مادية أو معنوية عن طريق الإكراه المعنوي للضحية وذلك بالتهديد بكشف أسرار أو معلومات خاصة. وبالتالي نستطيع القول أن جريمة الابتزاز الإلكتروني هي كل استخدام سيئ صادر من مجرم مبتدأ أو متمرس لوسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة لتهديد أو ترهيب الضحية بنشر صور أو محادثات أو مقاطع مرئية مسجلة أو تسريب معلومات سرية تخص الضحية عبر الوسائل الإلكترونية وخصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين، وهي ظاهرة طارئة على مجتمعنا يواجه العالم تحدياً خطيراً يعتبر أحد إفرازات ثورة التكنولوجيا الرقمية الآخذة في التطور يوماً تلو الآخر، ولعل الابتزاز الإلكتروني بات واحداً من إفرازات تلك الثورة،
وربما يكون أكثرها انتشاراً، لاسيما أنه لا يتطلب المزيد من الأدوات أو التخطيط الدقيق لاصطياد ضحاياه، حيث يحتاج المبتز إلى صورة أو مقطع مصور أو حتى معلومة في إحدى منصات التواصل الإلكتروني لينسج بعد ذلك فصول جريمته التي يدر من خلالها أموالاً كثيرة عبر طرق وحيل الابتزاز الإلكتروني المتعارف عليها في عالم المبتزين.
ورغم أن الغرض من جرائم الابتزاز الإلكتروني هو الحصول على المال، إلا أن ضحايا تلك العمليات يتعرضون لظروف صعبة طوال فترة ابتزازهم بسبب خوفهم من الفضيحة أو التشهير بهم، وتؤدي تلك الظروف إلى تدهور الحالة النفسية للضحايا وترديها لدرجة تدفع البعض منهم إلى إنهاء حياته مالم يتم التدخل في الوقت المناسب. المختصون يرون أن الابتزاز الإلكتروني في تزايد، وأن التعامل غير الحذر مع منصات التواصل الإلكتروني والثقة في الآخرين هي أبرز أسباب الوقوع في فخ الابتزاز..
مع تطور تكنولوجيا المعلومات وتنامي الفضاء الرقمي وتغير معالم حرية التعبير عن الراي وحدوهـا، تتزايد فرص انتشار المعلومات المضللة أو غير الصحيحة بشكل عام، مما يقود إلى كوارث مرتقبـة علـى صـعيـد الحياة الرقمية والجرائم الأنترنت، وانعكاساتها على الحيـاة بين أفراد مجتمعنا التي باتت تجسيد ظـل لهذه الحياة الجديدة التي يقضي قرابة ثلثي شـبـاب العالـم أوقاتـاً طويلة تصـل إلـى اكثر من ١٤ ساعة يومياً يتصفحون فيها شبكات الأنترنت والمواقع التواصل الاجتماعي.
ومن خلالها يستقبلون المعلومات الدقيقة وغير الدقيقة التي تصل الى المجتمع بوساطة منصات الاتصال والتواصل الاجتماعي، وتمثل هذه البيئة الرقمية المعقدة تحديات للصحفيين وبالوقت ذاتـه هـي مربكة للمستخدمين من عامة الناس ومتلقي المعلومات.
أنواع الابتزاز الرقمي:
1- ابتزاز الأموال والأفراد الالكترونياً.
2- ابتزاز البرمجيات الخبيثة.
3- الجرائم والابتزاز الدولي.
جرائم الابتزاز الرقمي في المواقع الإلكترونية:
قد تحدث الجرائم الرقمـية مـن قبـل المسؤولين العمومييـن والمتنفذين والمسيطرين على العالم الرقمي والاتصال الرقمي (وليـس مـن قبـل الجماعات الإجرامية المنظمة) كابتزاز مستمر عندما يتم استخدامها للتهديد بممارسة سلطتهم الرسمية بمساعدة العناصر المتنفذة في عالم تكنولوجيا والتطور الرقمي، إذا لم يتلقوا مدفوعـات أو خدمة (والتـي يـتـم توفيرهـا تـحـت الإكراه) حيـث يبتـزون مـن هـم تـحـت سيطرتهم، إداريا وظيفيا أو حتى العملاء برسائل الأنترنت.
يمكن أن تشمل الإجراءات المهددة كتابة استدعاء، والإدلاء بشهادة زور، وإجراء تفتيش رسمي، وتلفيـق تهمة جنائية وكذلك رفض عقد حكومي.. لذلك، ينطبـق الابتزاز على مجموع متنوعة من السلوكيات المنهجية، وكلها تنطوي على الحصول على الممتلكات عن طريق الإكراه أو التهديد ضمنيا أو صريحا ببعض الأضرار المستقبلية.
أنواع الجرائم الرقمية في المواقع الإلكترونية :
أولاً: جرائم تُسبب أذى للأفراد: هي جرائم تتعلق بأتلاف وتعطيل الممتلكات الخاص للمستخدمين الأنترنت، ” كل من أتلف أو عطل أو أبطأ أو اختراق بريدًا إلكترونيًا أو موقع أو حساب خاص لأي مستخدم بالإمكان إقامة دعوة قضائية في حال تعرف على الشخص سبب أذى في ممتلكاته الخاصة، ومنها على سبيال المثال سرقة الحسابات الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي أو انتحال شخصية فرد أو تهديد الأفراد عن طريق سرقة الجاني للمعلومات الخاصة بالمجنى علية وإبتزازه لتحريضه على أفعال غير مشروعة.
ثانياً: جرائم إلكترونية خاصة بالأموال: وهي التي تهدف للإستيلاء علي الأموال والممتلكات مثل الإستيلاء على حسابات البنوك او بيانات المستخدمين او بطاقات البنوك من خلال شبكات الانترنت.
ثالثاً: الجرائم التى تستهدف أمن الدولة: وهي جرائم معلوماتية، وتكون الدولة فيها هي المجني عليه، ويكون الجاني قد دخل أو إخترق موقعاً أو بريداً إلكترونياً أو حساباً خاصاً أو نظاماً معلوماتياً يدار بمعرفه أو لحساب الدولة أو أحد الأشخاص، أو يخص الدولة، ومنها على سبيال مثال جرائم التجسس أو التحريض على الإرهاب ضد مصلحة الوطن بإستخدام معلومات قد تم سحبها من ملفات الدولة، او تحريض او بث معلومات غير صحيحة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الانترنت.
رابعاً: جريمة تصميم المواقع وقواعد البيانات: وتعد من الأعمال التخريبية، وعليه يُعاقب كل من أتلف أو عطل أو أبطأ أو شوَّه أو أخفى أو غيَّر تصاميم موقع خاص بشركة أو مؤسسة أو منشأة أو مستخدم من خلال البرامج الخبيثة التي يتم تصميمها لابتزاز مؤسسات من خلال البرامج الحديثة وتكنالوجيا المتطورة.
الحماية من الابتزاز الرقمي في مواقع الإلكترونية:
يكون الضحايا على استعداد لدفع مبالغ ابتزاز للجماعـات الإجرامية المنظمة القويـة ومن لديهم خبره في الاتصال الرقمي والمواقع التواصل الاجتماعي وتطوير التكنولوجيا الحديثة مـن أجـل الحمايـة ومـن أجـل تجنب الابتزاز مـن قبـل سلسلة مستمرة من المجرمين الأفراد أو العصابات المنفذة في عالم الاتصال الرقمي، لذا فإن وجود استراتيجية فعالة لدى الدول تحارب هذه الجرائم هي الوسيلة الضامنة لتقليلها ومحاولة التحكم بها ولا ننسى دور الأفراد في محاربتها عن طريق توعيتهم بإيجابيات وسلبيات استخدام شبكة الإنترنت، وحث الشركات المتخصصة على إنتاج برامج حماية متخصصة تهدف إلى حماية البرامج الأخرى ومتصفحات الإنترنت، والبرامج التي تستخدم على شبكات الأنترنت.
ويكون من اهم أساليب حماية الافراد لاجهزتهم ومواقعهم:
1- تثبيت التحديثات الجديدة بأسرع ما يمكن من قبل الشركات المصنعة.
2- تأمين أجهزتك وحساباتك من خلال استخدام كلمات مرور قوية.
3- تأكد من تفعيل جدار الحماية Firewall بأجهزتك.
4- لا تثق بشبكات الواي فاي Wi-Fi في الاماكن العامة.
أساليب حماية المؤسسات الحكومية وغير الحكومية:
1- تعيين مختصين بحماية المعلومات والامن السيبراني.
2- توفير الاجهزة المختصة لحماية البيانات الخاصة بالمؤسسة.
3- مواكبة التطور في التكنالوجيا وتوفير المستلزمات لحماية المعلومات والاجهزة من الاختراق.
4- الصيانة المستمرة للاجهزة وتحديث البرامج القديمة.
يكون لاغلب الدول المتقدمة قوانين للجرائم الالكترونية ويتم وضع حدود في التعامل مع شبكات الانترنت والمواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الالكترونية والفضاء الرقمي، وهنا يجب على الحكومة السيطرة على جميع المواقع والمنصات الالكترونية وتكون تحت المراقبة من قبل وزارة الاتصالات وهيئة الاعلام والاتصالات وجهات الامنية المختصة لحماية الافراد والمجتمع وسلامتهم من الابتزاز وحماية الامن القومي للدولة ومنع تلاعب بالانترنت من جهات غير مخولة.
أركان جريمة الابتزاز الإلكتروني:
أولاً:
الركن المادي وهو السلوك المادي الخارجي الذي ينص القانون على تجريمه أي كل ما يدخل في كيان جريمة الابتزاز الإلكتروني وتكون له طبيعة مادية ملموسة، وهو ضروري لقيام الركن المادي إذ لا يعرف القانون لجرائم بدونه.
ثانياً:
الركن المعنوي وهو ركن المسؤولية، فالركن المعنوي يمثل العلاقة النفسية بين الفعل والفاعل، ويقتضي بأن يكون الفاعل أهلاً لتحمل المسؤولية الجنائية، ولا يكون الأمر كذلك إلا إذا تمتع بإرداة وإدراك يعتد القانون بهما، وأن تنصرف هذه الإرادة إلى ماديات الجريمة، والقصد الجنائي يجب أن يتوافر فيه عنصران هما العلم والإرادة إذ يجب أن يعلم المبتز أن ما يقوم به يعاقب عليه القانون. أما الإرادة فيجب أن تتجه إرادة الفاعل إلى تحقيق نتيجتها.
ثالثاً:
الركن الشرعي في الجريمة هو نص التجريم أو التحريم والعقاب فهو النص الذي نستند إليه لتجريم فعل معين والعقاب عليه، وأن يكون هذا النص سارياً من حيث الزمان والمكان والأشخاص على مرتكب الفعل الإجرامي.
الإثبات القانوني لجريمة الابتزاز الإلكتروني:
إن مبدأ الإمعان في العدالة تقتضي عدم معاقبة برئ ولابد من ثبوت الدليل الرقمي لجميع الجرائم الإلكترونية على كافة وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، ولهذا استلزم المشرع في الجرائم الإلكترونية توافر الدليل الرقمي أي معلومات إلكترونية لها قوة أو قيمة ثبوتية مخزنة أو منقولة أو مستخرجة أو مأخوذة من أجهزة الحاسب أو الشبكات المعلوماتية وما في حكمها، ويمكن تجميعها وتحليلها باستخدام أجهزة أو برامج أو تطبيقات تكنولوجية خاصة.
ومن المعلوم أن الأدلة الرقمية تحوز ذات القيمة والحجية للأدلة الجنائية المـادية في الإثبات الجنائي إذا توافرت فيها شروط وضوابط أبرزها:
- أن تتم عملية جمع أو الحصول أو استخراج أو استنباط الأدلة الرقمية محل الواقعة باستخدام التقنيات التي تضمن عدم تغيير أو تحديث أو محو أو تحريف للكتابة أو البيانات والمعلومات، أو أي تغيير أو تحديث أو إتلاف للأجهزة أو المعدات أو البيانات والمعلومات، أو أنظمة المعلومات أو البرامج أو الدعامات الإلكترونية وغيرها.
- أن تكون الأدلة الرقمية ذات صلة بالواقعة وفي إطــار الموضوع المطـلـوب إثباته أو نفيه، وفقـاً لنطاق قرار جهة التحقيق أو المحكمة المختصة.
- أن يتم جمع الدليل الرقمي واستخراجه وحفظه وتحريزه بمعرفة مأموري الضبط القضائي المخول لهم التعامل في هذه النوعية من الأدلة، أو الخبراء أو المتخصصين المنتدبين من جهات التحقيق أو المحاكمة، على أن يبين في محاضر الضبط، أو التقارير الفنية على نوع ومواصفات البرامج والأدوات والأجهــزة والمعــدات التي تم استخــدامها، مع ضمان استمرار الحفاظ على الأصل دون عبث به.
- في حالة تعذر فحص نسخة الدليل الرقمي وعدم إمكانية التحفظ على الأجهزة محل الفحص لأي سبب يتم فحص الأصل ويثبت ذلك كله في محضر الضبط أو تقرير الفحص والتحليل.
- أن يتم توثيق الأدلة الرقمية بمحضر إجراءات من قبل المختص قبل عمليات الفحص والتحليل له وكذا توثيق مكان ضبطه ومكان حفظه ومكان التعامل معه ومواصفاته.
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا