في ظل فراغاتٍ فكريةٍ أليمة ، وفجوّات اجتماعية عميقة ، صاحبتا الشأن المصري العصري ، تدفقت من كل حدب وصوب حزمة معتقدات بالية ، حاملة في طياتها بريقًا خادعًا للحداثةِ والتطور ، مكتسية بثياب العلم مكتسبة بقناع الفهم ، عبر أقزامٍ هم في محاريب العلم والعلماء لا يساوون قلامة ظفر ، أنِفوا من تواضع الفضيلة تعاظُمّاً ، ورضُوا بدنس الخطيئة تفاخُراً ، فطوقتهم رداءات الشهرة تجملًا ، وحفتهم الأموال وأشباه المتعلمين تعانقاً ، فضلوا وأضلوا ،،
لقد تهلهلت جدارات علم كنت أحسبها سميكة ، وتمزقت إطارات قيم كنت أظنها متينة ، على إثر خرافات استشرت في المد والظل ، نمّت ورّبت فغدت تجارة رائجة رابحة ، يتغياها كل امرىء ضاقت عليه الأرض بما رحُبت ، من بطالة موقودة ، وعبادة متروكة ،،،
أتحدث عن ما يوسمونه بعلم التنمية البشرية الذي تسلل بأجنحته طائرًا في ربوع مصر ، فأحدث انقلاباً فكرياً متبايناً ، بين مؤيدٍ يستنصره ، ورافض يستصرخه ، مؤيدٌ تراءت له أحلامه في التعلق بتلابيب محاضرات التنمية البشرية ، ورافضٌ لم يجد من هذا العلم إلا وكراً فكرياً أثيماً ، وقد كان الشاهد الأوحد على نجاح أو فشل ما يُدعَى بعلم التنمية البشرية ، والبرمجة اللغوية العصبية بمصر ، إنما هي التجربة التي حكمت حكماً رشيدًا منزوعاً من الهوى ، بعوار هذا العلم وعُهر مبلغه ، وتلكم هي الحُجة البالغة ،،
,,, إن أي علم مفاده الارتقاء بالسلوك البشري وتطوير الذات ، وإن كان محضُ اجتهاد فلا ينبغي له أن يستنكف على الكتاب والسنة ،،،
لقد قامت البرمجة اللغوية العصبية في مصر على مرتكزات واضحة الدلالة ، تحيد كل الحيد عن الإسلام ومبادئه جملةً وتفصيلاً ، ولئن كانت مزاعم ذلكم العلم رنانة في ظاهرها على نحو التنمية البشرية والطاقة والتطوير الذاتي ، فإن الباطن كان وثنياً جهولاً ،،،
كانت أهم دعائم هذا العلم المشبوه المشوه ، هي إعادة تفكيك المعتقدات الموجودة عند الإنسان ، وتكوين معتقدات أخرى عقدية وفكرية وفلسفية ، إن الذين أقاموا حجتهم الباطلة لرسوخ هذا العلم في مصر ، هم صغائرُ قوم وهنوا في ميادين العلم المثقلة المعظمة ، فأسسوا بُنيانهم الفكري العقيم من وساوس الشياطين ومناهج بوذا وكونفشيوس ، فعبروا يسيراً إلى حيث ابتغوا سبيلاً ، إذ زاوجوا بين الأُبهة والثروة في بحر قليلٍ من السنوات تنطعاً وتأففاً ،،،
لقد استطاع محاضروا مراكز التنمية البشرية في مصر ، عبر مشروعهم الأيديولوچي المادي المتأصل ، في جعل أفكار خريجي مدارسهم ، مصبوبة في قوالب تماثل العقل الوثني ،،
يؤمن أتباع هذا العلم بالنظرة الوحدانية للوجود ، يعتقدون في التأليه الكلي ، يبتدعون تأويلاً بأن للإنسان قدرة خارقة تجعله قاهراً للطبيعة ، بأن الإنسان مجبولٌ على إرادة إلهية وبشرية في آن ، تعالى الله عما يقولون ، تراءت أعينهم الظلماء بأن للإنسان طاقة أحدها موجبة والأخرى سالبة ، وتتحدد كل طاقة حسبما ينتوي المرء ، فإن فعل كذا وقرأ كذا ووقف في مكان كذا ، غدت طاقته إيجابية وعلى العكس إن لم يفعل فإن طاقته هي السلبية ، ظن المتاجرون بهذا العلم في مصر والمروجون له ، بأنهم أحدثوا لهيباً حماسياً في أنفس آلاف الدارسين وحتمًا الخريجين ، فيقف مدرب التنمية البشرية مشدوهاً بإنجازه الخارق الفارق ، في وسائل الإعلام وفي الصحف والندوات والحفلات كأنه أحسن الناس صنعاً ،،،
علم التنمية البشرية الذي اصطلحت على اسمه آلاف المراكز في عموم مصر ، في ظاهر القول محموداً ، وفى باطن الشىء مذموماً ، هو إسفافٌ بالعقل البشري واستنزافٌ للقوت المادي واستهلاك للوقت الزمني ،،
لم تجدي شعائر أرباب هذا العلم الواهن في مصر إلا نكداً ، وإن كانت صيحاتهم رنانة في أُذن الدارسين عن الأمل والعمل ، عن قيمة الوقت وتحديد المهام لتحقيق الأحلام ، عن أرجوزتهم المطلوقة في ابتغاء النجاح ، دون تحديد ضابط شرعي أو شرطي للوصول لهذا النجاح ، فكل ناجح بمقاييس فرضيتهم ناجحاً ، وإن كان تاجراً للمخدرات وإن كان مرتشيًا وإن كان قوادًا ، وإن كانت داعرة أو راقصة أو فاتنة ، والسؤال الذي يعتريني هنا ، ماذا قدمت مراكز وكورسات التنمية البشرية في مصر في ميدان التقدم كماً أو نوعاً ؟ هلا ساهمت فى اجتثاث مشكلة البطالة ، هلا حققت منافع علمية وثقافية وأخلاقية لوافديها ، هلا قاومت آفة الإدمان أو آفات أخرى في كل مكان ، أبداً ولن تكون مبالغ الدارسين والوافدين على مراكز التنمية البشرية في بر مصر ، إلا تكيفاً وتكييفاً مع منطق الجملة بوقيعها الخاطف ( محاضر أو محاضرة في التنمية البشرية ) ، هذا المحاضر هو فرس الرهان لكي يُشار له بالبنان ، محاضر يستمطر سحائب وعيه ليوهم من حوله أنه قد أحدث في جدار الجهل ثُقباً ، ومحاضرة تظن في نفسها أنها عبقرية المكان فريدة الزمان ، كلما تسلطت عليها كاميرات الإعلام ، وهي تفضي بأقصى مكوناتها المعرفية عن علم الأبراج الرجيم ، بقى أن يعرف كل ذي بصيرة نيرة يؤمن بالله واليوم الآخر ، أن مفهوم التنمية البشرية في مصر بمراكزه وكورساته مطاطياً عند أنصاف العارفين ، أما العارفين له حق المعرفة فيهتكون أعراض جهله وأغراض رجسه ، لكونه هُراء مجتمعياً كاذباً ، يُوقع في الجهل والضلال والفتن والخبال والقيل والقال ، ومن خطاياه أيضا أنه علم فاجر داعر يُكرس النظرة الأنوية المحضة ، التي لا تقبل النقد المنهجي ، علم أصاب أكثر معتنقينه بالإعياء النفسي ذكوراً أو إناثاً ، كنتيجة طبيعية وليدة من التعلق بأوهام وحبال ذائبة ، فلا قد وجد الدارس نفسه مثل بيل جيتس كما صور له مدربه ، ولا وجدت الدارسة نفسها في قصر منيف وزوج ثري لطيف كما وعدتها مدربتها ، ولست ضد التنمية البشرية إن تبلورت على الوجه الإسلامي الأمثل ، على نحو الإقتداء والإحتذاء بأعمال وأفعال وأقوال الصحابة والسلف ، فتجاربهم الحياتية منهجاً يافعاً منحوتاً في صدر التاريخ وفي صدارته ، صحابة رسول الله هم أروع النماذج في المحاكاة للتطبيق الأمثل للتنمية البشرية ، على نحو كيف وفقوا بين العلم الشرعي والعمل الدنيوي ؟ وحسبك إن اعتمدت التنمية البشرية في محاضرتها وندواتها على محور فردي دون سواه ، كيف نجح عمر بن الخطاب في علم الإدارة ؟ أسقط هذه العبارة على الإدارة بكل مناحيها ، وأطلق نجاح عمر على نجاحات الصحابة جميعاً في كل مناحي الحياه –