عندما يصبح الإنسان محلًا للاستغلال بأي صورةٍ من الصور؛ فإن هذا يُعد دون مواربةٍ خروجًا عن إطار الكرامة التي أهديت له من قبل رب العرش العظيم؛ لذا جرمت شرائع السماء وقوانين الأرض الاتجار في البشر، حفاظًا على كينونته، وضمانًا لحريته، وصونًا لحياته التي هي أسمى ما في الوجود؛ فقد ذكر رب العزة في كتابه العزيز (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)، المائدة: 32؛ فإذا ما ازهقت أرواح من أجل مالٍ ونحوه؛ فتلك جريمةٌ متكاملة الأركان، يحاسب عليها المتسببون بقانون الأرض وشريعة السماء.
إن حالة استغلال عوز الناس من أجل شغف تأدية فريضة الحج تشكل خطورةً أخلاقيةً كبرى ينبغي أن تتصدى لها الدول بصورةٍ متكاملةٍ؛ فعلى حكومات الدول المستضيفة العمل على منع وتجريم حالات السمسرة التي تقوم بها بعض مريدي جني المال، وعلى الدول التي يخرج منها الزائرين في وقت أداء فريضة الحج دون تأشيرةٍ معتمدةٍ منع سفرهم؛ فتحدث الغاية المتمثلة في منع توطين فلسفة الاستغلال المشار إليها.
ولا نغالي بوصفنا ممارسة الاتجار بالبشر كونها الجريمة؛ لأن ما يتم في الحقيقة يتنافى مع قيم الدين على وجه الخصوص، ويتعارض مع آليات التنظيم التي تقوم بها الدول؛ فيحدث خرقًا للقوانين، مما يترتب عليه مفسدةً كبرى؛ ألا وهي التسبب في ارتباكٍ وإهمالٍ جسيمٍ ينتج عنه فقد أرواحٍ بريئةٍ من المفترض أن توفر لها الرعاية التامة من حيث سبل الإعاشة الكريمة والتنظيم عند أداء المناسك والحماية من المتغيرات التي تضير بهم، مثل حمايتهم من التعرض لدرجات الحرارة التي لا يتحملها البشر في العادة، وتوفر الخدمات اللازمة حال الاحتياج إليها وفي مقدمتها الرعاية الطبية بكل صورها.
إن التدابير الاحترازية التي تقوم بها الدول مع الدول المستضيفة تساهم بشكلٍ كبيرٍ في الحفاظ على الإنسان وتصونه من أن يتعرض لأسباب التهلكة، وعندما تقوم جهات خاصة بفرض حالةٍ من الفوضى من خلال إرسال واستقبال مريدي أداء فريضة الحج، من أجل الحصول على مال في صورة تربحٍ غير مشروعٍ؛ فإن هذا الأمر جد خطيرٍ ينبغي محاسبة كل مسهلٍ وميسرٍ لهذا السلوك غير القويم، وغير القانوني، وغير الأخلاقي.
ليدرك تجار البشر أن الإنسان وحياته ليست هدفًا أو مجالًا مشروعًا لتجارتهم الخاسرة في كليتها، وليعلموا صورة الجرم الذي يقع من خلالهم، وليعوا أن حماية الأرواح وصيانة أمن الأفراد فريضةٌ لا يصح المساس بها أو التعرض لها، كما يجب أن يوقنوا حرمة استغلال الحاجة المعنوية لدى الناس؛ حيث ترتبط تلكما الحاجة بالعقيدة التي في سبيلها يضحى بكل غالٍ ونفيسٍ.
لقد اشارت التقارير إلى أن ضحايا فريضة الحج جلهم من الزائرين غير المدرجين بقوائم الحج التي تنظمه وترعاه مؤسسات الدولة الرسمية، وأن أسباب الوفاة باتت متعددةً ما بين إهمالٍ في التنظيم، وضعفٍ تلقي الرعاية بكل صورها، وهنا نخاطب ضمير تجار البشر، هل أضحت المادة غايةً في حد ذاتها، وأن صيانة النفس لا قيمة لها في عقيدتكم؟، وهل بات استغلال الحالة الاقتصادية للإنسان من الحوافر التي تدفعكم لتلك الممارسات غير الصحيحة؟، وهل تقبلون تلكما الممارسات على أقاربكم من الدرجة الأولى؛ فيتعرضون للهلاك لا محالة؟
وننادي أصحاب العقول الرشيدة ممن يبغون مرضاة الله ويسعون لأداء الفريضة؛ فنقول لهم أن فريضة الحج فرضت لمن استطاع سبيلًا؛ فهكذا حسمها رب العالمين، بما لا يقبل التأويل أو التحوير؛ فأنتم من تساعدون تجار البشر وتذهبون إليهم مهرولين بغية أداء الفريضة تحت وطأة الفاقة والحاجة، وهذا منافٍ لما جاء به الشرع الحنيف.
ونهيب بدولتنا العظيمة الكبيرة القدر والمقدار أن تمنع منعًا تامًا ممارسة تجارة البشر تحت أي مسمىً كان، سواء ارتبط بأداء فريضة الحج أم غير ذلك؛ فالإنسان أغلى ما في الوجود دون مواربةٍ أو مغالاةٍ، وفي ذات السياق نثمن استجابة الدولة السريعة لما حدث في موسم الحج ها العالم وفق توجيهات السيد الرئيس؛ حيث تشكيل خلية أزمة برئاسة الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء لمتابعة وإدارة الوضع الخاص بحالات وفاة الحجاج المصريين.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر