أن تطبيق مبدأ شمول الموازنة من شأنه ارتباط جدلي ضمن مبدأ شمول الموازنة ما بين نفقات الدولة وإيراداتها، بحيث لا يسمح هذا المبدأ أن تخفض (تنزَّل) من الإيرادات المراد جبايتها لخزانة الدولة النفقات المتوقع صرفها لتحقيق هذه الإيرادات. من المبادئ الأساسية للموازنة العامة أن تصدر عن سنة مالية تستقل بمواردها ونفقاتها، وتقوم بعض الدول بوضع إطار زمني متوسط الأجل لمدة زمنية تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات لتنفيذ برامجها المختلفة. وتختلف السنة المالية وفقا لكل دولة كما سبق الذكر، وفقا لطبيعة العمليات الاقتصادية للدولة وما استقر عليه العرف المالي بها. ومن المعروف أنه كلما قصرت الفترة الزمنية كلما زادت دقة التقديرات للكميات المالية بالموازنة العامة. وتعد فترة سنة فترة ملائمة نسبيا فيما يتعلق بتحديد التقديرات المختلفة للإيرادات والنفقات العامة وهي ملائمة أيضا لحركة المعاملات الاقتصادية للقطاعات المختلفة.
ويترتب على تطبيق هذا المبدأ ثلاث نتائج مهمة وهي:
(أ) ـ في الموازنة العامة تدرج جميع الإيرادات اللازمة لتمويل جميع النفقات.
(ب) ـ في الموازنة العامة تسجل جميع النفقات العامة والإيرادات العامة.
(ج) ـ في الموازنة العامة تسجل جميع النفقات الناجمة عن جباية بعض الإيرادات.
علماً أن مبدأ الشمول لم يكن هو الأصل المطبق في بداية نشوء الفكر المالي التقليدي، بل كان مبدأ الصوافي ـ المناقض تماماً لمبدأ شمول الموازنة ـ هو السائد في معظم ماليات دول العالم، وخصوصاً في الدول العربية. بيد أن التطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أدت إلى عدول الفكر المالي في غالبية دول العالم عن مبدأ الصوافي إلى مبدأ شمول الموازنة.
ومن الأمثلة على مبدأ شمول الموازنة حالة قيام الدولة بفرض رسوم إنفاق استهلاكي على السيارات بلغت حصيلتها عشرة ملايين ليرة سورية لعام 2000، وكانت النفقات اللازمة لتحصيل تلك الرسوم من ثمن مطبوعات وأجور عاملين…إلخ تساوي مليون ليرة سورية؛ وفق مبدأ الشمول تدرج في صحيفة الموازنة لجهة مديرية النقل عشرة ملايين ليرة سورية في جدول إيراداتها، ويدرج أيضاً مبلغ المليون ليرة في جدول نفقات تلك الجهة.
وتجدر الإشارة هنا إلى ضرورة التمييز ما بين مبدأ شمول الموازنة كما عُرِّف أعلاه؛ وبين مبدأ شيوع الموازنة الذي هو أيضاً أحد المبادئ الرئيسة للموازنة العامة، لأن الأخير يقضي بعدم جواز تخصيص إيرادات معينة لتغطية نفقات معينة، وبالتالي اعتبار الإيرادات العامة بمجملها بمنزلة كتلة واحدة متكاملة لازمة لتغطية مجمل النفقات العامة التي تشكل كتلة واحدة أيضاً.
إدراج جميع الإيرادات اللازمة لتمويل جميع النفقات في الموازنة العامة وكذلك تسجيل النفقات والإيرادات العامة وأخيرا تسجيل جميع النفقات الناتجة عن تحصيل بعض الإيرادات. والهدف الأساسي من إعداد الموازنة هو تحقيق الرقابة الدستورية لضمان المشاركة الفعالة من جانب كل فئات المجتمع والشفافية المطلقة في عرض بنود الموازنة، وأيضا تحقيق الرقابة الاقتصادية والمالية من حيث القدرة على تخصيص الموارد بين القطاعات المختلفة.
إذا طبقنا هذا التعريف الشمولي فإنه لا يجوز تخصيص مورد معين لنفقة محددة، بل يجب أن تتجمع جميع موارد الدولة مع الخزانة العامة التابعة لوزارة المالية والتي تقوم بتوزيعها على مختلف جوانب الإنفاق العام حسب رؤية وخطة وسياسات الحكومة، التي يجب ــ أو يفترض ــ أن يكون البرلمان قد وافق عليها وأقرها. أيضا حينما تكون الموازنة موحدة سيتم تصحيح مفاهيم كثيرة، فالإيرادات الضريبية ستكون ٣٥٪ من إجمالي الموازنة وليس ٨٠٪ كما هي الآن في الموازنة الحالية، وحتى فوائد الديون ستحسب على أساس أن الموازنة موحدة وهى ٤٫٩ تريليون جنيه وليس٢٫١ تريليون. هناك مجموعة مبررات تؤيد تطبيق هذا المبدأ، وتتمثل فيما يلي:
> مبررات سياسية: إن تطبيق هذا المبدأ من شأنه أن يساعد ممثلي الشعب (مجلس الشعب أو البرلمان) على ممارسة حقهم في الرقابة على مالية الدولة على نحو دقيق، ومنح الإذن بالإنفاق والجباية بأسلوب ينسجم مع الواقع؛ لأن شمول الموازنة العامة للدولة على جميع الإيرادات والنفقات العامة يتيح لمجلس الشعب أن يطّلع على الصورة الكاملة والواضحة لإيرادات الدولة ونفقاتها، ومن ثم يكون ملماً بحقيقة الأوضاع المالية في الدولة، مما يسمح له بتحقيق رقابة صارمة ودقيقة على أموال الدولة، خصوصاً عندما تتواجد في ذلك المجلس العناصر المؤهلة لإجراء مثل هذه الرقابة.
> مبررات اقتصادية: إن تطبيق مبدأ شمول الموازنة يساعد على معرفة مقدار مساهمة السلطات العامة المختلفة في تكوين الدخل القومي، على اعتبار أن الدخل القومي يتضمن مقدار الدخل الذي تحققه الدولة بسلطاتها العامة ومؤسساتها؛ وكذلك مجموع دخول الأفراد. كما أن مبدأ الشمول يسّهل عملية قياس العبء الضريبي بالنسبة إلى الدخل القومي؛ لأن هذه المعادلة تبين مدى المقدرة التكليفية للممول، كما أن تطبيق مبدأ شمول الموازنة من شأنه أن يوضح المردود الاقتصادي والمالي لمختلف أنواع الضرائب والرسوم.
> مبررات مالية: يحول تطبيق مبدأ شمول الموازنة دون إسراف الجهات الحكومية والإدارية وتبذيرها، وذلك لأن تلك الجهات والهيئات لا تستطيع إخفاء أي قسم من الإيرادات أو النفقات عن السلطة التشريعية تحت مظلة التقاص ما بينهما، وهذا ما كان يحدث فعلاً عند تبني مبدأ الصوافي في الموازنة العامة.
وعلى الرغم من تطور دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ومع الاستثناءات المتعددة التي طرأت عليه؛ فإن مبدأ شمول الموازنة ما زال يمثل أحد أهم مبادئ الموازنة العامة المعاصرة في سورية، وذلك استناداً إلى المسوغات المهمة التي سـبق وأشير إليها.
لكن ذلك لا يمنع من ملاحظة كثرة الاستثناءات الواردة على مبدأ شمول الموازنة؛ والمستندة كلها إلى فكرة الصوافي، وذلك سواء فيما يخص الموازنة العامة في سورية؛ أم في معظم دول العالم، وربما يعود ذلك إلى أن مبدأ الصوافي هو الأقل تعقيداً في فهمه، والأكثر سهولة ويسراً في تطبيقه، والأشد وضوحاً ومرونة؛ لأنه يعطي الدولة قدراً كبيراً من الديناميكية في العمل، إضافة إلى الوقوف على الأرقام النهائية المدرجة في الموازنة، والتي لن تكون أرقاماً هائلةً جداً كما لو تم الاعتماد على مبدأ الشمول.
أياً يكن فإن لكل مبدأ أو فكرة محاسنها ومساوئها، وبالتالي فإن منطق العقل يقتضي إعمال الموازنة والمقارنة ما بين المحاسن والمساوئ لاختيار تطبيق المبدأ الأفضل، والذي يدل واقع الحال على أنه مبدأ شمول الموازنة لما فيه من مزايا سياسية واقتصادية واجتماعية ذكرت سابقاً.
الأساس الذي يقوم عليه هذا التصنيف هو تحديد الجهة التي تقوم بالإنفاق أو تحصل الإيراد. ولهذا يتم توزيع الإنفاق العام على الجهات الإدارية للدولة (الحكومة المركزية والهيئات التابعة لها والحكومات المحلية ووحدات القطاع العام وغيرها من الجهات التابعة للدولة)،
والأمر ذاته في عمليات تحصيل الإيرادات. ويختلف هذا التقسيم من دولة إلى أخرى وفقا للنظام والهيكل الإداري لكل دولة، وإن جرت العادة على أن تتضمن الموازنة الوحدات التابعة للحكومة العامة والتي حددها نظام الحسابات القومية الدولي.
تقسيم المعاملات المالية لعامة وفقا للتقسيم الاقتصادي على أساس الطبيعة الاقتصادية للمعاملة. أى هل إذا كانت تتم بمقابل أم بدون مقابل، تتم لأغراض جارية أم رأسمالية. وعادة ما يستخدم هذا التقسيم للتعرف على طبيعة العمليات الحكومية وأثارها الاقتصادية، فأثر الإنفاق الجاري الاقتصادي يختلف عن أثر الإنفاق على المعاملات الرأسمالية.
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا