وبدأت معاناة الثانوية الهامة الشهيرة بالثانوية العامة, ولا أقصد الهامة من الأهمية لكن المقصود بالهامة هنا أى التى تسبب الغم والهم فى كل بيت مصرى لديه طالب يؤدى امتحان الثانوية العامة. هذا «التابوه» الذى نصر على الاحتفاظ به ليعذبنا ولنشقى به طيلة أيامنا.يحدث ذلك فى الوقت الذى لا يوجد فيه أى مثيل لتلك الثانوية العامة فى أى مكان فى العالم حيث يتم دخول الجامعات والكليات وفقاً لرغبات الطالب وقدراته التى لا يشترط أن تظهر فى امتحان تحريرى لا بد من اجتيازه بدرجات فلكية حتى يتمكن الطالب من دراسة ما يحلم به.
كل العالم تخلص من هذا الكابوس المريع ماعدا عندنا حيث نصر على تعذيب الأسرة المصرية التى يؤدى فيها أى طالب أو طالبة امتحان الثانوية العامة, فيتم رفع حالة الطوارئ فى البيوت وحتى عند الجيران احتراما لوجود ثانوية عامة فى الجوار القريب أو حتى البعيد.. ترقب ولهفة وبكاء ودموع وابتسامات وضحك يعقب كل امتحان حسب الأسئلة ومستواها والتى يتفنن أحياناً بعض واضعيها فى استعراض عضلاتهم على الطلاب باختيار بعض الأسئلة التى تفوق مستوى حتى الطالب المتميز. نعم أنا مع وجود بعض أسئلة الذكاء التى تبرز المتفوقين ولكن فارقاً كبيراً بين اسئلة الذكاء وأسئلة التعقيد.
حاولت عمل بحث من خلال الإنترنت فلم أجد فعلاً أى دولة فى العالم تطبق نظام الثانوية العامة بهذا الشكل المعقد غير فى مصر, ليس من المعقول أن يتحدد مستقبل طالب فقط بناء على قدرته فى الحفظ وصم المواد عن ظهر قلب ليخرج ما حفظه فى ورقة الامتحان دون أن يكون لما درسه قيمة مضافة فى حياته ولعل كثيراً من الزملاء الذين تتبعوا مسار تعليم المتفوقين فى الثانوية وجدوا أن أغلبهم رسب فى كليات القمة التى دخلوها فقط بناء على مجموعهم وليس رغبة منهم أو حباً فى نوعية الدراسة التى تقدمها.
لقد بح صوت كل كتاب مصر تقريباً فى التحذير من طريقة الثانوية العامة فى مصر وعدم تبنيها ودعمها مواهب الطالب وقدراته الخاصة وميوله قبل كل شىء لكن لا حياة لمن تنادى. ورغم أن كل الظروف تؤكد أن مصر فى حاجة للطلبة المؤهلين لسوق العمل لكن السياسات التعليمية لا تزال ترسخ فكرة الدراسة الجامعية وتعطيها الأولوية على أى نوع آخر من الدراسة رغم أن سوق العمل فى حاجة ماسة للمهنيين المدربين من أصحاب الشهادات الفنية والزراعية وغيرها.
لعلى لا أبالغ إذا قلت أنك لن تجد مصرى واحد يرضى عن الثانوية العامة بشكلها الحالى, حتى مع التجارب التى تتم عليها كل سنة تقريباً ثبت أنها مع الأسف كلها تجارب فاشلة لا تمس أصل مشكلتها بل تتعامل مع أعراضها فقط لذا تظل المشكلة قائمة. ولعلها فرصة ونحن على أعتاب حكومة جديدة أن نرى فى ظلها ميلاد نظام جديد يؤهل للدراسة الجامعية ويضع فى اعتباره رغبات الطلاب وحاجة سوق العمل بدلاً من هذا الكابوس الثانوى المخيف. فالمشكلة ليست فى إلغاء العلمى والأدبى ولكن مطلوب إلغاء الثانوية العامة كلها!