على خط التماس مع فؤاد باشا سراج الدين ، لم يكن لأحمد عبود باشا عقباً من نسل الذكور، فترك ابنةً وحيدة، ظفرت بكل ما ترك من أملاك، كحال فؤاد سراج الدين الذي ورثته بناته الثلاث…..
بيد أنه إذا كان فؤاد سراج الدين أرستقراطياً بالتتابع الوراثي، فإن أحمد عبود باشا هو الأرستقراطي بالطابع العصامي…
وفي عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، ضج المجتمع المصري بأثرياء، غلبت عليهم نزعة الانتماء للملكية الزراعية والتجارية، وتفرد في كل مجال رجلاً ، فعُرف فرغلي باشا بملك القطن، وسيد ياسين بملك الزجاج، وطلعت حرب وغيره بسوق المال والبورصة، فيما تفرد على الجميع أحمد عبود باشا، الملك المتوج على عرش الصناعة المصرية جملةً وتفصيلا….
هو مُحيي الصناعة من جوف العدم، ومُدشن مبادئها ومُسير نهضتها بين الأمم، بجموح عصاميته، ورسوخ ألمعيته… وعجباً لرجل ولد في قاع الفقر، ثم يصبح يوماً ما أغنى رجلاً في مصر…
اقترن أحمد عبود باشا الطامح ابن الكادح، بكل دروب الصناعة المصرية، أكان مُشيداً وطنياً بسواعد بنانه، أم مُمَصِراً مُنتَزعاً من أنياب الأجانب بقوة عنانه…
انحنى قوسه في صروحٍ صناعيةٍ عتيقةٍ عبقت بذكره، فعلى يديه توهجت صناعة السكر، والصناعات الكيميائية والأسمدة، والقطن والغزل والنسيج، وبلغ أوجهُ في صناعة السفن، بعد انتزاعه لأكبر شركة بواخر مصرية من قبضة الإنجليز، لتغدو في عهده أكبر شركة ملاحة في الشرق الأوسط.. قبل أن يُأممهَا جمال عبدالناصر،،
وفي عام 1946م، صنفته مجلة تايم الأمريكية، بأنه واحد من أغنياء العالم المعدودين، بثروة بلغت مائة مليون دولار آنذاك….
كما تفجرت نجومية ثرائه وشعبيته الجارفة في نواحي العمل العام، فرأس النادي الأهلي لردح كبير من الزمن، وأغدق عليه بماله الخاص، وترك من عظيم إرثه بُنيان معماري عظيم، في وسط القاهرة الصاخب الحاشد الكثيف ، تلك هي العمارة الانسيابية والشاهقة في آن…
التي حملت اسم الإيموبيليا، ذاك الذي حمل صفة المبنى الضخم بوسط القاهرة التقاء قصر النيل وشارع شريف..
ثنائية القبلتين والوجهتين، أحدهما أحد عشر طابقاً والثاني ثلاثة عشر طابقاً، وبينهما سبع وعشرون مصعداً، بحاصل جمع ثلاثمائة وسبعون وحدة سكنية، على مساحة 5444 متراً مربعاً …
في نهاية الثلاثينيات من القرن الفائت، أوعز أحمد عبود باشا إلى المهندسين جاكس أذرعي وجاستون، مهمة بناء عمارة ضخمة فخيمة، كلفته مليون ومائتي ألف جنيه وقتئذ .. وكيف لا وهو الثري الأرستقراطي رئيس النادي الأهلي، الذي بلغت ثروته يوم ذاك ثلاثين مليوناً …
صممت العمارة على برجين على شكل حرف uu
آوت هذه العمارة المزدوجة عدداً كبيراً من المشاهير ، منهم فكري أباظة ومحمد فوزي وأنور وجدي ونجيب الريحاني وعلوية جميل وتوفيق الحكيم ، وقنصلية دولة أيسلندا …
صنفت هذه العمارة كأول ناطحة سحاب في القاهرة بارتفاع سبعين متراً، وخضغت لقانون التأميم عام 1961م، والذي كان من تداعياته مرض أحمد باشا عبود ، وفراره إلى الخارج بقدر يسير من جملة ثروته السائلة والمنقولة ..
هذه هي قصة أحمد عبود باشا، العصامي الجسور، الذي أعطى للاقتصاد المصري سِمةً وكينونة، وارتقى به في أشم رفعة وأمثولة، آثراً مؤثراً غير مستأثر ، والذي خط ببنانه يوماً ديباجة لكل تواق للنجاح بعنوان كيف تصبح مليونيراً ؟
فأنشد فيه ناصحاً::
ليس النجاح من الأسرار، ولكنه أولاً وقبل كل شيء توفيق من الله، فقد تجتمع في شخص كل مؤهلات النجاح، من شهادات وجاه وشخصية قوية، لكن سوء الحظ يلازمه فلا ينجح في أي عمل يقوم به، بينما ينجح من هو أقل منه في الكفاءة والجاه ، وأضعف منه شخصية…