أضحت مواقع التواصل الاجتماعي بصفة خاصة منابر منفلتة ليس لها ضابط أو آلية تمنع نشر المعلومات أو الأخبار أو الأفكار المكذوبة في جملتها أو المحرفة أو المشوهة والتي تحمل مضمونًا غير صحيح في كليته؛ فلا مرجعية أو موثوقية أو توثيقًا، وتستهدف كافة المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية، والثقافية، والصحية، والتعليمية، والبيئية، وحتى الأشخاص تعد هدفًا لها، والمسعى الخبيث من وراء ذلك تشكيل رأي عام سلبي تجاه مرماها، بما يحدث حالة من عدم الشعور بالرضا وضعف في الاستقرار وخلق حالة مزاجية غير جيدة تؤثر على مناحي الحياة المختلفة.
والمنهجية التي تقوم عليها الشائعات تنبري على تنامي انتشارها بما يحدث تغيير في أفكار واتجاهات المتلقي لها من الإيجابية للسلبية، وهذا ما قد نطلق عليه مصطلح تسميم الأفكار، ويقابله أيضًا مفهوم تغييب العقول أو تزييف الوعي، أو تشتيت الأذهان، وتبدو الخطورة في تأثيرها البالغ على ماهية الولاء والانتماء القيمتان اللتان تحث الفرد على الإخلاص في العمل والحفاظ على الدولة ومقدراتها، وهنا نخشى ما نخشاه في أن تتحول الجبهة الداخلية الداعمة للوطن من حالة الاستنفار والاصطفاف ضد ما يحاك للبلاد من شرور بهدف النيل منها.
وقد بات تقدم الدول والمجتمعات مرهونًا بعزيمة وإيجابية لا يفتها أو يقلل منها عامل من عوامل السلبية والتي في مقدمتها الشائعات التي تعد أحد أسلحة الحروب النفسية الفتاكة؛ حيث إنها تدعم الإحباط وتضعف المعنويات في صورتها الإيجابية؛ فتؤدي بالفرد، بل والمجتمع بأن يضغط ويزيد من مطالبه والتي تفوق مقدرة دولة تكابد من أجل أن تستكمل مسار نهضتها؛ فيؤثر ذلك سلبًا على مراحل مشروعاتها القومية وقد تتوقف في مرحلة ما، وهذا طموح ينشده أصحاب المآرب الفاسدة الذين يرغبون في هدم كيان الدولة وإسقاط نظامها المستقر؛ لتعم الفوضى وتصبح البلاد في مهب الريح، وتلوح الصراعات والنزعات لتصل إلى منتهاها.
إن مسيرة النهضة لها دون شك ضريبة تتمثل في المقدرة على التحمل والمثابرة من أجل الوصول للهدف، والمناهض الأكبر لتقدم الدول يتمثل في الشائعات المغرضة التي تستخدم كمعول للهدم دون مواربة، وترسخ للسلبية بصورة مقصودة؛ لأن هذه الآفة تقوم على خططٍ واستراتيجياتٍ مدروسةٍ تتبناها دولٌ خارجيةٌ وجماعاتٌ ممولةٌ لها أجنداتٌ خاصةٌ؛ حيث السعي الحثيث لتكدير السلم العام، وإنهاء حالة التعايش السلمي والبدء في نزاعات وصراعات مسلحة، والوصول لحالة الفوضى واللااستقرار بربوع الوطن، وتفكيك النسيج المجتمعي؛ لضمان شق الصف بكل سهولة ويسر، وقبل هذا وذلك العمل على إيجاد حالة من التشكيك وفقدان الثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة الوطنية.
وهذا المعول المغرض يزداد فعاليته عندما تسير الدولة في اتجاه التنمية بصورة متسارعة؛ فحركة البناء والإعمار في أرجاء الوطن الحبيب تثير حفيظة أهل الشر والمكيدة؛ فيجندون كتائبهم من أجل بث مزيد من الشائعات الخبيثة المعني والمضمون، بما يحد من العزيمة التي تحث على العمل المتقن والمتواصل، كما تنال من الوعي الشعبي فتشوهه؛ لكن إرادة المصريين وحبهم لوطنهم ووعيهم القويم وقيمهم النبيلة ستدفع بكل قوة نحو استكمال النهضة والتقدم وتحقيق المستقبل الذي يضمن الحياة الكريمة وحق الأجيال القادمة.
وينبغي أن ننتبه للتقنية التي سارعت من وتيرة نشر وانتشار الشائعات المغرضة في أرجاء الدنيا كلها، وبل واستطاعت بخصائصها المتفردة أن تضخم من حجمها وصورتها؛ فتحدث الأثر النفسي السلبي لدى الفئات المجتمعية المختلفة؛ فينتشر الخوف ويتسرب القلق وتزداد الريبة لدى أفراد المجتمع، وينظر للمستقبل بأن لا يحمل الخير في قابله، وهذا مؤهل أو مسبب أو ممهد لخلق نوع من الاضطرابات التي قد يتلوها فوضى وخروج عن النظام، وتلكما مكمن الخطورة.
ورغم أن الشائعات تُعد معول الهدم ومرسخًا للسلبية؛ إلا أن شبابنا الواعي يمتلك من مهارات القرن الحادي والعشرين، ما يؤهله لأن يبني ويعمر، وينغمس في تنمية مستدامة تحقق آماله وطموحاته المشروعة، وتنقله إلى مربع الرفاهية، في ضوء ما لديه من فكر ابتكاري واستراتيجي يحمل رؤية استشرافية للمستقبل الزاهر، وما يتفردون به من تفوق تقني كفيل لأن يمكن مؤسسات الدولة قاطبة من اللحاق بركاب التقدم في المجالات التنموية مجتمعة.
إننا في احتياج لأن نوفر مقومات الأمن الفكري لدى شبابنا ثروة وطننا؛ إذ إنه يشكل جوهر بناء الشخصية، ويضمن انخراط الشباب في مجتمعهم والمجتمعات الإنسانية مشاركين منتجين فاعلين في مواجهة التحدي، قادرين على تحقيق أهدافهم، راغبين في تصحيح مسارهم، محبين لمن يُهدي إليهم خطأهم ليصلحوه، مقدرين للحرية المسئولة التي تؤكد ما عليهم من واجباتٍ، وما لهم من حقوقٍ، متمسكين بنسق قيم مجتمعهم كونهم السياج الضامن للبقاء والاستقرار والنماء.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر