مضى شهران على رحيلِ والدي، أخرجت امي مفتاحاً من جيبها ثم قالت .. بني سمير أوصاني والدك أن أعطيك مفتاح بيتنا الثاني واوصاني ايضاً أن تذهب وحدك له و أن تكون أول من يدخله .. أحسستُ بنوعٍ من الحرقةِ وانا آخذ المفتاح وأدسه في جيبي. كنت انا الأبن البكر الذي تحمّلَ من السنوات امرّها لاعانةِ الأسرة وكنت دائماً اعاتب ابي لانهُ لم يدّخر شيئاً للزمن غير بيت ثانٍ بمساحةِ بئيسة، هو ستونَ متراً لو بِيعَ فلن يستطيع أن يسدد جزءاً يسيراً من الديون المترتبة عليّ ، لكن حمدت الله كثيراً وقت ترك والدي مبلغاً مالياً بسيطاً لترتيب امور الدفن بعد موتهِ وبغيرها كنت سأستدين بكل تأكيد . إشترى والدي بيتنا الثاني سنة سبعين وكان بحجرةٍ واحدةٍ وشباكٍ واحدٍ مطلٍ على الزقاقٍ و مغلقٍ باحكام شديد . لا احد من الأسرةِ يمكنه أن يدخل هذا البيت غير ابي ولا احد يدري لماذا ، حتى والدتي ظلت تجود باستغرابها إلى هذه اللحظة . قررتُ صباح اليوم التالي أن اذهب الى البيت وهناك حدث مالم يكن متوقعاً ابداً ، لقد كان شيئاً خيالياً او هو والخيال على طرفٍ واحد . فتحتُ الباب، كان الظلام وقتها والغبار وخيوط العناكب تسيطر على المكان بأسرهِ . ضغطت على زر الكهرباء فقدح مصباح يتدلى وسط المدخل الصغير .بجانبِ باب الحجرة الوحيدة لصق ابي رسالةً كُتبَ فوق ظرفِها ..اقرأ الرسالة قبل أن تفتح الحجرة ..فتحتُ الرسالةَ وهذا ماهو مكتوب فيها ..بسم الله الرحمن الرحيم
” عزيزي سمير ، لايوجد اب في الدنيا لا يتمنى أن يتركَ لأبنائهِ ما يتعكزون عليهِ في السنوات العصيبة لكنني يابني وقتها لم اكن امتلك المقدرة الجسدية الخارقة ولا الرؤية التجارية الفذة التي تؤهلني لجمع المال وتحويله الى بيوتٍ واراضٍ واطيان . لكنني حين ظهيرةٍ وبعدَ أن فركت رأسي لعبتُ لعبةً يمكنني من خلالها توريثكم شيئاً على أقل تقدير . سنة سبعين اشتريت هذا البيت الواقف به الان وبدأت بتطبيق الفكرة .. كنت اشتري كل شهر تقريباً ساعات يدوية اصلية فريدة الاشكال وساعات جدارية واضعها في هذه الحجرة ، اشتري العاب اطفال و اقداح كريستال وفخاريات، راديوات عراقية واجنبية ، مصابيح من ماركة فلبس . اشتري نظارات شمسية وقبعات وملابس والات قيّمة، اشتري لوحات باسعار بخيسة لفنانين تصوّرت أن سيكون لهم شأن في المستقبل ، اشتري مؤلفات لشباب ، اعمال نحتية بفلاسين ، صوّرت الأماكن الجميلة التي كنت اتوقع أن تحال الى خراب وتكوّن لك ارشيف من الصور الفوتوغرافية التي لاتقدر بثمن. خمسون عاماً وانا منشعل بتجميع هذه الاشياء لاعتقادي انها ستكون ذات قيمة وثروة في الوقت الذي تعيش فيه. هناك اكثر من ثلاثة الاف قطعة مختلفة التواريخ والمناشئ كلها غير مستخدمة مع تحف فنية اعتقد انها فريدة ومختارة بدقة تستطيع أن تبيعها لاهل الاختصاص أو أن تجعلَ من هذه البيت الصغير مُتحفاً لها مقابل رسم دخول بسيط . تجمع الفلس على الفلس وتكوّن ثروة ، ربما ستضحك او تأخذك السخرية لدرجة أن تقول في سرّكَ.. ” ميراث هذا ام طيحان حظ” لكن صدقني هو ما استطعت أن اتركهُ كأرثٍ لكَ ولاخوتِكَ. وقت الحصار كنت اخرج من المدرسة بعد إنتهاء الدوام للعمل في علوة الاعلاف مقابل اجر بسيط ومع ذلك حافظت على البيت وهذه الاشياء التي لا أدري إن كانت ستكون لها قيمة او لا . بني هذا ما استطعت فعله من اجلكم سامحني وارجو منك إبراء ذمتي إن قصرت في حقك او حق اخوتك وتأكد بأن المال هو جزء يسير من الإرث لأن الحقيقي منهُ هو أن يغرس فيكم الأب خلقاً رفيعاً وعلماً يقودكم للنور . كل ابٍ يظلُ قلبهُ مشدوداً الى ابنائهِ حتى وهو في صندوقهِ الخشبي مرتحلاً صوب تربتهِ الاخيرة . سامحني بني لأنني اتعبتك جداً لدرجةِ ان تركت دراستك الجامعية من اجلِ اعانتي . عساي اكون قد برّدت قلبك وادخلت الفرح الى روحك.. بني الغالي ..امك ثم امك ثم اخوتك ثم اكمال دراستك ، ثمة سر صغير موضوع بين كومة الحاجيات هذه ربما سيتفعك في شيءٍ بني …فتحتُ بعدِها باب الحجرة وإذا بالأغراض قد رُصّت على بعضها البعض ، رحتُ أقلّبُ وأتأمل واعاين بدهشةٍ وليدة وانا ارسمُ ابتسامةً تُخبرُ عن ارتياحٍ شفيف ،
صدفةً و اثناء التقليب وجدت تحفةً صغيرة على شكلِ مصابحِ علاء الدين رُبطت فيها ورقة باحكام . بعد ان فتحتها للقراءة وجدت إن ابي كان قد كتب فيها ..” بني سمير ، لو فركت هذا المصباح الف سنة فلن يخرج لكَ المارد ابداً لا تعوّل على الحظ بل افرك رأسك وسترى كل الاشياء الجميلة وستحصل على كلِ شيءٍ ترغب، هذا هو السر الأخير والسلام “