أرسَلت أحدى الوكالات لبيع الأحذية أثنين من مندوبيها إلى جزيرة منعزلة، لبيع الأحذية هناك ،وحين أدرك البائع الأول أن السكان يسيرون حفاة ولايرتدون الأحذية صٌدِم ، وأرسل برقية فورية إلى المكتب الرئيسي في شيكاغو قائلا :
_سأعود غدا ،لا أحد هنا يرتدي الأحذية.
في حين غمرت الفرحة البائع الثاني وأرسل برقية فورية إلى المكتب الرئيسي في شيكاغو يقول:
_ أرجو أن ترِسلوا لي عشرة آلاف حذاء ،الجميع هنا يحتاجون إليها.
يذكر تلك القصة جون سي .ماكسويل في كتابه (أساسيات التوجه الذهني ).
والتوجه الذهني هو الattitude بمعنى السلوك الذي تتبناه في تفكيرك.
نفس الموقف ،نفس المكان ،نفس الظروف ،لكن فكر الرجلان بطريقة مختلفة تماما ،أحدهما استثمر الوضع لصالحه وصالح الوكالة والثاني أصيب بالإحباط وبعث احباطه هذا في برقية ليحبط معه الوكالة بمن فيها.
حين أهداني أستاذي القدير الدكتور سامي سلمان أستاذ أمراض المفاصل في كلية الطب كتابه (طبيب تحت التدريب) ،قلت :شكرا أستاذ ،سيفيدني هذا الكتاب كثيرا .
وأثناء قراءتي ،وجدت أستاذنا يروي قصة مؤلمة لطفلة قتلها والدها .
مهلا ،لاتقطبوا جبينكم غضبا ،فهو لم يتعمد قتلها ،لكنه قتلها بتوجهه الذهني الخاطئ، وهذا أتعس.
يقول أستاذنا، في أحدى الليالي وأثناء مناوبتي كمقيم دوري في مستشفى الحميات ،أتى رجل يرتدي عقال وعباءة ، ويبدو عليه اليسر والغنى ، ومعه ابنته التي تصدر من حنجرتها حشرجة وتشكو من ضيق تنفس بالغ ، ومع بقية الأعراض تبين لي أنها مصابة بالدفتيريا الخناق Diphtheria ، وفقط أحتاج للفحص المخبري ليؤكد لي الإصابة ،لكن لابد من إجراءٍ طارئٍ وسريع الآن لإنقاذ حياتها وإلا ماتت اختناقا .
فتحة صغيرة في القصبة الهوائية يجريها جراح الأنف والأذن والحنجرة ،نضع فيها انبوبا للتنفس tracheostomy ، وهذا الإجراء كان حينها قانونيا يحتاج إلى موافقة (خطية) من الوالد .
يقول سألني الأب : (هل أنتم متأكدون تماما أنها مصابة بمرض الخناق)؟؟
رد أستاذ سامي ، (نشتبه بإصابتها ونتيجة التحليل المخبري لن تظهر قبل ٢٤ ساعة وحينها ستكون الطفلة في عداد الأموات إن لم ننقذها حالا بفتحة للتنفس ،فحنجرتها مغلقة تماما بنسيج سميك بسبب التدفتيريا ولايدخل الآن إلا القليل من الهواء إلى رئتيها)
فكر الوالد قليلا ثم قال :
(لا ،لن تموت ،فقد أصيب ابن اختي بالخناق قبل أسبوع وتعافى بعد يومين،لن أعمل عملية لها إعتمادا على اشتباه، سوف أخذ ابنتي إلى أفضل الإختصاصيين غدا وأتأكد من التشخيص).
ورغم كل محاولات أستاذنا sami salman لإقناعه إلا إن رفضه كان قاطعا، فاضطر الأستاذ لوضع الطفلة في خيمة الأوكسجين وحقنها بالمضادات الحيوية وعند شروق شمس اليوم التالي ماتت الطفلة ،مختنقة .
وهكذا ، ببساطة شديدة طريقة تفكير الرجل كانت حدا فاصلا بين الحياة والموت.
لم ينظر للمهم والأهم ،لم يفكر في الطارئ والواضح والطفلة أمام عينيه بالكاد تتنفس ،بل فكر بصعود السلم من أوله درجة درجة ،بالفحص المخبري ،بالإختصاصيين الكبار،بحماقته لو صدق مقيما دوريا مايزال غضا لم يطلب سوى فعل شيء طارئ لأنقاذ الطفلة من الإختناق،(كان الأستاذ سامي سلمان مقيما دوريا في ذلك الوقت)
وهكذا، الإتجاه الذي يذهب نحوه تفكيرك هو من يرسم لك مستقبلك .
فالأقدار والظروف تحتل نسبة 10% من تشكيل حياتنا وال 90% الباقية تشكلها ردود أفعالنا على تلك الظروف حسب بحث ونظرية ستيفن كوفي steven kovi كاتب ومؤلف أمريكي صاحب أشهر كتاب (العادات السبع للناس الأكثر فعالية).
في أحد البلدان المتطورة جدا والتي يكاد دخان مولداتها الكهربائية الأهلية يخلع طبقة الأوزون عن بكرة أبيها فيفتح اتصالا مباشرا مع السماء السابعة لتصل دعوات سكانها بلاحواجز تمنعها ،حيث توفيت منظومة الكهرباء الوطنية منذ عقدين ونصف ،مدت الجسور الضخمة أجسادها فوق المدينة،وكأنها عمالقة تمارس لعبة المصارعة فيما بينها، بينما ترزح تحتها شوارع المدينة تشكو عشوا ليليا من قلة الإضاءة ، فقد رحم الله كهرباءها منذ زمن بعيد، وقد فتحت تلك الشوارع اللجوء الإنساني لعواصف الغبار الهاربة من ظلم البلدان الخضراء المجاورة، فصار لونها اصفرا مغبرا ،وأعلنت مقاطعتها لتلك الكائنات الحية الضارة ،التي تبث الأوكسجين لتلطف الجو ،وتظلل ناس ذلك البلد من سياط شمسه الفتية نهارا ،وتضفي اللون الأخضر على شوارع الغبرة والكآبة ،ولا أذكر أسم تلك الكائنات فقد نسيته من طول فراقها، لكنني اذكر أن لونها كان أخضرا، ويوجد حرف ال(ش)في أسمها ،ربما كان أسمها (أشجارا) ،لم أعد أذكر تحديدا.
لكني أعتقد أن هذا التوجه الذهني الذي رسم للمدينة هذا المصير هو توجه سليم جدا وإيجابي .
فلننظر للجزء المملوء من الكأس ،ولنكن متفائلين قليلا.
فلو تم إصلاح المنظومة الكهربائية بدل غزو الجسور العملاقة ،لأصيب الناس بالسمنة المفرطة من كثرة التهام الطعام من الثلاجة ،والنوم الطويل تحت الهواء البارد المنعش ،وكل هذا بسبب التيار الكهربائي المستمر المزعج ،سيختبئ الجميع في منازلهم متنعمين بالضوء والبرودة والراحة بدل الخروج إلى قيظ الشوارع ، وهكذا ستزداد المشاكل العائلية ويناكد الزوج زوجته والأولاد أبيهم .
لكن ماأجمل أن تهرب من البيت بحجة الحر وانقطاع الكهرباء والماء ، فتذهب لتفترش الأرض تحت أحد تلك الجسور التي مَلأَت جسد المدينة ،تجمع رفاقك ،تعمر أركيلتك ،ويستمر السمر حتى الفجر،وستتخلص من كيلوغراماتك الزائدة تلقائيا لأن الطعام يتعفن في ثلاجتك ،لا كهرباء ،لا اجهزة تعمل ،لاطعام لتفترسه،لازيادة في الوزن ، وحيث الظلمة والحرارة اللاهبة داخل المنزل ،سيهرب أفراد العائلة كل إلى وجهته ،تحت الجسر في جلسة سمر،إلى المول حيث الهواء البارد من منظومة التبريد المركزي الرائعة ،إلى الكافيهات والمقاهي، وإن كنت ذكيا تهرب إلى (الجم) تمارس الرياضة في جو شبابي يفيض حيوية .
ما أجمل انقطاع التيار الكهربائي !! ،إنه يجنبنا المشاكل الأسرية والصراع والنكد ،ويحافظ على رشاقتنا .
هذا هو التوجه الذهني السليم (اي لعد شعبالكم)!!
فليس المهم أن ننقذ الطفلة التي ستموت اختناقا كما فعل الرجل في كتاب (طبيب تحت التدريب) ،بل المهم أن نتطور ونحسن من مظهرنا ويعالجنا أفضل الأختصاصيون غدا ، ثم مافائدة أن تبيع الأحذية في جزيرة كل سكانها حفاة !!
دعهم حفاة ،فالمشي بقدمين حافيتين يحرك عضلات القدم وينعشها ، ويفرغ الطاقة السلبية من الجسم .
نعم ، كن أيجابيا وفكر بنصف الكأس المملوء، هذا إن كنت تملك كأسا من الأساس أيها الإيجابي.