يقول القائد العسكري نابليون بونابرت: “الشخص الأكثر صمودا ليس الذي يفوز دائما، بل الذي لا يستسلم أبدا”.
منذ طفولتي وأنا أراقب الحياة في صمت مطبق، إذ كنت أرى أيامها يرتكبون الناس الخطيئة باسم الدين، ويقترفون الجريمة باسم الشرف، ويسرقون باسم الفقر والجوع، ويبيعون شرفهم ويحلون عرضهم تحت مسمى الحكمة الميافيلية التي مفادها “الغاية تبرر الوسيلة”. هكذا كنت أراقب بتذمر كبير في إعلام صريح مني رغم صغر سني على أني كنت أعيش في بيئة همجية للغاية.
فهؤلاء موسومون بالأعراف والعادات والتقاليد، وأولئك يمارسون العنصرية والتمييز دونما أن يشعرون بذلك إذ ترى بعضهم بفتخر بانتمائه لهاته القبيلة وأولئك بانتمائهم للقبيلة هناك وهكذا وذاك، وبالنسبة لي فلم أحبذ يوما ما أن أتبجح بانتمائي لأية قبيلة كانت اللهم على سبيل الذكر فحسن دون التباهي أو التماهي، نضج ذكائي الفطري وأنا لازلت طفلا عرضني للكثير من الأحداث، وجعلني وجها لوجه في مواجهة مع الحياة وتارة أخرة مع أحد الذئاب البشرية كلها معارك الحياة التي تنال منا ألما وتصيب منا جرحا نفسيا لكن لا شيء من هذا الأمر أتنى عزيمتي أو أحبطني أبدا.
فكم من مرة فشلت، وكم من مرة جعت، وكم من مرة مرضت، وكم من مرة تعريت، وكم من مرة تعرضت للظلم، وكم من مرسة موست في حقي القسوة بلا رحمة، وكم من مرة وجدت نفسي مضرا للنوم في الشارع العام سواء أكان الجو حرا أو ممطرا، هكذا كانت حياتي إبان مرحلة طفولتي إذ لم أجد بجانبي أي أحد لكي يساعدني، فأبي كان قد قرر تطليق أمي وأنا طفل صغير جدا، وأمي غاليا ما تكون خارج المنزل نتيجة لاكراهات الحياة التي أجبرتها ظروفها بالمغيب عنا قبل شروق الشمي والعودة إلينا في المنزل بعد الغروب، عكذا غربت أحلام طفولتي، وهكذا أفلت طموحاتي، لكن رحمة الله وسعت كل شيء، ولم أكن أتوقع يوما ما بأن كل هاته المحن والأومات والصعاب التي مررت بها ما هي إلا تجارب قاسية للغاية من شأنها أن تجعل مني شخصا أحد الاثنين، إما رجلا في المستقبل ذو شخصية قوية وشجاعة كبيرة وحنكة عظيمة، وإما رجلا فاشلا ومستسلما للحياة ونكباتها ومتصفا بالشخصية الانهزامية، والحمد لله رب العالمين بأني كنت ذالك الرجل الأول الحامل للصفات الذكورية والمقومات الانسانية التي أسسها المبادئ الأخلاقية، حيث يقول رائد المال والأعمال الأمريكي والت ديزني: “تتطلب القوة الحقيقية أن تتحدى الأخطار دون خوف، أن تتغلب على الصعاب بمثابرة، وأن تستخدم الفشل كفرصة للنجاح”.
هكذا كنت، وهكذا عشت، وهكذا أنا اليوم، إذ لا مجال للاستلام أمام إكراهات الحياة المتقلبة الأطوار، ولا مجال للانبطاح أمام شرذمة الذئاب البشرية مهما علا عواؤها، ومهما كشرت عن أنياب، فإنها ستبقى دوما وأبدا ذئابا بشريا فيما الأسود هي أسود أبد الدهر ومهما طال الزمان، أي نعم قد تتغلب الذئاب البشرية أحيانا على الأسد لكن ليس ندا لند، بل معروف عنها أن تهاجم في جماعة متشرذمة، فيما الأسد لا يحتاج لمن يسانده كونه خلق ليقاتل من أجل النصر أو الموت قبل إعلان الهزيمة.
هذا مختصر الكلام الذي ينبغي أن يتعلم منه شرذمة الذئاب البشرية الجبانة كل الجين إذ لا تحارب الأسد الغضنفر إلى من وراء حجب وخفية أو عن ظهر الغيب فيا له من جبن ما بعده جبن .