أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة _ جامعة الأزهر
يشكل الأمن القومي المصري في بُعْدِهِ الثقافي أهمية بالغة؛ إذ يساهم في بناء وتنمية الهوية لدى الإنسان من خلال ما يقدم من ألوان الأدب والفنون والعلوم والتراث واللغة والعادات والتقاليد، والقوانيين، والأعراف، وهذا في مجمله يعبر عن الثقافة، ومن ثم فالعلاقة بين المكون الثقافي والانتماء الوطني وطيدةٌ وتؤثر على الأمن القومي تأثيرًا مباشرًا؛ ونظرًا لعمق أغوار الثقافة المصرية نجد أن هوية المصريين متجذرةٌ، ومهما اختلطت بثقافاتٍ أخرى، نلاحظ أن خصوصيتها متفردةٌ وتستطيع أن تستوعب سائر الثقافات المختلفة.
ونوقن بأن التراث الثقافي المصري وما يتضمنه من مكونٍ مميزٍ وفريدٍ ونادرٍ له دورٌ في التنمية السياحية ومن ثم تُعد رافدًا من روافد الاقتصاد القومي؛ حيث إن مقصد المزارات السياحية في ربوع مصر تقوم على مطالعة السائحين للثقافة المصرية في عصورها المختلفة بدايةً من العصر الفرعوني وانتهاءً بالعصر الحديث، ناهيك عن اللمسات التطويرية التي قامت به الدولة المصرية في الآونة الأخيرة بفضل توجيهات القيادة السياسية للحفاظ على التراث الثقافي والهوية وتنشيط السياحة المصرية.
وعبر أرض الفيروز وجغرافيتها الساحرة؛ حيث تتميز بجمالها الطبيعي وتنوعها البيئي الفريد، وتضم الكثير من المعالم السياحية الشهيرة التي تتميز بها مصر، مثل جبل سيناء وكاتدرائية سانت كاترين وشرم الشيخ والغردقة، كما تحرص الدولة على إحداث تنمية ثقافية وسياحية وزراعية وصناعية وتجارية تنافسية؛ حيث تشكل مدخلًا وممرًا متميزًا ليس له مثيل في الشرق الأوسط؛ إذ تعد شبه جزيرة سيناء بوابة مصر الشرقية، وتعتبر سيناء الجزء المتميز من جمهورية مصر العربية، ويحدها شمالًا البحر الأبيض المتوسط وغربًا خليج السويس وقناة السويس، وشرقًا قطاع غزة وإسرائيل، وخليج العقبة، وجنوبًا البحر الأحمر، لذا تُعدٌ حلقة الوصل بين قارتيّ أفريقيا وآسيا.
وفي هذا السياق أكد وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو أن سيناء جزء عزيز على قلب وعقل كل مصري ومن ثم تضع الدولة، ووزارة الثقافة على رأس أولوياتها تقديم الخدمات الثقافية للمناطق والمحافظات الحدودية على وجه الخصوص، وفي ضوء ذلك استقبل الوزير وفدًا من مشايخ محافظة شمال سيناء؛ بغرض مناقشة عدد من الموضوعات التي تخص المشروعات والمواقع الثقافية بمدن شمال سيناء، وخطط تطويرها ورفع كفاءتها.
والمطالع لبحور الثقافة المصرية الراسخة يجد أنها تؤكد على ماهية وأهمية وكيفية تعضيد أطر التواصل بين الشعوب، بل وبين الشعب وحُكامه، كما تعبر بصورةٍ جليةٍ على صورة الاندماج الاجتماعي الرائعة في مكونها بين أطياف المجتمعات، ومن ثم قرر وزير الثقافة صاحب الفكر المستنير والتخطيط المستقبلي، تخصيص أحد المكتبات المتنقلة، بالتعاون مع مكتبات مصر العامة، لتجوب قرى ووديان شمال سيناء، وتقدم الخدمات الثقافية المتعددة بالمناطق المحرومة من وجود المواقع والخدمات الثقافية، إضافة إلى العمل على توثيق التراث السيناوي غير المادي بجميع عناصره، من خلال تكوين فرق عمل متخصصة من وزارة الثقافة، بالتعاون مع حفظة هذا التراث الثقافي الغني، والمتخصصين، لتكون جزءًا من خطة عمل الوزارة لتوثيق وحفظ وحماية تراث مصر غير المادي.
وهذا يدل على دورٌ وزارة الثقافة واستراتيجيتها الواضحة في تنمية الجانب الثقافي لدى أبناء الشعب العظيم؛ فهناك دعمٌ متواصلٌ ومستمرٌ لكافة فنون الثقافة المصرية؛ حيث أن هذا الدعم يقدم في صورته المادية والمعنوية للقائمين على رفعتها من فنانين ومبدعين وأصحاب الفكر الراقي، ومن لهم المقدرة على صناعة المعلومات المرتبطة بالإنسانيات التي ترفع من قيمة المجتمع وتعلى من قدره، وعلى أرض المحروسة وتحت رعاية الدولة وإشراف وزارة الثقافة تقام العديد من الفعاليات والمهرجات والاحتفالات الثقافية التي تزيد من الالهام، وتعزز من المواطنة لتاريخٍ يستحق نشره وسبر أغواره.
وإيمان الدولة المصرية بأن الثقافة من مقومات الأمن القومي يتأتى من مسلمة امتلاك الشعب العظيم لوجدانٍ قائمٍ على مواطنةٍ صحيحةٍ تساعده في أن يحافظ على تراثه الثمين ويعتز ويفتخر به؛ فالعالم يشهد بأن الاهتمام بالحضارات تقاس بمقدرة الدولة في الحفاظ على عمق التاريخ وأصالة المعدن، ومقدرة الشعوب على التحمل؛ لتواصل نهضتها وتقدمها وازدهارها في شتى المجالات، وفي هذا السياق عزم وزير الثقافة على العمل الجاد حيال تطوير ورفع كفاءة قصر ثقافة بئر العبد، والعمل على إقامة مركز تدريب للمرأة، ببئر العبد يكون مخصصًا لتقديم أنشطة لتمكين المرأة ثقافيًا واقتصاديًا من خلال تدريبهم على الحرف اليدوية والتراثية.
ونود أن نشير إلى ما تبذله وزارة الثقافة المصرية من جهودٍ في الحفاظ على تراثنا الثقافي ومقدراتنا التاريخية على الأراضي المصرية والعمل الدؤوب تجاه تطويرها لتتناقلها الأجيال تلو الأجيال؛ فهي تحمل رسالة الولاء والانتماء والفخر والعزة والكرامة لوطنٍ يسكن في الأفئدة.