1- تعود العلاقات بين الهند وأفريقيا إلى العصور القديمة لحضارة وادي السند (3300 إلى 1300 قبل الميلاد). كان للمصريين (3150 قبل الميلاد إلى 30 قبل الميلاد) ومملكة أكسوم (100 م إلى 940 م) علاقات تجارية مع الهند القديمة.
2- في العصر الحديث، تعد الهند من أولى المستعمرات التي تحررت من الإمبراطورية البريطانية. وبعد استقلالها، قاد الزعماء الهنود نضالاً طويلاًفي الأمم المتحدة من أجل إنهاء الاستعمار في أفريقيا، وهو النضالالذي لا يزال الأفارقة الأكبر سناً يذكرونه. قامت السلطات البريطانية بنقلأعداد كبيرة من الهنود المهرة إلى مستعمراتها في أفريقيانظراً لقدرتهم على تحدث الإنجليزيةوالمهارات التي يتمتعون بها. ففي العديد من البلدان الأفريقية الناطقة باللغة الإنجليزية، لا تزال مساهمات الأطباء والمعلمين الهنود معروفة على نطاق واسع.
3- بعد أن قدمت أوراق اعتمادي في 5 مارس 2014،كنت أجري محادثة غير رسمية مع الرئيس النيجيري آنذاك السيد/ جودلاك إيبيلي جوناثان. وما زلت أذكر كلماته جيداً: “كما تعلم يا سعادة السفير، لقد تعلم جيل كامل من النيجيريين على يد مدرسين هنود، وتلقوا العلاج من أطباء هنود ونشأوا وهم يرتدون الملابس الهندية ويشاهدون الأفلام الهندية. في أي مكان تذهب إليه في بلادي، ستجد أن بلدك يتمتع بسمعة طيبة على نحو كبير”. وكان هذا الأمر واضحًا جدًا عندما سافرت في أنحاء مختلفة من البلاد خلال فترة عملي كمفوض سام. في ذلك الوقت، كانت نيجيريا تمثل ربع الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا وما يقرب من خمس سكان القارة. كما كانت نيجيريا ولا تزال أكبر شريك تجاري للهند في أفريقيا حيث بلغت قيمةالتجارة الثنائية حوالي 20 مليار دولار أمريكي حتى حرب أوكرانيا. ومع ذلك، ونتيجةلإمدادات النفط الميسرة من روسيا، ربما يكون الموردون الأفارقة قد خسروا في الأمد القريب. وهناك العديد من البلدان الأفريقية التي ستكون لدينا معها علاقات وثيقة مثل هذه.
4- إن أحد المبادرات الهندية التي تحظى باهتمام كبير في أفريقيا هو “برنامج التعاون الفني والاقتصادي الهندي” الذي بدأ في سبتمبر 1964، حيث يقدم البرنامج التدريب لموظفي الخدمة المدنية ورواد الأعمال الجدد والخبراء من خلال دورات قصيرة الأجل تستمر لفترات تتراوح من بضعة أسابيع إلى عدة أشهر. وتؤكد وزارة الشؤون الخارجية على موقعها على شبكة الإنترنت www.itecgoi.in أن هناك أكثر من 225 ألف مشارك من 160 دولة تلقوا التدريب في إطار هذا البرنامج منذ إنشائه، وكان عدد كبير من المشاركين من أفريقيا. ويتمتع برنامج التعاون الفني والاقتصادي الهندي بشعبية كبيرة في أفريقيا لأن التدريب الذي يقدمه مفيد للغاية ويحظى بتقدير كبير من الجميع في أفريقيا.
5- في صيف عام 2008،جاء رئيس معهد التدريب المصرفي الأنجولي إلى مكتبي في لواندا عندما كنت سفيراً في أنجولا. وقال أن دورة برنامج التعاون الفني والاقتصادي الهندي حول التدقيق البيئي هي دورة ضرورية لأنجولا، وأنه بالكاد يحصل على مقعد أو مقعدين في السنة لموظفيه، وهو ما لا يكفي على الإطلاق. وسأل عما إذا كان يمكنه إرسال حوالي 50 مسئولي المعهد إلى الهند لحضور هذه الدورة. كان هناك العديد منهميجيدون التحدث باللغة البرتغالية ولكنهم لا يجيدون الإنجليزية مما كان يشكل عائقًا. فكرت لبعض الوقت واقترحت على الزائر أنه إذا كان بإمكانالحكومة الأنجولية توفير قاعة دراسية مناسبة وسكن محلي ووسائل نقل لأساتذتنا وكذلك المترجمين المحليين للترجمة من الإنجليزية إلى البرتغالية، فسوف أناقش الاقتراح مع السلطات في الهند لإرسالالمدرسين من الهند إلى أنجولا من أجل تنظيمالدورة التي تستمر لمدة شهر. كان سعيداً للغاية بهذا الاقتراح ووافق على الفور. ولم يكن من الصعب إقناع حكومة الهند بالاقتراح الذي يوفر الكثير من المال ويعزز السمعة الطيبة لبلادنا بشكل كبير. ومن ثم، تم تدريب حوالي 50 شخصًا، كثير منهم لديهم معرفة محدودة باللغة الإنجليزية، على يد أساتذة هنود لمدة خمسة أسابيع. يمكن لمبعوثينا في البلدان الأخرى أيضًا القيام بمثل هذه الأفكارالمبتكرة، وهو الأمر الذي من شأن أن يوفر لنا نفقات ضخمة ويسهم في تدريب عدد أكبر بكثير من المتدربين والمدربين ويعزز السمعة الطيبة لبلادنا بشكل هائل.
6- في خطابه الافتتاحي بتاريخ 14 يونيو 2023 خلالالدورة الثامنة عشرة من مؤتمر الشراكة الهندية الأفريقية الذي ينظمه اتحاد الصناعة الهندية وبنك التصدير والاستيراد الهندي في نيودلهي، أبلغ وزير الشؤون الخارجية الدكتور إس. جايشانكار الحضور أن (أ) الهند قدمت قروضًا ميسّرة تزيد قيمتها عن 12.37 مليار دولار أمريكي تم بموجبها الانتهاء من إنشاء 197 مشروعًا (بلغت الآن 206 مشروعًا في 43 دولة)، وكان هناك 65 مشروعًا قيد التنفيذ و81 مشروعًا في مرحلة ما قبل التنفيذ. ومن بين تلك المشاريع، هناك مشاريع لتوصيل مياه الشرب، والري، والطاقة الشمسية الريفية، ومحطات الطاقة وخطوط نقل الكهرباءإلى مصانع الأسمنت والسكر والمنسوجات، والمراكز التكنولوجية والبنية التحتية للسكك الحديدية. (ب) خلال جائحة كوفيد-19، قدمت الهند الدعم الطبي لـ 32 دولة أفريقية، كما قدمت لقاحات كوفيد تم إنتاجها في الهند لـ 42 دولة أفريقية. ونعمل حالياً على تشجيع مصنعي الأدوية ومنتجي اللقاحات الهنود على دراسة تأسيس مشروعات مشتركة لإنتاج الدواء في الدول الأفريقية. (ج) قدمت الهند 42 ألف منحة دراسية منذ انعقاد قمة منتدى الهند-أفريقيا الثالثة عام 2015 في نيودلهي. ومن دواعي الفخر بالنسبة للهند أن العديد من القادة رفيعي المستوى والوزراء والمسؤولين الأفارقة درسوا في الجامعات الهندية. فضلاً عن ذلك، هناك عدد كبير من الطلاب والمسؤولين الأفارقة قد تلقوا دورات تدريبية ضمن برنامج التعاون الفني والاقتصادي الهندي. (د) في إطار المرحلة الثانية من شبكتيe-VidyaBharti و e-ArogyaBhartiاللتان تم إطلاقهما عام 2019 للتعليم عن بعد والتداوي عن بعد، التحق أكثر من 14 ألف شاب من 22 دولة أفريقية بالبرامج الدراسية للحصول على درجات علمية مختلفة. دخلت الهند في شراكة مع الدول الأفريقية من أجل تعزيز التحول الرقمي من خلال إنشاء مراكز تكنولوجيا المعلومات، والمراكز العلمية والتكنولوجية، ومركز تنمية رواد الأعمال، إلخ. (هـ) تركز شراكتنا الإنمائية بشكل قوي على مجالاتالرقمنة وحماية البيئة والصحة والغذاء والمياه. (و) وعلى الصعيد التجاري والاقتصادي، بلغت قيمة التجارة الثنائية بين الهند وأفريقيا 98 مليار دولار أمريكي عام 2022-2023. (ز) منذ سنوات عديدة، تم منح 33 دولة أفريقية من بين 54 دولة وصفتها الأمم المتحدة بأنها “أقل البلدان نمواً” إعفاءً جمركيًا على صادراتها إلى الهند، بما يمثل أكثر من 98٪ من حدود التعريفة الجمركية للهند.
7- في خطابه بمناسبة يوم أفريقيا في 25 يونيو 2024، أشار وزير الشؤون الخارجية الدكتور إس. جايشانكار إلى أنه بالإضافة إلى تدريب ضباط عسكريين من عدة دول في مؤسسات التدريب العسكري لدينا، ساهمت الهند أيضًا في إنشاء أكاديميات وكليات دفاع في نيجيريا وإثيوبيا وتنزانيا. تعمل فرق التدريب في العديد من الدول الأفريقية مثل بوتسوانا وناميبيا وأوغندا وليسوتو وزامبيا وموريشيوس وسيشيل وتنزانيا وغيرها. تعد الهند ثالث أكبر مساهم في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة حيث يشارك ما يقرب من 5 آلاف من عناصرالأمنالهندي حاليًا في خمس بعثات لحفظ السلام في أفريقيا.
8- يعد قطاع الإمدادات العسكرية أحد القطاعات الواعدة في مجال التعاون بين الهند وأفريقيا في ظل التحديات الأمنية المتزايدة في القارة. وقد دعمت الهند هذا القطاع من خلال توفير معدات عسكرية موثوقة وبأسعار معقولة. وكانت الدول الأفريقية الثلاثة الأولى التي استوردت أسلحة هندية الصنع بين عامي 2017 و2022 هي سيشيل وموريشيوس وموزمبيق. وهناك المزيد من الدول التي تنضم إلى القائمة الآن. فقد قامت الهند بتصدير معدات دفاع محلية مثل المركبات المدرعة والقوارب الاعتراضية إلى موزمبيق، مما ساعد على تعزيز استعداداتها الدفاعية وقدراتها العسكرية. وإلى جانب الأسلحة التقليدية، قامت الهند أيضًا بتوريد زوارق دورية وطائرات هليكوبتر خفيفة إلى العديد من الدول الأفريقية. وعلى الرغم من أن إمدادات الأسلحة الهندية إلى أفريقيا تمثل حالياً حوالي 15٪ من إجمالي صادراتها الدفاعية، إلا أن هناك إمكانية لمزيد من النمو.
مستقبل العلاقات الهندية الأفريقية
9- في خطابه أمام البرلمان الأوغندي في 25 يوليو 2018، حدد رئيس الوزراء ناريندرا مودي عشرة مبادئ توجيهية لتعميق شراكة الهند مع أفريقيا – (أ) ستكون أفريقيا على رأس أولويات الهند. (ب) سوف تسترشد شراكة التنمية الهندية بأولويات أفريقيا لبناء القدرات والمهارات المحلية. (ج) ستبقي الهند أسواقها مفتوحة وتجعل التجارة مع الهند أسهل وأكثر جاذبية لأفريقيا. ستدعم الهند استثمار الصناعة الهندية في أفريقيا. (د) ستستغل الهند تجربتها في الثورة الرقمية لدعم تنمية أفريقيا؛ وتحسين تقديم الخدمات العامة؛ وتوسيع نطاق التعليم والصحة؛ ومحو الأمية الرقمية؛ وتوسيع نطاق الشمول المالي؛ ودمج الفئات المهمشة وتمكين شباب أفريقيا من دخول العصر الرقمي. (هـ) تمتلك أفريقيا 60% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، لكنها تنتج 10% فقط من الناتج العالمي. ستعمل الهند مع أفريقيا لتحسين الزراعة في أفريقيا. (و) ستعمل الهند وأفريقيا كشركاء لمعالجة تحديات تغير المناخ لضمان نظام مناخي دولي عادل؛ والحفاظ على التنوع البيولوجي؛ واستخدام مصادر طاقة نظيفة وفعالة. (ز) ستعمل الهند على تعزيز التعاون مع أفريقيا في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف؛ والحفاظ على أمن وسلامة الفضاء الإلكتروني؛ ودعم الأمم المتحدة في تعزيز السلام والحفاظ عليه. (ح) ستعمل الهند مع الدول الأفريقية للحفاظ على حرية الملاحة في المحيطاتأمام جميع الدول. (ط) مع زيادة الارتباطات العالمية مع أفريقيا، يجب على الهند وأفريقيا العمل معًا من أجل ضمان عدم تحول أفريقيا مرة أخرى إلى مسرح للطموحات المتنافسة، بل تصبح حضانة لتطلعات الشباب الأفريقي. (ي) كما حاربت الهند وأفريقيا الحكم الاستعماري معًا، سنعمل معًا من أجل نظام عالمي عادل تمثيلي ديمقراطي يمنح صوتًا ودورًا لثلث البشرية التي تعيش في أفريقيا والهند. ولا يكتمل سعي الهند لتحقيق إصلاحات في المؤسسات العالمية دون ضمان مكانةمتكافئة لأفريقيا. سيكون هذا أحد الأهداف الرئيسية لسياستنا الخارجية.
الخلاصة
10- هناك أربعة مجالات أساسية تتمتع فيها الهند بمزايا نسبية على منافسيها في أفريقيا، وهي الصحة والتعليم والزراعة وقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر. ويحرص العديد من قادة القارة بشدة على أن تقدم الهند الدعم للقارة الأفريقية في هذه المجالات. ففي قطاع الصحة، تضم أفريقيا 20% من حالات الإصابة بالأمراض في العالم، بينما لا يوجد بها سوى 5.5% من إجمالي القوى العاملةفي المجال الطبي عالمياً (3.6 مليون عامل في المجال الصحي من إجمالي 65.1 مليون عامل في المجال الصحي حول العالم). في مجال التعليم، أشار تقرير حديث أعدته منظمة اليونيسف عنالاتحاد الأفريقي إلى أنه على الرغم من تحسن معدلاتقيد الأطفال في المدارس بشكل كبيرخلال العقدين الماضيين، إلا أنه في عام 2019، بلغت معدلات تسرب الأطفال من المدارس الابتدائية 17٪. وتبلغ نسبة التسرب فيالمدارس الإعدادية والثانوية 33٪ و 53٪. وهذا مجال مهم يمكن لأفريقيا والهند العمل فيه معًا. وحيث أن أفريقيا تضم 23٪ من الأراضي الزراعية في العالم و 60٪ من الأراضي الصالحة للزراعة غير المزروعة في العالم، يمكن لها أن تصبح سلة خبز العالم. ولتحقيق ذلك،تتطلع أفريقيا إلى مساعدة الهند لها في هذا المجال. أكثر من نصف سكان أفريقيا البالغ عددهم 1.5 مليار نسمة هم أقل من 19 عامًا. وفي حين يمكنللتكنولوجيا الحديثة والتصنيع واسع النطاق أن يسهما في خلق فرص عمل، فإن قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية في الصغر هو الذي يشكل القوة الحقيقية لخلق فرص العمل أمام طبقة القوى العاملة البازغة والتي يبلغ حجمها حوالي مليار عامل في أفريقيا خلال السنوات القادمة. تمتلك الهند الخبرة والمعرفة في هذا المجال، وهي الخبرة التي ستستفيد منها أفريقيا بشكل كبير.