يتيمة محدودة الجمال ، تركت المدرسة رغما عنها لتعمل بالبيوت ،شاء حظها أن تعمل في بيت موظف كبير هاو للغناء والموسيقى ، كانت النغمات والمعزوفات الموسيقية من صاحب البيت وأصدقائه من العازفين والشعراء سببا في تمسكها بخدمتهم بكل سعادة ،وخاصة لطيبة زوجته ورقة ابنته الوحيدة التي تتلقى دروس البيانو ،اللتين كثيرا ما طربتا لغنائها أو دندنتها وهي وحيدة تقوم بأشغال البيت ، كانت الموسيقى الألحان كلمة السر التي جعلتها تنسى تماما يتمها ووحدتها ،قمة سعادتها في تواجدها بذلك البيت بأصحابه والمترددين عليه من السميعة والعازفين والموهوبين والمحبين للطرب ،الذين يألفونها كثيرا ،ذات يوم كان أحد مخرجي الإذاعة غاضبا لسفر أحد المطربات قبل أن ينهي الأوبريت المطلوب والذي تحدد موعد إذاعته ،وخاصة أن موعد عودتها سيكون بعد انتهاء الموعد ،كاد يجن ،يضرب أخماسا في أسداس ، سمعتهم سيدة البيت ،أرسلتها في طلب زوجها ، لقد سمعت الحديث كله وعندي الحل ،هل عندك مطربة أخرى ؟،نعم ،أين ؟.ومن هي ؟،أقرب مما تتصور ، هي هنا معنا ،معنا أين ؟،ابنتنا جميلة ودارسة للموسيقة ومستواها يتقدم يوما بعد يوم في العزف ولكن ليس إلى درجة الغناء،خاصة وأن صوتها مبحوح ،ناهيك عن خجلها الشديد ،وتعلمين أن هناك من أبناء الأسر الكريمة من معارفنا من طلب يدها للزواج ،اهدأ ..ليست ابنتك بل …..،الشغالة ،هل تمزحين ؟،أنا سمعتها وتعلم أنني سميعة جيدة ،هل تغن؟،كثيرا ونطرب لها أنا وابنتك ،إذن ..تعالي يا….، أريدك أن تغني بصوت عال حتى يسمعك الضيوف الجالسين في الصالون وأنا بينهم ،أغني ،ربتت السيدة على كتفها نعم تغنين ، حفزتها السيدة على الغناء فغنت بثقة كبيرة وسط دهشة الحاضرين واستماعهم بشغف،وامتدت يد كل منهم بالعزف على آلته الموسيقية ،العود ، الكمان ،القانون ،الإيقاع ،انسجم الجميع وانتشوا لصوتها وما إن فرغت من الغناء وفرغوا من العزف ،صفقوا جميعا ،وتساءلوا عن صاحبة الصوت فناداها ،وكانت مفاجأة رائعة ، المخرج الإذاعي فرح كثيرا ، ستكونين مطربة الأوبريت ،ولحظك معظم الجالسين أعضاء في لجنة الاستماع بالإذاعة ، سأمر عليك غدا أصطحبك لنحفظك الأغاني ونسجلها ، أذيع الأوبريت وغنت بتوفيق وجمال ،وهي تعيش في ذات البيت بيد أنهم استعانوا بشغالة أخرى وعاملوها معاملة خاصة ، ولم يبخلوا عليها بثياب ولازينة فلقد عاشت معهم خمسة عشر عاما ، تحسنت أحوالها المادية كثيرا ،استأجرت شقة قريبة منهم ، أصبحت نجمة غناء في الإذاعة ، خاف عليها الجميع من الصحفيين وتنمرهم على شكلها ،برغم الكوفيرات ، ومحاولتها تجميل نفسها لتعجبهم وإن كانت متصالحة مع ذاتها ونفسها ولم تفكر من قبل لا في حسن ولاجمال ، فلله حكمته أن نشأت يتيمة ولطف بها لتواجدها بين هذه الأسرة الطيبة ،والله أنعم عليها بالصوت وقدر لها شكلها ،مقتنعة أنها ليست دميمة ،ولا مجردة من الجمال لابد أن بها جمالا سيراه أحد يوما ما ، خاف متعهدو الحفلات من الاستعانة بها رغم مطالبة الجمهور بحفلات لها وذلك تجنبا لتنمر المطربات المنافسات أو بعض الجمهور ،ولما وقفت على السبب،لم تستسلم أصرت ،طلبت أن تحيي حفلة لأحد كبار المتعهدين مجانا ، تبرع أحد كبار شعراء الأغاني المؤمنين بجمال صوتها بعدة أغان لها ،واجهت الجمهور ،غنت ،أطربت الجميع ، بأدائها وروعة الكلمات وصدق أدائها ،دوت صيحات الإعجاب والتصفيق ،وتعاملوا معها وقد رأوها جميلة الجميلات ،وكان في الصف الأول مخدومها السابق وزوجته وابنته وخطيبها وكل أصدقائه يبثونها الحب والثقة والأمل.