إن حرب السادس من أكتوبر المجيدة تظل حية ومتجددة باستمرار، وتدرس لما تحمله في طياتها من عديد القيم والعبر، التي يمكن الاستفادة منها وتوظيفها في مختلف السياقات، حيث تُظهر انتصارات السادس من أكتوبر قوة الإرادة والعزيمة في مواجهة التحديات، مما يُلهم الأجيال الحالية والمستقبلية، ويؤكد على أهمية الوحدة والتضامن بين أبناء الوطن لتحقيق الأهداف المشتركة.
ومن ثم تبرز أهمية التخطيط الاستراتيجي والقدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، وهو من الدروس الأساسية في أي سياق، مع التأكيد علي ضرورة تطوير القدرات العسكرية والتكنولوجية لمواجهة التحديات الأنية والمستقبلية، كما تعكس انتصارات أكتوبر أهمية الإيمان والعزيمة وقيمة الكرامة الوطنية والسيادة والولاء والانتماء والمواطنة، مما يؤكد الوعي بأهمية حماية الوطن، ومن ثم تبقى حرب أكتوبر المجيدة حية بقلوبنا وذاكرتنا، وتستمر في إلهامنا جميعا، بأهمية امتلاك القوة ووحدة الصف والتخطيط الاستراتيجي الجيد؛ لمواجهة التحديات بكافة أشكالها واستمرار السعي الدائم نحو تحقيق مستقبل أفضل.
وقد اثبت انتصار السادس من أكتوبر، أن الغرور بالقوي والتأييد المطلق، يمكن أن يؤدي إلى السقوط، خاصة في سياق العلاقات الدولية بين الأفراد والمجتمعات والدول؛ فالغرور ناتج عن الشعور بالقوة المطلقة والسيطرة، يؤدي لتجاهل العواقب المحتملة للأفعال، فعندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية مع الجيران أو المحيطين، يمكن أن تتحول هذه القوة إلى نقطة ضعف، ومن ثم فالسقوط المعنوي والمادي هو نتيجة حتمية ومباشرة للغرور بتلك القوة، حيث أن الاستهانة بالآخرين وتجاهل سيادتهم وآمنهم وسلامتهم يؤدي إلى الخذلان والسقوط وفقدان الدعم والتأييد، برغم مما يمتلكه من قوة ظنَّ في لحظة أنها لا تقهر؛ فهذه الديناميكية تُظهر أن القوة ليست كافية للحفاظ على المكانة أو النجاح، بل إن القوة لابد لها من حكمة تحافظ عليها، إلي جانب التفاهم والتواضع والاحترام المتبادل للسيادة والاستقرار؛ لبناء علاقات طيبة ومستدامة.
وفي هذا الصدد نؤكد علي أهمية استثمار القوة في البناء والتنمية بدلاً من العدوان و الطغيان فمن خلال توجيه الجهود نحو تحسين الذات والمجتمعات يُعد ذلك الخيار الأمثل، لتنظيم الصفوف ومواجهة التحديات؛ فالعدوان والطغيان علي الآخرين ليس حلاً ولا يؤديان إلا إلى الفوضى ومزيد من العنف والإرهاب، وهذا امر مرفوض بالإجماع وعلي كافة الأصعدة، ويُفضل استغلال القوة في البناء والتعمير في الأرض، والاستعداد الدائم لمواجهة التحديات والأعداء داخليا وخارجيا، وتقوية العزيمة والتمسك بالأيمان والقيم الثابتة فهما مصدر أساسي للقوة الحقيقة، إلي جانب وضع خطط تتضمن أولويات واضحة وإبرام شراكات حقيقة مع الأصدقاء لتقوية المواقف داخليا وخارجيا ويكون له تأثير كبير في مواجهة الأعداء، مع الاعتماد بصورة مطلقة على الذات ولا نجعل نجاحنا مرهونًا بمساعدة الآخرين، بل الاعتماد على الله سبحانه وتعالي ثقًة ورجاءً، والوثوق بالشعوب؛ فقوة الشعوب وعزيمتها وقدرتها على النهوض هي ما يصنع الفارق، فالتضامن والروح الجماعية لا يمكن قهرها وهي القوة الحقيقة لتحقيق النجاح والاستمرارية في مواجهة كافة التحديات مهما بلغ عنفوانها.
وهناك أهمية قصوي للتخطيط والاستعداد في تحقيق النصر وامتلاك القوة؛ إذ إن النجاح لا يأتي مصادفة، بل يحتاج إلى تحضير مسبق وفهم عميق للخصم والتهيئة للمفاجآت والاستعداد لمواجهة ردود الفعل المحتملة من العدو، فالمفاجآت قد تُغير مجرى الأمور، مع استمرارية العمل بنفس الإيمان والقوة والثقة للحفاظ على مكاسب النصر وتثبيت الأقدام في الميدان، مما يتطلب عملًا مستمرًا، فالتراجع ليس خيارًا، ولكن لابد من التوازن في اتخاذ القرار وصناعته بخبرة ودراسات متعمقة؛ لضمان تحقيق الأهداف المنشودة عند مواجهة مكاسب العدو، وامتلاك القدرة على التوقف بذكاء لإعادة ترتيب الوضع والبعد عن التهديد والترقب وتحقيق الاستقرار والأمان من منطلق الحكمة والقوة ؛ فالنجاح بأي معركة يتطلب إيمانًا قويًا وتخطيطًا دقيقًا واستعدادًا دائمًا، مع التركيز على المكاسب والتعلم من الأخطاء والاستفادة من التجارب السابقة وصولًا إلى الأهداف وتحقيق النصر.
وتبرز العلاقة بين التنمية المستدامة والسلام الدائم، في أهمية القوة بسياق مفاوضات السلام حيث أن نجاح مفاوضات السلام يعتمد على القوة التي يمتلكها الطرف المفاوض، فلا يمكن السماح بفرض السيطرة على سيادة الدولة؛ فالسلام الدائم هو السلام الحقيقي الذي يتحقق من خلال قوة حقيقة علي أرض الواقع وليس السلام الهش أو المؤقت أو المشروط، حيث أن تنامي القوة من خلال التنمية والاستثمار يطيل أمد السلام والاستقرار، ولكن الضعف والخذلان يجذبان العدوان والإرهاب بكافة صوره، والعكس صحيح فامتلاك القوة بحكمة، وحكمة القوة، وإرادة النهضة الوطنية ، ورسم رؤية واضحة للمستقبل، والعمل على تحقيق تطلعات الشعوب، والاحترام الدولي.
ولنا أن نسلط الضوء على أهمية تقدير الإنجازات والنجاحات الصغيرة مهما كانت، وكيف يمكن أن تكون خطوة نحو تحقيق نجاحات أكبر وداعمة للروح المعنوية على كافة الأصعدة وخاصة العسكرية والشعبية، مما يُسهم في تحقيق الأهداف المنشودة؛ فمن المهم الحفاظ على ما تحقق من إنجازات، سواء في زمن الحرب أو السلم، والعمل على زيادتها، حيث تؤدي هذه الجهود في النهاية إلى تحقيق الأهداف النبيلة وتُكسب الاحترام والتقدير من الجميع، بما في ذلك الأعداء، وذلك من خلال التعامل بالصبر والحكمة ومن منطلق القوة، حيث يمكن للفرد أو الأمة تغيير الأفكار الخاطئة المسيطرة لدى العالم، مما يُحدث تأثيرًا وتغييرًا إيجابيا.
وتبرز أهمية امتلاك فنيات دبلوماسية فعالة خلال وبعد الحروب، لدورها المهم في تحسين الظروف وتحقيق السلام، حيث تعتبر المهارات الدبلوماسية ضرورية لتأكيد الحقوق وإظهار صور العدوان غير المبرر، مما يسهم في تشكيل الرأي العام الإقليمي والدولي، كما تلعب الدبلوماسية دورًا حيويًا في دفع مبادرات السلام والتدخل الدولي، مما له دورًا فاعلًا في إبرام الاتفاقيات ونجاح المفاوضات مقابل الحروب والعدوان، فقد يكون ما يتم تحقيقه من خلال المفاوضات أكثر قيمة من نتائج الحروب، التي غالبًا ما تكلف الشعوب ثمنًا باهظًا من الأرواح والممتلكات، حيث تخلف الحروب آثارًا دائمة من الخراب والدمار وإزهاق الأرواح، وقد تستمر آثارها لعقود، مما يجعل البحث عن حلول سلمية أكثر أهمية، ومن ثم فامتلاك مهارات دبلوماسية فعالة يُعد أمرًا حاسمًا لتحقيق السلام واستعادة الحقوق، حيث يمكن أن تُسهم في تجنب الكوارث التي تأتي مع الحروب، وتحقق نتائج أكثر استدامة وتقديرًا للجهود المبذولة.
ومن الصعب حصر الأثر العميق للحروب على الأوطان، حيث تؤثر سلبًا على المجتمعات والاقتصاد والهوية، وفي المقابل تحقيق النصر يعيد الكرامة ويشعر بالقوة والعزة، فقيمة الوطن بل كل ذرة من ترابه لا تُقدَّر بثمن، وذلك يعكس أهمية الحفاظ على الحقوق والدفاع عن سيادة الأرض والعرض وتحقيق النصر المبين، فالانتماء والولاء والمواطنة السليمة غاية عليا للدول، والحفاظ عليهم يُعتبر من القيم الأساسية التي يجب غرسها وتنميتها لدي الأجيال الحالية والمستقبلية؛ فمن يفقد وطنه يفقد هويته ويصبح غريبًا في وطنه، وهذا يؤكد علي أهمية الحفاظ على الوطن ووجوبية الاصطفاف حول القيادة السياسية والمؤسسات الوطنية لحمايته من الاعتداءات بكافة صورها فهي مسؤولية جماعية تتطلب تعاون الجميع لضمان الحفاظ واستمرارية الهوية وتحقيق الاستقرار والأمان والسلام.
ومع تطور المجتمعات أصبحت طبيعة الحروب الحديثة شاملة؛ فهي ليست فقط عسكرية، بل تشمل حروبًا غير مباشرة تهدف إلى إضعاف الاقتصاد والهوية وزعزعة الاستقرار، وذلك أثر غياب الوعي بين الشعوب بطبيعة هذه الحروب، مما يجعلها عرضة للفتن والفوضى والصراعات الداخلية، المستعرة والمستمرة تأكل الأخضر واليابس، وقد اختارت الدولة المصرية بوعي تام أن تركز على النهوض باقتصادها والاستثمار في ثروتها البشرية تعليمًا وتدريبًا لتنمية الوعي السليم المسؤول وتحقيق التقدم المستدام، استلاهمًا من عبر وخبرات الماضي لبناء مستقبل مشرق تحت قيادة سياسية رشيدة تعمل بلا انقطاع وتمتلك رؤية مستقبلية لتحقيق النهضة والاستقرار.. حفظ الله وطننا الغالي الحبيب ووفق قيادته السياسية الرشيدة لرفعة شأنه.
أستاذ أصول التربية
كلية التربية بنات بالقاهرة _ جامعة الأزهر